أخطأ بنيامين نتنياهو، هذا الاسبوع، خطأ كبيرا. ففي محاولته العودة الى لحظة بداية صراعه ضد الاتفاق النووي مع ايران اعتقد أن اهانة الديمقراطيات الكبيرة والمهمة في اوروبا ستتم الموافقة عليها في اوساط اليمين بدرجة الانفعال التي تم فيها الموافقة على خطابه التحريضي ضد اوباما في الكونغرس. وقد اعتقد نتنياهو في ذلك الوقت أنه يستطيع أن يصبح الزعيم الحقيقي لليمين في الولايات المتحدة. ماركو روبيو، الشاب الذي سيتم انتخابه للرئاسة، سيؤيده ويستمد الالهام منه. واذا تم انتخاب كلينتون فسيكون باستطاعته دائما الادعاء بأنه زعيم اليمين الاميركي المهزوم.
إلا أن الجميع فوجئوا من فوز دونالد ترامب، الذي قام بادارة ظهره للسياسة وانظمة الحكم. ولم يعد نتنياهو مصدر الهام بالنسبة لليمين في أميركا، وتبين له أن اللعبة الأميركية ضائعة، على الأقل طالما استمر ترامب في منصبه. وترامب ليس بحاجة اليه، والجمهوريون لن يوافقوا على التآمر ضده في الكونغرس كما فعل نتنياهو ضد اوباما. وعندما استيقظ من الصدمة توصل نتنياهو الى الاستنتاج المطلوب، وهو العمل ضد ترامب؛ حيث يجب تركه لليسار في أميركا، الذي لا يكف للحظة عن محاولة اضعاف ادارته، بالضبط مثلما أن العمل ضد يائير لبيد باعتباره تهديدا اساسيا لحكومته، يتركه لليسار في اسرائيل الذي لا يكف للحظة عن اضعاف لبيد بدل اضعاف نتنياهو.
بالنسبة لنتنياهو يجب عليه العودة فورا وتعزيز مكانته المتضعضعة كزعيم كبير وحكيم، أمام بوتين وترامب ايضا. وعليه أن يتحول من الآن مصدر الالهام الجديد، ليس فقط لافريقيا والهند البعيدتين، بل ايضا لليمين الابيض في اوروبا، حيث يقوم بقيادة تمرد المهانين ضد القيم الانسانية الفاشلة للعالم الديمقراطي، بالضبط مثلما فعل ذلك بنجاح في اسرائيل. وهكذا يتبين لمؤيديه أنه ليس فقط رئيس حكومة اسرائيل الصغيرة. فهذا منصب صغير وهامشي، بل الزعيم الدولي الكبير الذي يستطيع توضيح الطريق لهذا العالم المشوش.
لكن نتنياهو فشل هنا. فقراره أن يصبح زعيما رمزيا للدول الاشكالية في اوروبا الشرقية، التي تخضع للتأثير القوي لحركات اليمين (اللاسامية) لا يضعه مثلما في السابق أمام قادة يساريين مكروهين مثل اوباما، بل أمام قادة وسط حكماء يسيطرون الآن على الديمقراطيات المهمة في اوروبا. هذه هي حال عمانوئيل مكارون في فرنسا وتريزا ماي في بريطانيا وانغيلا ميركل في ألمانيا. فهؤلاء القادة المسؤولون يدركون جيداً المشكلات التي تواجه اوروبا، وقد تم انتخابهم من أجل مواجهتها.
إن مهاجمة اوروبا الكلاسيكية باسم الساحة الخلفية، الفاشية والشيوعية سابقا، تثير الاستغراب والشك في اوساط الاسرائيليين. أين يمكن إيجاد المزيد من الاماكن الجميلة من اجل الرحلات العائلية الآمنة والرخيصة نسبيا؟ والشيء ذاته ايضا بالنسبة لمهاجمة بوتين وترامب ايضا: هل قرر نتنياهو الخروج الى حرب ضد الغرب كله؟ فقدان التقديرات العقلانية يعطي المبرر لقادة المعارضة في الذهاب في أعقاب الغرائز الصحيحة للبيد وانشاء علاقات طبيعية مع ترامب ومع القادة الاوروبيين. عندما يضع نتنياهو نفسه في الزاوية البعيدة فيجب على قادة المعارضة الاهتمام باستمرار الصلة السليمة بين اسرائيل واوروبا والولايات المتحدة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف