- الكاتب/ة : عميرة هاس
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2017-07-20
هل مدينة القدس القديمة من دون فلسطينيين أمر من المستحيل تخيّله؟ لا يمكن وضع هذا السؤال في كلمات لو كان هذا أمراً لا يمكن تخيله. مع مدينة الأشباح في الخليل والجحيم في غزة المحاصرة، لا مفر من الاستنتاج بأن دينامية استمرار اتفاق أوسلو المؤقت إلى ما لا نهاية وأسطورة الأمن يمكن أن يؤديا أيضاً إلى سيناريو مرعب مماثل.
"الأمن" في إسرائيل هو فقط لليهود ودولتهم. وحقيقة أن الفلسطينيين يعيشون تحت سلطتنا طوال الوقت من دون أمن على صعيد جسدي، ومهني، وخاص، ونفسي وغذائي، لا وجود لها في أي تقدير استخباراتي وموقف أخلاقي.
من أجل أمن مستوطنين في الخليل، أمر رئيس الحكومة الراحل، اسحق رابين، بمعاقبة الفلسطينيين بالحصار والتمييز بسبب المذبحة التي ارتكبها بحقهم د. باروخ غولدشتاين [الذي أطلق النار في 25 شباط 1994 على مصلين في المسجد الإبراهيمي، فقتل 29 مصلياً وجرح 150 آخرين]. لقد أصبح عدد العرب أقل في شوارع الخليل، وأمن اليهود أصبح أكبر. وجميع الذين جاؤوا بعد رابين مشوا على هذا المنحدر نحو مدينة الأشباح في الخليل.
تعاملت إسرائيل ولا تزال تتعامل مع مفاوضات السلام كلعبة كرة قدم أو حلبة مصارعة: يجب أن يكون هناك منتصر ومنهزم. اختفى السلام كمصلحة مشتركة من حيّز الوعي والمشاعر الإسرائيليين. ومنذ سنة 1994 بثت تعليمات المسؤولين وأفعال الجيش الإسرائيلي على الأرض والإدارة المدنية رسالة معاكسة: يجب أن ننتصر على الفلسطينيين في المفاوضات.
وما هو الانتصار؟ لن تنشأ دولة فلسطينية مستقلة بحسب رؤية الأمم المتحدة وقراراتها وكما وافق عليها الفلسطينيون منذ 1988. إن فصل قطاع غزة (بدأ سنة 1991) عن سائر الأرض الفلسطينية، وفصل القدس الشرقية (منذ 1993) عن الضفة الغربية وعن غزة، كانا خطوتين أمنيتين موقتين. لكن منذ بداية تطبيق اتفاق أوسلو أثبتت إسرائيل أنها لا تلغي الفصل بل تفاقمه. وهذان الانفصالان كانا الشرطين الأولين الضروريين لإحباط قرارات الأمم المتحدة.
في المعارك المرحلية التي وقعت منذ 1994 انهزم الفلسطينيون. ومن خلال ضعفهم المزمن أنشأوا منظومة مزدوجة ومتشعبة لحكم ذاتي محدود، مصلحته في البقاء على قيد الحياة مرتبطة بمصلحة إسرائيل بالتظاهر بتمسكها بالمفاوضات، وأدى ذلك حتى الآن إلى نشوء جيوب من سيادة وهمية. في الماضي كانت المفاوضات مهمة، لكن كلما ابتعد السلام تحولت المفاوضات إلى هدف. حالياً أصبح استئناف المفاوضات هو الهدف. ومع ذلك يجب أن نتذكر أنه برغم الهزائم المرحلية، فإن القيادة الفلسطينية لم تضع توقيعها المأمول على اتفاقية استسلام نهائية.
الاعتقالات اليومية، والحواجز، والاقتحامات، وإعطاء المستوطنين المزيد من الطرقات والأحياء، والاعتقالات بسبب كلام على الفايسبوك، والأحكام التي يصدرها القضاة بطرد الفلسطينيين من منازلهم كي يستطيع اليهود أن يسكنوا فيها، ومدة كل بضعة سنوات هجمات وحروب، كل تلك خطوات في المفاوضات. وكلما ساء الوضع قليلاً يمكن حينها إجراء مفاوضات مرحلية مطوّلة بهدف "إعادة الوضع إلى ما كان عليه". وخطوة بعد خطوة تأمل إسرائيل التقدم نحو توقيع فلسطيني على الاستسلام.
إن آلات فحص المعادن التي وضعت [في القدس] هي خطوة أمنية. وعلى ما يبدو فهي ضرورية. ولا علاقة لها بخطوات أخرى، بيروقراطية، وتخطيطية، وقانونية وإدارية، اتخذتها إسرائيل بصورة منهجية بهدف تفكيك القدس الشرقية كمدينة فلسطينية وكعاصمة لفلسطين.
إن المسؤولين الإسرائيليين يقلبون هذا الواقع العنيف رأساً على عقب: إسرائيل هي التي تدافع عن نفسها والفلسطينيون هم المهاجمون. وهذا يتيح تشديد السياسة العدائية ضدهم طوال الوقت، وبالتدريج، وكما يتوجّب الرد. الأمن هو لليهود فقط. مفاوضات لا نهاية لها وفصل وحصار حتى الاستسلام الفلسطيني، وضعف فلسطيني: كل ما جعل الخليل وغزة ممكنين، موجود هنا في القدس. إن الطابع الإسلامي الشامل للأقصى سينقذنا من تحويل القدس إلى مدينة خليل أخرى، لكنه لا ينقذنا من الخطو على هذه الطريق.
"الأمن" في إسرائيل هو فقط لليهود ودولتهم. وحقيقة أن الفلسطينيين يعيشون تحت سلطتنا طوال الوقت من دون أمن على صعيد جسدي، ومهني، وخاص، ونفسي وغذائي، لا وجود لها في أي تقدير استخباراتي وموقف أخلاقي.
من أجل أمن مستوطنين في الخليل، أمر رئيس الحكومة الراحل، اسحق رابين، بمعاقبة الفلسطينيين بالحصار والتمييز بسبب المذبحة التي ارتكبها بحقهم د. باروخ غولدشتاين [الذي أطلق النار في 25 شباط 1994 على مصلين في المسجد الإبراهيمي، فقتل 29 مصلياً وجرح 150 آخرين]. لقد أصبح عدد العرب أقل في شوارع الخليل، وأمن اليهود أصبح أكبر. وجميع الذين جاؤوا بعد رابين مشوا على هذا المنحدر نحو مدينة الأشباح في الخليل.
تعاملت إسرائيل ولا تزال تتعامل مع مفاوضات السلام كلعبة كرة قدم أو حلبة مصارعة: يجب أن يكون هناك منتصر ومنهزم. اختفى السلام كمصلحة مشتركة من حيّز الوعي والمشاعر الإسرائيليين. ومنذ سنة 1994 بثت تعليمات المسؤولين وأفعال الجيش الإسرائيلي على الأرض والإدارة المدنية رسالة معاكسة: يجب أن ننتصر على الفلسطينيين في المفاوضات.
وما هو الانتصار؟ لن تنشأ دولة فلسطينية مستقلة بحسب رؤية الأمم المتحدة وقراراتها وكما وافق عليها الفلسطينيون منذ 1988. إن فصل قطاع غزة (بدأ سنة 1991) عن سائر الأرض الفلسطينية، وفصل القدس الشرقية (منذ 1993) عن الضفة الغربية وعن غزة، كانا خطوتين أمنيتين موقتين. لكن منذ بداية تطبيق اتفاق أوسلو أثبتت إسرائيل أنها لا تلغي الفصل بل تفاقمه. وهذان الانفصالان كانا الشرطين الأولين الضروريين لإحباط قرارات الأمم المتحدة.
في المعارك المرحلية التي وقعت منذ 1994 انهزم الفلسطينيون. ومن خلال ضعفهم المزمن أنشأوا منظومة مزدوجة ومتشعبة لحكم ذاتي محدود، مصلحته في البقاء على قيد الحياة مرتبطة بمصلحة إسرائيل بالتظاهر بتمسكها بالمفاوضات، وأدى ذلك حتى الآن إلى نشوء جيوب من سيادة وهمية. في الماضي كانت المفاوضات مهمة، لكن كلما ابتعد السلام تحولت المفاوضات إلى هدف. حالياً أصبح استئناف المفاوضات هو الهدف. ومع ذلك يجب أن نتذكر أنه برغم الهزائم المرحلية، فإن القيادة الفلسطينية لم تضع توقيعها المأمول على اتفاقية استسلام نهائية.
الاعتقالات اليومية، والحواجز، والاقتحامات، وإعطاء المستوطنين المزيد من الطرقات والأحياء، والاعتقالات بسبب كلام على الفايسبوك، والأحكام التي يصدرها القضاة بطرد الفلسطينيين من منازلهم كي يستطيع اليهود أن يسكنوا فيها، ومدة كل بضعة سنوات هجمات وحروب، كل تلك خطوات في المفاوضات. وكلما ساء الوضع قليلاً يمكن حينها إجراء مفاوضات مرحلية مطوّلة بهدف "إعادة الوضع إلى ما كان عليه". وخطوة بعد خطوة تأمل إسرائيل التقدم نحو توقيع فلسطيني على الاستسلام.
إن آلات فحص المعادن التي وضعت [في القدس] هي خطوة أمنية. وعلى ما يبدو فهي ضرورية. ولا علاقة لها بخطوات أخرى، بيروقراطية، وتخطيطية، وقانونية وإدارية، اتخذتها إسرائيل بصورة منهجية بهدف تفكيك القدس الشرقية كمدينة فلسطينية وكعاصمة لفلسطين.
إن المسؤولين الإسرائيليين يقلبون هذا الواقع العنيف رأساً على عقب: إسرائيل هي التي تدافع عن نفسها والفلسطينيون هم المهاجمون. وهذا يتيح تشديد السياسة العدائية ضدهم طوال الوقت، وبالتدريج، وكما يتوجّب الرد. الأمن هو لليهود فقط. مفاوضات لا نهاية لها وفصل وحصار حتى الاستسلام الفلسطيني، وضعف فلسطيني: كل ما جعل الخليل وغزة ممكنين، موجود هنا في القدس. إن الطابع الإسلامي الشامل للأقصى سينقذنا من تحويل القدس إلى مدينة خليل أخرى، لكنه لا ينقذنا من الخطو على هذه الطريق.