في المرة القادمة التي ستطلق فيها كبسولة أو بالون من قطاع غزة نحو اسرائيل، سيبدأ الجيش الإسرائيلي بالإعداد لوضع سقف من الحديد فوق القطاع من اجل منع اطلاق الكبسولة أو البالون، وتصبح غزة معزولة عن سمائها ايضا، لأن الحديث يدور عن أمن اسرائيل. وعندما سيتصدع السقف وتستطيع غزة من جديد اطلاق البالون أو الكبسولة ستنتقل الاجهزة الامنية والعسكرية في اسرائيل الى المرحلة التالية وهي اغراق القطاع بالمياه بشكل كامل، لأن الحديث يدور عن أمن اسرائيل. والى حين يتم ذلك – الخطة توجد في الجارور – سيكتفي الجيش الاسرائيلي المتواضع بالامور الصغيرة وهي بناء «العائق» الجديد في محيط قطاع غزة، وهو أب لكل الجدران التي تحيط اسرائيل نفسها بها، بارتفاع ستة امتار وبعمق عشرة امتار تحت الارض، بالضبط مثل الكافتيريا الموجودة في طبرية. ولكن هذا أمر مضحك بشكل أقل وهستيري بشكل أكبر، وهو أن تتحول اسرائيل الى دولة في قلبها جدار: لا تحب شيء أكثر من احاطة نفسها بالجدران.
إن التاريخ مليء بالزعماء الذين قاموا ببناء القصور، واسرائيل تكتفي في الوقت الحالي ببناء الجدران. جدار الفصل والجدار الحدودي. الجدار السيئ والجدار الجيد، كل البلاد جدران. جدار وبرج 2017: جدار اسمنتي وبرج من المكانة الرفيعة. فقط امنحوا المبرر لوزارة الدفاع وهي ستقوم باحاطتنا بجدار يكلف المليارات. دائما يمكن توفير المال من اجل هذا الامر. جدار مخيف في وجه لاجئ من افريقيا، وجدار فصل في المناطق في وجه الحفاة في مخيم الدهيشة. وقد حان الوقت الآن لتطوير وتحسين جدار غزة من اجل وقف حفر الانفاق. وقريبا سيكون جدار الكتروني محيط بأم الفحم كرد على الارهاب الذي يخرج منها.
قائد المنطقة قام بتبشيرنا واقتبس المراسلين العسكريين، واسرائيل ردت بتثاؤب، والطريقة معروفة: أولا يتم بناء صورة الوحش (الانفاق) وبعد ذلك يتم ايجاد الحل. وها هو مشروع آخر بتكلفة 3 مليارات شيكل، حيث سيقوم ببناء هذا الجدار عمال من مولدوفا ومن طالبي لجوء من افريقيا. وها هو جدار آخر. وسيتم وضع اجهزة للرؤية واطلاق النار، مع مجندات شجاعات يحصلن على المجد في الصحف بعد كل عملية قتل، وايضا أقفاص كبيرة من الحديد مع انابيب ضد الماء ومجسات للتحذير. فقط هناك تحذير واحد ناقص في هذا الجهاز وهو التحذير من جنون الاجهزة. دونالد ترامب على حدود المكسيك واسرائيل على حدود غزة، والجنون متشابه في الحالتين بشكل كبير.
هناك حوادث طرق في اسرائيل يقع فيها ضحايا أكثر من ضحايا الارهاب من غزة. لا أحد يفكر في استثمار الاموال في الشوارع مثلما يتم الاستثمار في هذه الدمية. وهناك ايضا مرضى يموتون في أروقة المستشفيات، و3 مليارات شيكل يمكنها أن تغير الصورة. وهناك ايضا الحديث عن انقاذ حياة الناس، إلا أن المستشفيات ليست جزءا من طقوس الأمن، ولهذا لا يخطر ببال أحد أن يتم تحويل الاموال من ناحل عوز الى مستشفى هداسا.
إن غزة هي قفص واسرائيل تقوم باغلاقه باحكام بشكل عنيف وأحادي الجانب، مثل كل اجراءاتها الاخرى ضد الفلسطينيين، بدءا ببناء جدار الفصل على اراضيهم وحتى المستوطنات. ليس من الصعب تصور ما يشعر به سكان غزة تجاه هذا الاغلاق المتزايد. وليس من الصعب ايضا تصور الدولة التي تبنى هنا، والتي تحيط نفسها بالجدران. هذه الخطوة العنيفة مثل سابقاتها، لن تحل أي مشكلة. والطريقة الوحيدة لمواجهة تهديد غزة هي منحها الحرية. لا يوجد ولن يكون حل آخر. ايضا بعد بناء هذا الجدار سيزداد ثراء المقاولين، وسيدرك السكان في غلاف غزة أنه توجد فيه ثغرات وستتلاشى سعادتهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف