- تصنيف المقال : دراسات
- تاريخ المقال : 2017-09-16
استخدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سلسلة من الأدوات والسياسات التي تسعى من خلالها للتضييق على المواطن الفلسطيني، وأصدرت قرارات وقوانين لتطبيق تلك السياسات، ودفعتها بالطابع القانوني كتغطية على أعمالها.
لا شك أن سياسة هدم منازل الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية عامة والقدس على وجه الخصوص شكلت أداة ذات أهمية كبيرة استخدمتها الحكومات الصهيونية لفرض سيطرتها وفي سبيل ترسيخ الوجود "الإسرائيلي" من خلال الحصول على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية ومحو الوجود الفلسطيني فيها.
إحصائيات وأرقام
هدمت قوات الاحتلال منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2015 أكثر من ألفي منشأة سكنية وغير سكنية، مما أسفر عن تشريد آلاف الفلسطينيين.
وتشير الإحصائيات أن أكثر من نصف الذين تم تشريدهم هم من النساء والأطفال.
وقال مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) "إن عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في القدس العام الماضي (2016) هو الأكبر خلال عام واحد منذ 2004، في حين أن عدد المنازل التي هدمت في الضفة الغربية يفوق ما تم هدمه في عامي 2014 و2015.
وفسرت بتسيلم هذا التصعيد بسعي "إسرائيل" إلى إفراغ مناطق فلسطينية من أهلها بهدف الاستيلاء عليها.
وتشير إحصائيات مؤسسة المقدسي إلى أن عمليات هدم المنازل -وبالأخص الهدم الذاتي- هي الأخطر والأشد وتيرة، فمنذ عام 2000 وحتى عام 2015 أجبرت سلطات الاحتلال 346 مواطنا على هدم منازلهم بأيديهم.
وبحسب المقدسي فقد هدم الاحتلال العام الماضي 88 منزلا سكنيا و48 مبنى شرقي مدينة القدس، في حين هدم 274 منزلا سكنيا و372 مبنى غير سكني في أنحاء الضفة.
وخلفت أعمال الهدم في القدس المحتلة 295 فلسطينيا -بينهم 160 قاصرا- دون مأوى، بينما بلغ عدد المشردين جراء ذلك بالضفة الغربية 1134 فلسطينيا بينهم 591 قاصرا.
كيف تتم عمليات الهدم؟
في معظم حالات الهدم يفرض حالة من الخوف والهلع على أصحاب المنازل المنوي هدمها؛ حيث يقتحم المنطقة أو الحي المتواجد به المنزل في ساعات الفجر بأعداد هائلة من السيارات العسكرية والدبابات والجرافات، ومساندة بعض المروحيات في بعض الحالات.
تفرض هذه القوات حظرا للتجوال في المنطقة، وتحاصر المنزل المستهدف، وتجبر أصحاب المنزل على إخلائه على الفور، ولا يمنحوا أكثر من عشرين دقيقة لإخلاء الأثاث والمحتويات، بهدف هدم المنزل، وهو ما يعني فعليا الإبقاء على غالبية الأثاث داخل المنزل لعدم كفاية الوقت لذلك.
وفي حالات عديدة يختصر الوقت المعطى لهم إلى أقل من ذلك، وقبل أن يتمكنوا من إخراج جزء من الأثاث، يقتحم جنود الاحتلال المنزل ويزرعون على جانبه الألغام والمتفجرات، ومن ثم ينسفونه.
جذور عمليات الهدم
تعود جذور هذه السياسة إلى العام 1967، أي منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث دمرت قوات الاحتلال آلاف منازل الفلسطينيين على خلفية نشاط أحد أفراد العائلة في أعمال مقاومة ضد قوات الاحتلال، مما أدى إلى تشريد آلاف العائلات.
ودلالة على فشل سياسة هدم المنازل أقر مستوطنون وجنود بجيش الاحتلال، أن هدم بيوت منفذي العمليات الفدائية من الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلتين "ليست ذات قيمة ولم تؤدِ الهدف المنوط منها بردع الفلسطينيين بل كانت وازعاً جديداً لدى الفلسطينيين لتنفيذ المزيد من العمليات ضد الإسرائيليين، حسب قولهم.
وأظهر تحقيق نشرته صحيفة "معاريف" (الإسرائيلية) مؤخراً، أن "قرار هدم منازل منفذي العمليات من المقاومين الفلسطينيين تدل على أنه قرار ناجم عن فشل قوة الردع (الإسرائيلية) ضد الفلسطينيين وهو يأتي بنتائج عكسية"، بحسب تعبير الصحيفة.
وفي ذات السياق توصل التحقيق الذي أجراه باحثان "إسرائيليان" إلى نتائج تناقض فكرة جيش وحكومة الاحتلال والتي تقول "إن هدم منازل المقاومين الفلسطينيين سيردع الآخرين بل إن العكس هو الصحيح فهدم المنازل يؤدي إلى زيادة عمليات المقاومة".
وذكر أن الاحتلال يحاول تهدئة روع جنوده ومستوطنيه بالضفة الغربية، بمزيد من الإجراءات العقابية ضد الفلسطينيين، وهي تندرج تحت إطار سياسة العقاب الجماعي، سواء بهدم البيوت أو إجراءات الاعتقال".
بدعاوى انتقامية
نشر مركز الدفاع عن الفرد في "إسرائيل" "هموكيد" إحصائيات محدثة عن هدم منازل عائلات الفلسطينيين للمشاركتهم بعمليات مقاومة كإجراء عقابي منذ شهر تموز 2014 وحتى 23 آذار 2017.
ويتضح من الإحصائيات أن الاحتلال هدم 35 منزلاً، 11 شمال الضفة، و 18 في جنوبها، و6 شرقي القدس المحتلة.
فيما أغلق الاحتلال 8 منازل؛ 3 جنوب الضفة، و5 شرقي القدس، في حين استهدف منزلا واحد بالهدم شرقي القدس.
وأشار المركز إلى أن هناك 99 منزلاً شملها المسح لكن دون إصدار أوامر عقابية بحقها موزعة كما يلي: 15 منزلاً شمال الضفة، 66 جنوبها، و18 شرقي القدس.
هدم المنازل في القدس
منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، انتهجت الاحتلال سياسة إعاقة عملية التطوير والبناء لدى الفلسطينيين، فأجازت لهم البناء بالحدود الدنيا، مقابل دعمها مشاريع الاستيطان.
وهدفت سياسة الاحتلال لخنق المجتمع الفلسطيني في القدس، وبات الفلسطيني يواجه مختلف العراقيل للحصول على تراخيص البناء، وجراء رفض بلدية الاحتلال بالمدينة إصدار تراخيص البناء في معظم الأحيان، اضطر الفلسطيني لبناء المسكن من غير ترخيص في سبيل إيواء أسرته، ليصبح تحت طائلة التهديد المستمر بالهدم.
ومن الجدير ذكره أن الاحتلال هدم 806 منازل في المناطق المصنفة (ج) بالضفة و153 شرقي القدس منذ بداية العام الجاري، بحجة عدم حصولها على تراخيص للبناء، ما أدى إلى تهجير 1165 فلسطينيًا في المناطق (ج) و227 في القدس.
خسائر اقتصادية
وعند حساب الخسائر الاقتصادية التي تكبدها المواطنون جراء هدم المنازل السكنية، يتبين أنها وصلت إلى أكثر من مليون وسبعمائة ألف دولار أميركي، بينما بلغت الخسائر جراء هدم المنشآت غير السكنية نحو مليون دولار.
وبالمجموع الإجمالي، بلغت الخسائر المالية مليونين وسبعمائة ألف دولار أميركي، وهذا لا يشمل المبالغ المالية الطائلة التي تفرض مخالفات وغرامات مالية.
إن تكاليف الحصول على ترخيص للبناء في مدينة القدس يعدّ من الأغلى ثمنا بين دول العالم والأطول وقتا، حيث يتراوح معدل السنوات للحصول على ترخيص بين 8 و12 سنة، أما في ما يتعلق بتكلفة الترخيص المالية فإنه يختلف من منطقة إلى أخرى.
وعليه فإن معدل ترخيص شقة سكنية بمساحة 110 أمتار مربعة يتراوح بين ستين ألف دولار أميركي وسبعين ألفا. ناهيك عن بعض الضرائب والرسوم التي يتوجب على المواطن المقدسي دفعها بعد عملية البناء.
تجاوز قانوني
تتعارض سياسة هدم المنازل وإغلاقها مع المعايير المنصوص عليها في مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تمثل انتهاكا جسيما لأحكام القانون الدولي الإنساني، بصفتها من أنماط العقوبات الجماعية التي تنتهجها دولة الاحتلال بمواجهة السكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وتدخل ضمن نطاق جريمة الحرب، والجريمة ضد الإنسانية، وتمثل انتهاكا لحقوق الملكية، وعقوبة غير مشروعة بحق أطراف ثالثة.
وتتجاهل قرار الأمم المتحدة رقم 1544 / 2004، حيث نص القرار على أن مجلس الأمن دعا (إسرائيل) إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافا لهذا القانون، كما أن الاحتلال يخترق نص المادة رقم (53) من اتفاقية جنيف بهدمه للمنازل كأسلوب عقاب جماعي ضد كل من يسكن هذه المنازل".
إلا أن هذه السياسة تحظى بغطاء قانوني من أعلى هيئة قضائية في "إسرائيل"، فقد أصدرت المحكمة العليا "الإسرائيلية" بتاريخ 6-8-2002، قراراً يسمح لقوات الاحتلال بهدم منازل المقاومين الفلسطينيين، وهو ما لقى مباركة وتأييداً في أعلى المستويات السياسية والقضائية في "إسرائيل".
وتستند دولة الاحتلال في هدم البيوت لنص المادة (119) فقرة (1) من قانون الطوارئ البريطاني لسنة 1945 مع معرفتها المسبقة بأن هذا القانون تم إلغاؤه لحظة انتهاء فترة الانتداب على فلسطين.