شقة نموذجية يوجد مثلها في كل مشروع بناء. من يريد رؤية كيف سيبدو المبنى عندما ينتهون من بنائه، يأتي لرؤية الشقة النموذجية. في المشروع الصهيوني المحدث ايضا هناك شقة نموذجية في شارع كوندار، ليس بعيدا عن شارع نابلس، في حي الشيخ جراح في القدس. الزيارة جديرة، والى هذه الشقة يجب احضار كل المشاركين في برنامج "تغليت" (اكتشاف) كي يشاهدون كيف يبدو حقا المشروع الصهيوني الذي من اجله يتم احضارهم الى هنا بعشرات الآلاف، وكذلك زوار اسرائيليين آخرين، الذين يسألون ما اذا كان يوجد هنا ابرتهايد، يجب احضارهم الى البيت في شارع كوندار.
هنا ستنتهي اسئلتهم، هنا عاشت بالايجار مدة 53 سنة عائلة شماسنة التي طردت أول أمس بالقوة من بيتها، هكذا هو الأمر في الشقة النموذجية للصهيونية. ليس في عملية الطرد هذه أي جديد، فأيامها مثل أيام المشروع كله. أبناء العائلة الثمانية، بمن فيهم مسن على كرسي متحرك، تم طردهم من الشقة لأن اصحابها قبل 1948 كانوا يهودا، والآن أعيد البيت الى ورثتهم، أحفاد حاييم بن سليماني ينعي.
أي عدل أكثر من هذا؟ هناك بيت أعيد الى اصحابه. حتى أن المحكمة العليا "ما بعد الصهيونية" في نظر اليمين المفتري، منارة عدل اسرائيل التي يسطع ضوءها عاليا، سمحت بالطرد قبل اربع سنوات عندما حرمت العائلة من حق الاستئناف. صحيح أن القضاة الثلاثة في حينه، عدنا اربيل وحنان ملتسر ونوعام سولبرغ، تململوا على كراسيهم قبل اصدار قرارهم، لأن الامر كان صعبا عليهم. ولكن هكذا يتصرف القضاة دائما في المحكمة العليا في قضايا الاحتلال قبل أن يحللون أكل الحشرة.
أخيرا اصبح الامر سهلا عليهم. فقد رفضوا طلب الاستئناف "بقلب حزين" وقرروا أنه "ليس في مواضيع كهذه ما يثير أي مسألة قضائية اساسية" و"ذريعة الاجحاف في الحكم غير قائمة". عندها قرروا أنه "ليس من السهل أن يتم اخلاء إنسان من بيت سكني، وبالأحرى عندما يتعلق الامر بشخص بالغ سكن في المبنى سنوات كثيرة".
ليس سهلا لكنه ممكنا. ببادرة حسن نية انسانية منح القضاة مدة سنة ونصف من اجل اخلاء البيت. أين يوجد قضاة رحماء الى هذه الدرجة، سوى في القدس، كذلك هم ايضا جزء من المشروع الصهيوني: يطردون ويبكون، يطردون ويتورعون، في أم الحيران وفي الشيخ جراح.
البيت في شارع كوندار هو الشقة النموذجية في المشروع الصهيوني، حيث أنهم هنا يحصلون على كل شيء صافيا خاليا من الشوائب. هنا تقول اسرائيل بدون تلعثم: الدخول لليهود فقط والخروج للعرب. ليس فقط حق العودة، بل ايضا حق التملك لليهود فقط. اليهودي الذي فقد بيته في 1948 – يعاد له بيته باحترام. فلسطيني، ومثله مئات الآلاف، فقده الى الأبد. جهازان للقضاء والعدل على اساس عرقي. وفي اللغة الاجنبية يسمى هذا ابرتهايد ولا يوجد له إسم آخر.
المحكمة ستقول دفاعا عن نفسها إنها تناقش فقط مسألة اذا ما كان المستأجر هو ساكن محمي. إن الشخص الوضيع هو دائما جيد في مثل هذه الاسئلة، ايضا في المحكمة العليا. اغلبية الاسرائيليين سيقولون إن كل شيء قانوني، ألم تصادق المحكمة على ذلك. وماذا نريد أكثر من دولة قانون يهودية وديمقراطية؟ ايضا الورثة يشعرون أن تم تحقيق العدل لهم. وها هم يقومون بتأجير بيتهم لمستوطنين جدد، نشطاء في اليمين، حريديين ومحميين. دونم بعده عنزة، وسيصبح الشيخ جراح يهوديا. دونم بعده عنزة، وسيتعاظم الترانسفير وستقف دولة الابرتهايد على قواعد قانونية. هذه دولة كل يهودها. ليس هناك طريقة اخرى لتبرير الوقاحة التي تقرر فيها الدولة أن اصلاح مظالم 1948 هو لليهود فقط، في الوقت الذي كانت فيه اغلبية الضحايا من الفلسطينيين. العدل كان يمكن أن يكون فقط في مضمون واحد: المساواة للجميع. ولكن الصهيونية تستمر في قول "لا"، لا لهذا العدل الوحيد. في 1948 كان هناك فقط لاجئون يهود، وهذا يعتبر نفي للنكبة باسلوب وقح وبصورة فريدة. ما الفرق بين ورثة اصحاب الارض التي أقيم عليها بيتي على انقاض الشيخ مؤنس وبين ورثة حاييم ينعي؟ في الشقة النموذجية في شارع كوندار زال الخجل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف