- تصنيف المقال : موقفنا
- تاريخ المقال : 2017-07-26
جاءت عملية القدس المحتلة التي نفذها الشبان الثلاثة من آل الجبارين لتعيد القضية الفلسطينية ” المغيّبة” طوال سنوات "الخريف العربي" إلى الواجهة السياسية، وتوجه رسائل ذات دلالات مهمة من انحراف عن المسار الطبيعي للمواجهة مع الكيان الصهيوني، مع العلم مسبقا أن الحركة الشعبية على امتداد العالمين العربي والإسلامي، لن تحدث تغيرا جذرياً في الواقع الفلسطيني نحو تطورات نوعية للقضية، ولن تستطيع ان تقف في طريق التطبيع الذي تسير فيه دول بعينها لإتمامه وشرعنته.
فإسرائيل قالت بوضوح أنها أعلمتهم ونسّقت معهم في الإجراءات الأخيرة التي قامت بها في القدس المحتلة، لأن التحركات السياسية والخطوات المتصاعدة واللعب لتلك الدول، بات على المكشوف، وفي وضح النهار، وستفقد هذه الهبّة زخمها، مالم تُؤطّر بمسار سياسي وعسكري أساسه المراجعة الشاملة لمسار محور المقاومة، واستراتيجية مواجهة كانت قد طُرحت اكثر من مرة، وقد غابت وتاهت في غياهب العدو التكفيري الجديد وأولوية مواجهة المشروع الإقصائي للمجموعات الإرهابية في المنطقة، والذي بسببه تؤجل المعارك الأخرى.
الان هو الوقت المناسب لتفعيل استراتيجية مواجهة جديدة مع الإسرائيلي، أساسها توحيد وتنسيق جبهات المواجهة في فلسطين ولبنان والجولان، هذه الاستراتيجية التي تراجعت بسبب المشروع التكفيري في جغرافيا المنطقة، ولاسيما جبهة سورية، وبشكل حقق فيه إشغالاً مثالياً لمحور المقاومة. هكذا استراتيجية تحقق هدفين في آنٍ واحد :
اولا– الضغط علي الإسرائيلي لجهة مراجعة استراتيجيته الداعمة للمجموعات المسلحة، وتشتت المشهد السار والمريح له، والمستند بطبيعة الحال، لديمومة نزيف الدم، وإطالة أمد الحرب.
ثانيا– التأسيس لحل سياسي سريع، تختفي معه كل المناورات والكذب والعودة للمربع الأول، واستثمار الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية تمارسها جهات إقليمية ودولية.
ما يجري في القدس اليوم يحتم ضرورة تحمل المسؤوليات، وتوحيد الإرادات، وتوجيها لمسارها الذي يجب أن توجه إليه، طالما نقدم أنفسنا في إطار المحور والخندق والمصير الواحد.
فما دامت هذه المعركة قد فتحت فلا بد من الاتفاق على الاستمرار فيها للتخلص من الاحتلال والاستيطان والتهويد من حيث أتى. وبعد ذلك لكل حادث حديث. فمن أراد الهدنة جربها، ومن أراد دولة أقترب منها، ، ومن يريد أن يواصل الدرب للتحرير الكامل من النهر إلى البحر يكون قد تقدم خطوة إلى أمام في هذا الاتجاه. وكذلك من يريد أن يُوّحد بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة فلن يتحقق حلمه إلاّ بالتوجه ضد الاحتلال والاستيطان والتهويد. فما لم تحرر الضفة الفلسطينية فلا قيمة لوحدة مع قطاع غزة على حساب تجريدها من سلاح المقاومة وأنفاقها. بل سيكون ذلك عودة لاحتلال قطاع غزة. بعد ان ينكشف القطاع لجيش العدو كما هو حال الضفة الفلسطينية.
الكل موحد في الموقف دفاعا عن المسجد الأقصى في هذه المعركة، كما في فتح الجبهة لدحر الاحتلال والاستيطان بلا قيد أو شرط.
الفلسطينيين يعرفون تمام المعرفة، خطط إسرائيل وألاعيبها، أكاذيبها ومناوراتها، فهنا خبرة اكثر من مئة عام من المواجهة مع الصهيونية منظمات وعصابات ودولة وقطعان مستوطنين، ولا أحد مثل الشعب الرازح تحت الاحتلال، القديم منه والحديث، قادر على إنتاج المبادرات والأشكال الكفاحية المبدعة، التي تتعاطى مع كل ظرف مستجد، وتستجيب لكل تحدّ ناشئ. فبهذه الخبرة عرف الفلسطينيون فورا مغزىالإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بشأن الحرم القدسي الشريف ، فيما كان بعض العرب ينظرون لهذه الإجراءات بالاستخفاف، وأن “مؤقت إسرائيل دائم”، وأن الأحزمة الأمنية كانت على الدوام، طريق الاحتلال للضم والإلحاق والتهويد والاستيطان، لم يشتروا بضاعة نتنياهو الكاسدة، مثلما فعل بعض العرب الغافلين والمتخاذلين.
لم ينتظر شعب فلسطين قياداته حتى تتوحد، وتقدم المصلحة العليا على مصالح “أمراء الانقسام”، ولم ينتظر التعليمات لا من رام الله ولا من غزة، هبوا هبة رجل واحد، من القدس ومناطق الاحتلال القديم (1948) والضفة الغربية، ليحموا بأجسادهم العارية، عروبة مدينتهم وإرثها الإسلامي، وليبددوا بزحفهم الشعبي أسطورة “العاصمة الأبدية الموحدة”.
في زمن الانقسامات المذهبية والطائفية، يخرج مفتي القدس ورئيس أساقفة سبسطية للحديث بلغة واحدة، نحن شعب واحد، والأقصى مثل القيامة، مقدسات فلسطينية تتعرض للتدنيس، والتصدي للمؤامرة الصهيونية، فريضة عين على كل مسلم ومسيحي في فلسطين؛ تصدح الكنائس بالأذان عندما يعز رفعه في المساجد، ويطلب المفتي إلى مختلف مساجد القدس بغلق أبوابها حتى يفتح باب الأقصى. مشهد كدنا ننساه في عصر حروب المذاهب والطوائف والقتل والتهجير على الهوية.
القدس والأقصى، يعيدان “تذخير” و ”شحن” طاقة الغضب والانتفاض التي تعتمل في صدور الفلسطينيين جميعا، وما عاشته العاصمة الفلسطينية المحتلة في يوم الغضب، سيعطي زخما جديدا للروحية الكفاحية الفلسطينية، وسيدرك نتنياهو أن شعب “الجبارين” عصي على الكسر والاستيعاب، وأن حرب المائة عام التي بدأت في العام 1917، لن تضع أوزارها في العام 2017.
حكومة مستوطنين يقودها ائتلاف حكومي هش بفارق صوت واحد ، جعلت من نتانياهو يفقد رشده وسط ملفات التحقيق بالفساد معه ومع زوجته ، حكومة يمينية منحت شذّاذ الافاق والمجانين من المستوطنين فرصة استخدام ماكينات الكراهية والحرب الى أبعد مما يتخيّله اي مراقب . يساعدهم في ذلك الادارة الامريكية الفاشلة التي انفضحت عيوبها أمام كاريزما الرئيس الروسي بوتين ونجمه الصاعد ، وفي كل مرة كان يخفق الرئيس الامريكي ، كان ينجح الرئيس الروسي ، فاضطرب البيت الابيض وبات يتخبط مثل غريق في بحر . وليس ثمة أسوأ من حكومة المستوطنين الّا الادارة الامريكية ( السكرانة ) وموفديها " الاغبياء" الى المنطقة الذين حاءوا يبحثون مشكلة المجاري وتعبيد الشوارع والتنسيق الامني بدلا من الملفات النهائية ، واطلقوا على ذلك اسم الحل التاريخي وصفقة العصر .
نتانياهو مجنون وحاقد وعنصري وهو يأخذ الجميع نحو المجهول ، يسمح للمستوطنين المسلحين ان يعربدوا في الشوارع ويرشقون السيارات العربية بالحجارة ويحرقوا المساجد والكنائس. هو يريد ان يغرق الجميع في حرب دينية لا نهاية لها لإنهاء أي أمل بالسلام حتى بعد أجيال . باختصار نتانياهو قرر أن يهدم المعبد على رأس الجميع فاستعدوا للأسواء .