رغم الارتفاع المضني في درجات الحرارة، انتهى هذا الاسبوع شهر رمضان هاديء نسبيا مقارنة بسابقيه. صحيح أننا تعرضنا لعملية خطيرة وفتاكة في القدس، ولكن اجواء العنف الواسع التي ميزت شهري رمضان في السنتين الاخيرتين بما فيهما رمضان السنة الماضية، الذي قتل فيه ستة اسرائيليين، لم تكرر نفسها. نحو سنتين منذ بدء موجة العمليات، يبدو واضحا تعب ولا مبالاة في اوساط معظم الجمهور الفلسطيني. فالسياسة الاسرائيلية الحكيمة للتسهيل على الفلسطينيين في كل مكان ممكن، تثبت نفسها كمساهمة في لجم الارهاب.
لقد فوجيء الكثير من الفلسطينيين ممن مروا في الحواجز في هذا الشهر إذ التقوا جنودا هنأوهم برمضان كريم. فقد اكتشفوا في الجيش الاسرائيلي بان تهنئة سلام صغيرة بالعربية تعمل كالسحر على اللقاء المشحون الذي بين الفلسطيني والجندي، ودفعة واحدة يتعطل العداء البنيوية فيه. في بعض الجبهات في يهودا والسامرة وجه القادة تعليماتهم للجنود ان يستخدموا كلمات "مرحبا" او "مع السلامة" حين يتوجهون الى الفلسطينيين. بادرة طيبة صغرى تفعل فرقا هائلا.
لقد أكدت عمليات الافراد لدى القادة في الجيش الاسرائيلي الحاجة الى الاعتراف بثقافة السكان الذين يعملون في اوساطهم. لا يدور الحديث عن فهم جديد: ففي اثناء احتلال النقب في حرب الاستقلال فهم مؤسسو الجيش الاسرائيلي بانه في المواجهة الجارية في محيط مدني معادٍ توجد اهمية عليا لمعرفة السكان واوضاعها. وفي السنوات القاسية التي مرت على الجيش الامريكي في العراق وفي افغانستان طوروا هذا المفهوم، وعلى طريقة الامريكيين جعلوه مذهبا منظما: معرفة الثقافة المحلية حاسمة لنجاح الجيش العامل في اوساطه. وفي اللغة العسكرية يسمون هذه المعرفة بـ "الارضية الانسانية" (Human Terrain).
يؤمن رئيس الاركان جادي آيزنكوت، الذي كان يقود يهودا والسامرة في الماضي، بهذا المفهوم جدا. فعندما بدأت موجة عمليات الافراد في ايلول 2015، عرف كيف يقف في وجه اندلاع التاريخ الذي اجترف البلاد ولم يسمح للجيش الاسرائيلي بالانضمام اليه. وباسناد من وزير الدفاع في حينه بوغي يعلون، قاد سياسة تمييز بين منفذي الارهاب وباقي السكان، ورفض بعناد كل اقتراحات العقاب الجماعي. أما افيغدور ليبرمان فاختار بتعطل مواصلة هذا الخط، والنتائج واضحة.
لقد أتاح الانخفاض المستمر في العنف لقادة الجيش الاسرائيلي في المناطق النزول للتعرف على السكان الذين تحت سيطرتهم عن كثب، فتعرفوا على ازماتهم وتطلعاتهم. وفوجيء بعضهم إذ اكتشف بان الغالبية الساحقة من السكان الفلسطينيين غير مبالين من الكفاح ضد اسرائيل. فهم مشغولو البال اكثر بكثير بجودة حياتهم مما من الاحتلال او من السعي لحل النزاع.
واستنادا الى الاستطلاعات، فالتقدير هو ان نحو 65 في المئة من الفلسطينيين، لن يشاركوا مشاركة فاعلة في اعمال العنف. في اسرائيل يسمونهم "المردوعين": وعي الكفاح موجود في اوساطهم وسيعلنون في كل مناسبة عن معارضتهم للاحتلال، ولكنهم غير معنيين في عمل فاعل ضده. ليس لهم تفضيل واضح بين دولة واحدة (يكونون فيها الاغلبية) وبين دولة فلسطينية مستقلة. والمنتمون لمجموعة "المردوعين" سيبذلون كل جهد مستطاع كي يمنعوا ابناؤهم عن المشاركة في اعمال العنف.
ومع تضعضع وعي الكفاح، حل ايضا تآكل في مفهوم التعاون في المجتمع الفلسطيني. فاجراء اتصال او حوار مع ضباط الجيش الاسرائيلي، والذي كان يعد في الماضي تجاوزا للخطوط ويتم في الظلام، يجري اليوم علنا ولا يعتبر امرا ممنوعا. واقام الكثير من القادة في الجيش الاسرائيلي لانفسهم منظومة اتصالات مع اناس في المجتمع المدني الفلسطيني يتيح لهم أن يفهموا على نحو افضل السكان في ازماتهم وتطلعاتهم.
والى جانب "المردوعين" توجد مجموعتان أخريان اقليتان في المجتمع الفلسطيني: النواة الصلبة للارهاب والعنف، التي تضم نحو 20 في المئة من السكان، وترتبط ايضا بهذا الشكل أو ذاك بمنظمات الارهاب؛ والمجموعة التي يسمونها في الجيش الاسرائيلي "المتصالحين" ممن تنازلوا تماما
عن وعي الكفاح. في نظر هذه المجموعة، التي تقدر بنحو 15 في المئة من الفلسطينيين، فالكفاح حسم بانتصار اسرائيلي والموضوع ببساطة لا يعنيهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف