جنين - تقرير مجد حثناوي:ليس من المستغرب ولا المستهجن قيام الاحتلال بهدم اضرحة الشهداء الفلسطينيين عدة مرات، بذريعة التحريض على الإرهاب بحسب تصريح الاحتلال، كهدم ضريح الشهيد العقيد في قوات الثورة الفلسطينية خالد نزال الكائن في قباطية، لكن دوافع تتجاوز ذلك كونها أداة تخفي جميع أدوات التعريف للفلسطيني وتحوله إلى نكره مع ذاته ومع الآخر الإسرائيلي.
قدسية الاضرحة
عموما، تأخذ اضرحة الشهداء حيزا مقدسا لدى الإنسان، ويأتي التقديس كما يصفه بعض المؤرخين ذا معنى نفسي وفلسفي أكثر من كونه معنى مادي بحت، فالإنسان لا يتوجه إلى الأحجار أو المقامات بغيا الأمور المادية بقدر حاجته في إشباع الجانب الروحي والنفسي.
والفلسطيني بشكل خاص تتجلى علاقته مع شهداءه كونهم أداة لتشكيل الهوية الجماعية والفردية، فيقول المختص بعلم الاجتماع ساهر موسى، أن الفلسطيني يستخدم الأضرحة في تعريف نفسه وهويته، فيقال ان فلان ابن الشهيد، واخ الشهيد وأبو الشهيد، وتحمل تلك الألقاب دلالات عميقة، وضريح الشهداء أيضا قد يستخدم أداة مقارنة فعالة للفلسطيني للحالة النضالية عموما منذ النكبة والانتفاضتين حتى الطرق السلمية في النضال.
وتتجلى تلك المقارنات التي تحدث عنها المختص ساهر عندما توجهت زوجة مروان البرغوثي إلى ضريح ياسر عرفات، توجه فيها رسالة إلى عدم مقدرة السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي في حل مشكلة الأسرى، عبر استحضار المرحلة النضالية التي كانت أبان حكم عرفات بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام المحلية.
صورة الأسد
ظاهريا، إن هدم الأضرحة هو سلوك استعماري طبيعي لتثبيت الاحتلال فكما يقول الفيلسوف محمد إقبال ان الاستعمار يعتمد على قاعدة لخصها في بيت شعر «علموا الليث جفلة الظبي وامحوا ** قصص الأسد في الحديث القديم».
بمعنى علموا الأسد الصغير عادة الغزلان البريئة لأنه سيصبح غزالا ولا تنسوا أن تمسحوا قصص الأبطال الذي هم أجداده من ذاكرته .
ويقول المختص ساهر في هذا السياق أن إسرائيل تحاول من خلال هدم الأضرحة تحويل الشهداء إلى «إمعات»، والإمعة «مصطلح تقف وراءه عملية نفسية اجتماعية معقدة بطريقة مرعبة وهي، ببساطه هي سلب الإنسان الطبيعي من هويته، وتجريده من كل ما يميزه كإنسان، وتحويله لنكرة غير موجود وكأنها تحاول إنتاج فلسطيني جديد، وكائن غير الذي نعرفه».
ويضيف «من هذه الزاوية يغدو الفلسطيني الجديد كائنا ممسوخ الذاكرة، لا تاريخ يحثه ولا حلم يشده ولا أمل يتعلق به».
كي الوعي
وبالإضافة إلى إزالة ضريح نزال تكثف إسرائيل جهودها في إزالة أعلام المقاومة الفلسطينية مثل مقبرة باب الرحمة «من أقدم المقابر الإسلامية في القدس»، والتي تحتوي على قبور الصحابة وأبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، وضريح الشهيد عز الدين القسام في مدينة حيفا.
ويقول العضو الثوري في حركة فتح جمال الشاتي في ما يخص استهداف الرموز النضالية «نحن أمام عدوٍّ أحتل أرضنا وشرّد شعبنا ويسعى الآن بكل ما أوتي من قوة مع كل حلفائه إلى كي وصهر الوعي الفلسطيني من خلال استهداف رمزية التضحية في مسيرة لنضال الفلسطيني المتمثلة بالشهداء والجرحى والأسرى وكل ما له علاقة بهذه الفئات المناضلة».
ويضيف يهدف الإسرائيلي إلى إيصال الشعب الفلسطيني إلى مرحلة التنكر إلى تاريخه ونضاله الوطني بشهدائه وجرحاه وأسراه ومناضليه، وإن أجهزة الاحتلال المختلفة وخبراء التأثير والسيطرة استحدثوا مصطلح جديد اسمه «كي الوعي الفلسطيني لكسر كل مفاهيم النضال والمقاومة وإسقاط مفاهيم ومعاني جديدة حول القضية في عقول الفلسطينيين، منها مثلا استحالة تحرير فلسطين ومنها أيضا التسليم بعدمية فائدة المقاومة».
ونتذكر في سياق هدم أضرحة الشهداء قول والد شهيد من مخيم جنين أبان اشتياحه عام 2002، بعد اختراق 50 رصاصه جسد ابنه وثلاث رصاصات حفرت على قبره أيضا، قائلا «يبدو أن الاحتلال لا يكتفي بقتلنا مرة واحدة!».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف