صيغة الصلاة في «حائط المبكى»، التي تمت المصادقة عليها ومن ثم تم الغاؤها من قبل بنيامين نتنياهو بناء على املاءات الحريديين، هي نمط دائم من التنازل المتبادل، المعروف منذ نشاط حركة «أحباب صهيون». يهودا لايف بنسكر والحاخام شموئيل موهلبر وبعدهم ثيودور هرتسل واسحق يعقوب راينس وحملة الحاخام ابراهام اسحق هكوهين كوك لتفهم آكلي الفريسة في الكيبوتس، وزيارة دافيد بن غوريون لابراهام يشعياهو كارليتس في العام 1952، هؤلاء هم الاشخاص والاحداث الاكثر بروزا لرؤية الحل الوسط كمنهج حياة. بن غوريون لم يحصل على تجنيد شباب المعاهد الدينية من زعيم الحريديين في بني براك، لكن كارليتس اعترف عمليا باسرائيل، خلافا لحاخامات آخرين من وسطه.
دائما كان يوجد متطرفون على جانبي المتراس رفضوا أي اتفاق، ونظروا الى نصف الكأس الفارغ، لكن الصهيونية الاصيلة فضلت الحل الوسط دائما. وقد صمد الحل الوسط في العادة لفترة طويلة، لكنه لم يستطع البقاء الى ما لا نهاية. الوضع المتغير يحتاج الى الملاءمة، وكل تغيير كهذا متفق عليه كان يسبقه صراع علماني- حريدي، وعلى الأغلب، داخل كل معسكر من المعسكرات المتخاصمة. في الوقت الحالي التوتر العلماني الديني هو جبهة مهمة في حرب الثقافة الشاملة والمتعددة.
يحدث التغيير بشكل مفروغ منه، لكن التسليم به يتطلب فهم الجوهر الجديد. يصرخ الحاخام يغئال لفنشتاين ضد الجيش الاسرائيلي، لكنه عمليا يصرخ ضد الآباء المتدينين الذين يسمحون لبناتهم بالخدمة في الجيش. وهو يعرف أنه خسر المعركة، ويسعى الى ايجاد خط جبهة جديد لكبح استمرار تحمل العبء. والامر الملموس هو الضغط من اجل الفصل في الاكاديميا بين الطلاب والطالبات. وهذا طلب يثير التحفظ ويضر بالباحثات، لا سيما أن العميد خضع وهو يمنع دخولهن من اجل التعلم مع الرجال. ولكن الحريديين يطلبون، والجامعات التي لا تريد أن تخسر رسوم التعليم، مترددة، وهناك امكانية لحل وسط. مثلا التعلم في صفوف منفصلة، لكن النساء الاكاديميات سيرغبن في صفوف الرجال، والعكس صحيح.
لماذا؟ لأنه في هذه النقطة نفتالي بينيت على حق. رغم أن الأمر يثير الغضب، إلا أن المهم في الأولويات القومية هو جذب الحريديين الى الاكاديميا. وفي الأصل، اذا تعلموا بشكل منفصل سيقتحم اخوانهم الشباب بسرعة الحاجز وسينضمون الى الصفوف المختلطة. والبديل هو عدم وصولهم الى الجامعة وصهرهم في دائرة الرعاية. هذه هي الحال، الحل الوسط مؤلم دائما، لكنه حل حكيم.
المشكلة تظهر عندما يخل الاطراف بالحل الوسط قبل انطلاقه، مثلما حدث في صيغة «حائط المبكى». الاخلال يعبر عن الضعف: القيادات، سواء في الحكومة أو في الساحات الحريدية، فقدت سلطتها وسيطرتها على الشارع غير المنضبط. وفجأة ظهر ما يشبه «تدفيع الثمن» أو «شبابا» حريديين، يعبرون عن «انتصار العنيف والقوي»، ومنعوا الوزراء واعضاء الكنيست التابعين لهم من احترام تعهداتهم بتأييد الصيغة.
على هذا المفترق كان من المفروض أن يصمم نتنياهو على موقفه، لأن الحلول الوسط تم التوصل اليها من خلال مفاوضات صعبة، وتم ايضا التوصل الى تنسيق بين الحكومة وبين يهود الولايات المتحدة من جهة، ومع وزراء الحريديين من جهة اخرى. وطالما أنهم أجروا المفاوضات، كان يمكن لي الأذرع. ولكن عندما وجد الجميع نقطة التوازن، كان يفترض بنتنياهو أن يكبح مطالب «يهدوت هتوراة» الاخرى.
لم يفعل نتنياهو ذلك لأنه يهتم فقط بالحكم والبوظة الخضراء والشمبانيا. عندما تكون الأهداف بدون قيمة فهي لا تصمد مقابل الابتزاز. من وجهة نظر صهيونية الثمن باهظ. لأول مرة في التاريخ تنفصل قيادة يهود الولايات المتحدة عن رئيس حكومة إسرائيلي من خلال عدم الالتقاء معه. نتنياهو بتصرفه لم يقم بلعب دور رئيس دولة الشعب اليهودي، وهو الدور الذي يتحدث عنه كثيرا. هذه سخرية القدر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف