- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-11-02
التغيرات التي نراقبها في المملكة ألعربيه السعوديه والتصريحات التي لا تنقطع حول التحولات الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسيه المستقبليه الصادره من مركزالقرار والقصر الملكي تدفع المتتبع للشأن السعودي ان يطرح السؤال الوجيه : الى أين تتجه السعوديهً؟
للإجابة على هذا السؤال بشكل مبدئي دون الخوض في تحليل عميق لمجريات الأمور لا بد ان نتتبع مسار الانفتاح السعودي وان نقرأ خلفياته لنتعرف علىإمكانيات تطوره واتجاه هذا التطور في المستقبل.
كان للقرار الملكي بالسماح للمرأه السعوديهً بقيادة السياره صدى عالي جدا وواسع لا يتلائم مع حجم الحدث واتى هذا القرار بعد اعلان السعوديه عن مشروعهاالمستقبلي المعروف باسم السعوديه 2030. ورغم ان هذا القرار هو شأن سعودي داخلي وإرهاصاته للوهلة الاولى سيشعر به فقط السعوديون، الا ان وسائلالاعلام العالمية والعربيه تناولت الخبر وحللته وسلطت الاضواء عليه بغزارة وأشغلت هذه الهزه الصغيرة مواقع التواصل الاجتماعي أسابيع وما زالت…
نعم ان يسمح للمرأه ان تقود سيارة لا اعتبره شخصياً تطور اجتماعي خارق، مع أهميته كحق انساني أساسي وتفهمي ودعمي الكامل لنساء السعوديه، اذ لا بد فيهذا السياق من التذكير بأننا نعيش الْيَوْمَ بالقرن الواحد والعشرين والعالم منشغل باكتشاف السيارات التي لا تحتاج أصلا لسائق… اذا لماذا هذا الضجيج؟
السبب الأساسي ان لهذا القرار مؤشرات مهمه جداً ابعد من الحق الأساسي للمرأة السعوديه، مؤشرات بدأنا بالايام القليله الماضيه نكتشف مداها وبعدها في رسممستقبل السعوديه ونظام حكمها.
اولا القرار يعبر على ان القصر الملكي ومركز القرار لم يعدا بالكامل في أيدي شيوخ الوهابيه وان هناك بوادر خلاف بين الوهابيه وال سعود وان تصدع ما قدحدث بين الحليفين اللذين حكما البلاد منذ تأسيسها. هذا لا يعني ان قطيعة كاملة حصلت بين الوهابيه وال سعود! ما حصل هو بداية توجه استراتيجي حول علاقةالدوليه السعوديه بالدِّين وفي القصر الملكي، يجب تتبعه بحذر ودقه… السعودية بقراءتي هي اكثر الدول التيروقراطيهً في العالم وابعد الدول عن حقوق الانسانوالديمقراطيه.
ثانياً ان الضغط الاجتماعي-السياسي من الشعب السعودي على القصر الملكي والفقه الوهابي لم يعد بإلامكان ان يُغّض النظر عنه ولَم يعد من الممكن تخدير الشعببالمال ليسكت عن الظلم الاجتماعي الفاقع كما كان الحال في الثلاثين سنه الماضيه. في هذا الإطار لم نشهد بعد تحول استراتيجي بل تكتيكات انيه موجهه لاكتشافمدى الربح والخسارة الناتجة عن هذا التكتيك أو ذاك وهذا يرجع بالدرجة الاولى الى تعريف المملكة لنفسها فهي ، السعوديه، أرضاً وشعباً موارداً وهواءاً ملكللعائلة المالكه وتغيير علاقة الحاكم والمحكوم ليس بأمر سهل في مثل هذا الواقع.
ثالثاً التغيرات التي حصلت بالإقليم تركت بصماتها على المجتمع السعودي. الارهابيون من أصل سعودي أصبحوا يهددون أيضاً السلام في المملكة بعد عودتهم منساحات المعارك في سوريا والعراق وافغانستان. هؤلاء تم تربيتهم ايدلوجياً على أيدي أئمة الوهابية السلفية التي زرعت بذور الاٍرهاب المتأسلم في كل بقاعالارض… العائلة المالكة تدرك ان للفقه الوهابي السلفي ارض خصبة في المجتمع السعودي الذي دجن على هذا النوع من التفكير على مدار عشرات السنينالماضيه وهم يدركون أيضاً ان الخطر الأكبر من هذا المارد الارهابي التكفيري الذي يتغذى من الفكر الوهابي التكفيري سيصيبهم أولاً، كما وأدرك حلفاء السعوديهفي الغرب ان الكلام عن محاربة الاٍرهاب مع غض الطرف عن الوهابيه ومشاريعها التكفيرية لن يجدي نفع وهو سجال إعلامي فقط لذا زاد الضغط على العائلةالمالكه لتصحح مسار علاقتها مع رجال الدين ومدارسهم.
رابعاً هذا القرار، التحول الاجتماعي والسياسي، لم يكن قرار سعودي بحت، بل فرض على العائلة المالكة من حلفائهم بالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وهذاما أكده ترامب بزيارته التاريخية للسعوديه… الكل يدرك ان فشل الحرب على سوريا وصمود الجيش العربي السوري امام العدوان الذي قادته السعوديه وقطربمباركة أمريكية وضعنا الان امام شرق اوسط متجدد. شرق اوسط به ايران دولة اقليميه وراءها حلف قوي متمكن وله شعبيه جماهيرية عاليه … والكل يدركأيضاً ان لمواجهة هذا الحلف المدعوم صينياً وروسياً ولفتح إمكانية منافسة هذا الحلف بالمعنى الجيوبوليتيكي وبمجالات اخرى يشترط على السعوديه ان تتجددداخليا، سياسياً واجتماعياً، لكي يكون لها دور في الشرق الأوسط المتجدد…هذا تحول استراتيجي في توجه العائلة المالكه مدعوما من حلفاءها الغربيون، وسنرسملاحقا احتمالات هذا التحول وما يمكن ان يؤول اليه.
المملكة السعودية عاشت نمط حياة في الثلاثين سنة الماضية وكأن نبع النفط لن يجف أبداً… لتكتشف ان هذا الوهم الذي أقنعت نفسها به قد ولّى وان خزينة الدولةتكشف منذ سنوات عجز مالي بعشرات الملياردات سنوياً… الأزمة المالية السعودية تفاقمت في السنوات الخمسة الماضيه بعد ان انجرت العائلة المالكة لخدمةالمشروع الغربي لمحاصرة كل من ايران ورسيا ومحاولة تركيعهم اقتصاديا عبر المنافسه بأسعار النفط بالسوق العالمية لتكتشف السعوديه بعد سنوات بان ايرانوروسيا خرجتا بعافيه من هذا التنافس في الوقت الذي تبين ان العجز المالي السعودي تضاعف والازمة الداخلية تفاقمت في الفترة ذاتها.
انزلاق السعودية في المشروع الصهيوامريكي لتدمير وتقسيم سوريا وإسقاط أنظمة حكم باسم الربيع العربي وصولا الى حربها التدميرية على اليمن وهستيريةالتسلّح المخيمة على الفكر الكاوبوي السعودي فاقمت من أزمة العائلة المالكة السياسية والمادية وأحرجتها اجتماعياً. الهدوء الاجتماعي والسياسي الداخلي ألذياشترته العائلة المالكة بالمال على مدار عشرات السنين الماضية تلاشى وتزايد الامتعاض الجماهيري والتململ بين فئات الشعب من نظام الحكم والمواطنةالمعدومة. بالإضافة الى هذا كله كان انخراط العائلة المالكة بدعم الاٍرهاب المتأسلم سبب من زيادة ضغط حلفاءها الغربيون، خصوصاً أوروبا بعد ان طالها لهيبهذا الارهاب وأصابها في قعر دارها، لتغير مسارها السياسي وعلاقتها مع المؤسسة الدينية الراعية لهذا الارهاب.
اضافة الى هذا كلة تعيش السعودية تناقض وصراع اجتماعيين يلوحن يوم بعد يوم بالانفجار… الأكثرية الساحقة من الشعب السعودي (حوالي 70%) من الشبابدون السن الخامسة والثلاثون… شباب يسافر خارج المملكه لاوروبا ويرى بعينيه ان المال وحده لا يسعد البشر بل الازدهار والحريّة الاجتماعية والمواطنةوالشراكة السياسية عبر المجتمع المدني ومؤسساته… ولهذا الشباب مدخل سريع على عالم الانترنت وما به من تعدديه وامكانيات وحريات ودون أدنى شك يقارنالشاب السعودي وضعه بالآخرين ويكتشف انه يعيش على جزيرة ترفع علم الرجعيه والعصور الوسطى بعلاقاتها الاجتماعية وعلاقة الحاكم المالك بالمحكومالمملوك… هذا الوضع يراكم احتقان اجتماعي وأخلاقي كبيرين، انفجرا أحياناً في الخفي وتم حتى الان النجاح بالتكتم عليهما… السؤال ليس هل سيحصل الانفجارالأكبر أم لا؟ السؤال الصح هو متى وبأية زخامة سيقع الانفجار؟ ان لم يحصل تغيير جذري في المواطنة والشراكة السياسية والاقتصاديه وامكانيات الانفتاحوالتطور فالانفجار الجماهيري الاجتماعي سيأتي لا محاله…
المملكة السعودية مهمه ليس فقط للإقليم بل أيضاً للسلام العالمي برمته:
اولا الموقع الجيوبولتيكي للسعوديه يجعلها محط اهتمام كل الدول الاقليميه والعالميه ودورها في مجلس التعاون الخليجي وارتباطاتها تزيد من هذه الأهمية
ثانياً مكانة السعودية الدينية للعالم الاسلامي ودورها السني بالمنطقه الى جانب تركيا ومصر يرفع من الاهتمام بها وبمستقبلها
ثالثاً مخزون السعوديه النفطي وضماناتها لربط سعر النفط بالدولار الامريكي يجعلها عمود فقري للاقتصاد العالمي… وهذا يفسر لنا الاهتمام الاوروبيوالأمريكي الكبير بالشأن السعودي ومستقبل المملكه لما به من ضمانه لعدم انهيار الاقتصاد العالمي ان قررت المملكه تبديل سعر النفط من الدولار الى عملةاخرى… خبراء اقتصاديون امريكان رسموا سيناريو إنهاء ربط سعر النفط بالسوق الدولي بالدولار وتأثيره على الاقتصاد العالمي وخصوصاً الاقتصادالامريكي… النتيجه ستكون كارثه عالميه ستعيد العالم قرون الى الوراء.
هذا الامر يفسر لنا العلاقه الحميمة الغير متكافئة بين الغرب الديمقراطي والرافع لشعار حقوق الانسان والحريات الفردية مع النظام السعودي التيروقراطيالاقطاعي والسكوت كل هذه الفترة على السياسات الداخلية والخارجيه للعائلة المالكة وحليفها الفقهي الوهابي… هذا الدياليكتك المعقد يجعلني أصل الى الاستنتاجبان مستقبل السعوديه، شعباً ونظاماً واقتصاداً لا يمكن ان يتركه الغرب وعلى راْسه الولايات المتحدة الامريكية، للسعوديين وحدهم! هذا ما نراقبه من الاهتمامالزائد لمراكز الدراسات الاستراتيجية ألغربيه منذ قرنين، وتحديدا بعد احتلال العراق للكويت وحرب تحرير الكويت، بمستقبل السعوديه ودورها بالمنطقه.
الاحتمالات التي ممكن ان تتم هي بتقديري ثلاثة:
اولا إنهاء دور ال سعود والإتيان بعشيرة اخرى لتستلم زمام الأمور بالمملكة. هذا الاحتمال ضئيل جداً لضعف البدائل أولاً وثانياً لعدم القدرة بالتنبأ لما سيحصل منجراء هكذا انقلاب شامل لتغيير نظام الحكم وتأثير الانقلاب على الهدوء والاستقرار بالخليج العربي.
ثانياً محاولة الضغط الموزون على العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز للبدأ بانفتاح اجتماعي وسياسي داخلي لتهدئة الوضع الداخلي في المملكه وتفادي الانفجارالشعبي. هذا الاحتمال تم اختباره منذ تسلم العاهل زمام أمور المملكة سنة 2015 لكنه اثبت فشله لضعف الملك شخصيا وصحياً وعدم قدرته على مسك زمامالأمور بالصف الاول للعائلة المالكه وتبين هذا الضعف في قراره بتنحية ولي العهد محمد بن نايف من كل مراكزه وتعيين ابنه وزير الدفاع محمد بن سلمان وليللعهد مكانه. هذه الخطوة قسمت العائلة المالكه الى شقيين ولم يعد بمقدور العاهل السعودي ابن 82 عام من اعادة اللحمة للصف الاول. هذا القرار الى جانبقرارات استراتيجية اخرى مثل دعم الارهاب والحرب على سوريا واليمن والقطيعة مع قطر زادت من قلق الغرب وزادت من التصدع الداخلي بالمملكة.
الاحتمال الثالث والاخير والذي بدأ العمل به منذ يونيو 2017، هو القدوم بعاهل سعودي شاب مرتبط كلياً بالمشروع الامريكي للمنطقة وبه من ألقوه لمسك زمامالأمور لمرحلة انتقالية طويلة الامد… تعيين محمد بن سلمان، الذي تتلمذ على أيدي المخابرات الامريكية والبريطانية ولي للعهد بدل من الشاب الكرزماتي وليالعهد السابق محمد بن نايف الذي عبر مراراً عن استيائه لوضع المملكه وارتباطاتها الغير متناهية مع المشروع الامريكي ووضع سلم أولوياتها حسب الرغبهالامريكية وليس حسب مصالح المنطقة والمملكة، تم بإخراج ودعم امريكيين.
التحضير للاحتمال الثالث بدأ منذ فترة برسم خارطة طريق لنقل السعودية من وضعها الحالي الذي اصبح خطر على الجميع الى وضع يبشر باستقرار أقوىومستقبل مغاير لما نحن عليه ولكن دون ان تخرج الورقه السعوديه من الايدي الامريكية…الخطوة الاولى كانت بالاعلان يوم 25 ابريل 2016 عن خطة الطريقالسعوديه المسماة السعودية 2030.
بات مسار رؤية 2030 يتبلور يوما بعد يوم في السعودية خصوصا وأنه يتمحور حول نقل المملكة من اقتصاد يعتمد بأغلبيته على عائدات النفط إلى تنويع المواردوتقليص هذا الاعتماد، بالإضافة لتخفيف الأعباء عن الدولة نتيجة الاقتصاد الريعي والتركيز على توسيع ودعم القطاع الخاص لخلق فرص عمل للشباب السعودي.
وفي هذا الإطار، أخرج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الثلاثاء 24 تشرين الأول/أكتوبر من جعبته مشروع "نيوم"، وهي المدينة العملاقة البالغة قيمتها 500مليار دولار والتي ستقام على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع وتمتد إلى أراضي الأردن ومصر . واللافت للنظر في المشروع أن المدينة لن تتبع القواعدواللوائح المعمول بها في بقية السعودية التي تطبق احكام الشريعه.
الى جانب هذا البرنامج الاقتصادي العملاق هنالك برامج اخرى للحد من دور رجال الدين في الحياة العامة وفِي مجال التربية والتعليم . وكانت أولى الخطواتبتجريد هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من سلطة القيض على الناس أو استجوابهم ، وكذلك تم الإعلان عن انشاء لجنة مراقبة الأحاديث لكي يتم ضبطاستعمالها وهذا بحد ذاته تقزيم لدور رجال الدين وقطع ذراعهم الطويل في التدخل في الحياة اليومية للبشر. كما وتم ابتكار هيئة عامة للترفيه في المملكه تعمل علىتطوير هذا المجال بفتح مراكز للترفيه ودور سينما ومسارح الخ ، دون ان يمس كل هذا بالمسلمات…
هذه الحزمه من التجديدات والخطط تتجه دون أدنى شك بالاتجاه الصحيح… لكن لابد من التنويه على ان المجتمع القبلي السعودي وقوافل رجال الدين ومؤسساتهملن تقف مكتوفة الايدي امام هذا التغيير الذي يعني بداية نهاية عصرهم الذهبي وسيعملون كل ما في وسعهم لافشال هذه الخطوات. ويصعب الان التكهن فيالسيناريو الذي سيحصل في وقت لاحق!
الأهم في هذا الصدد هو السؤال ان كانت هذه الخطط وهذه البرامج سوف تنقذ السعودية من الانفجار المحتمل ومن المستقبل الغامض لها كدولة مستقلة بحدودهاالمعرفه ولآل سعود كنظام حكم؟
الجواب عندي قصير وواضح: هذه التغيرات تأتي متأخرة بحوالي ربع قرن… الأزمة السعوديه المركبه بين السياسي والعشائري والاقتصادي والديني والهيمنه لميعد بالسهل تجاوزها من خلال برامج رطوش اقتصادية واجتماعية لن تغير في الحقيقة من معالم النظام السياسي والاجتماعي شيء يمكن لنا ان نقول عنه لاحقاًبانه ثورة اجتماعيه أو سياسية!
هذه الخطوات لوحدها دون تغيير ملحوظ في النظام السياسي السعودي سوف تتلاشى وهي في أفضل الأحوال تؤجل موعد انفجار الاحتقان الجماهيري لكنها لنتستطيع قطع فتيله نهاءياً.
المملكه السعوديه ببنيتها السياسية الاجتماعية هي عباره عن إقطاعية كما نعرفها من تاريخ أوروبا في العصور الوسطى… عائلة كبير من بضع الآلاف تملك بلدوموارده الطبيعية والبشر الذين يعيشون فيه… في هذه العلاقه الإقطاعية كان يجب ان يبدأ التغيير … لا اعني بهذا بان نلغي بجرة قلم النظام الملكي! هذهرومانسيه سياسية… ما اعنيه هو برنامج مرحلي لتحويل النظام السياسي الاقطاعي الى نظام ملكي لبرالي كما هو موجود في الاْردن وبعدها يتم تطوير الامرليصل الوضع الى ما هو عليه النظام الملكي في المغرب وربما يوم ما نرى بان النظام الملكي السعودي بعد النقله النوعية للمجتمع والبنيه السياسه قد تحول الىنظام ملكي كما نراه في الدول الاوروبيه في القرن الواحد والعشرين.