- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2017-11-16
بعد أن وجهت القاهرة الدعوات إلى الفصائل الفلسطينية، لحضور إجتماع 21/11/2017، باتت القضية واضحة في أن الإجتماع لن يعقد على المستوى القيادي الأول، والذي يتشكل من لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف، والتي تضم رئيس اللجنة التنفيذية وأعضاءها، والأمناء العامين (13 فصيلاً) ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني. وتأكد أنه، بفعل غياب الرئيس محمود عباس، بدعوى أنه رئيس دولة فلسطين، وليس طرفاً في الإنقسام، أو في الإتفاق، سوف يعقد الإجتماع على مستوى نواب الأمناء العامين أو من ينوب عنهم، بشكل عام؛ مع التقدير أن بعض الأمناء العامين يفضل أن يكون شخصياً إلى طاولة الحوار.
القضية الأخرى التي أثارتها الدعوات للقاء القاهرة، هي جدول أعمال اللقاء. هل يكون معنياً بمناقشة الملفات الخمسة: م.ت.ف، وحكومة وحدة وطنية، والإنتخابات الشاملة، المصالحة المجتمعية، وملف الحريات وغيرها. أم أنه سيكون معنياً بتناول إتفاق المصالحة في 12/10/2017، وما تحقق منه، والعقبات التي مازالت تعيق تطبيق باقي البنود.
بعض المراقبين رأى أن الوجهة العامة التي يرغب بها الرئيس عباس، هي الإكتفاء بمناقشة قضايا الإنقسام وإتفاق 12/10/2017. ويلاحظ في هذا السياق أن الأجندة التي وضعها الطرفان، فتح وحماس، نصت على سلسلة إجتماعات من بينها 21/11/2015، في إطار واحد، هو إتفاق المصالحة وبنوده المحدودة، دون الخروج، في النقاش، لتناول القضايا السياسية. ولعل الأسلوب الذي تمت به الدعوة للإجتماع تشير بذلك.
فلقد إعتادت الفصائل الفلسطينية، عشية الدعوة المصرية لأية دورة حوار وطني شامل، أن تتلقى دعوات لمشاورات ثنائية بين كل منها وبين الأجهزة المختصة في القاهرة، وبحيث يتم التحضير للإجتماع العام بتفاعل مسبق، تتبلور خلاله الأفكار. بل إن الأجهزة المعنية في القاهرة، أرسلت في بعض الأحيان، وفدها الرسمي إلى دمشق ورام الله وبيروت وغزة، لإجراء مشاورات مسبقة قبل الدعوة للحوار. بعدها توزع القاهرة على الأطراف المعنية ورقة سياسية تتناول محاور الإجتماع، وتطلب ملاحظات الفصائل عليها. وهذه كلها إجراءات تقود إلى إنجاح الحوارات. لذلك يلاحظ أنها أسفرت كلها عن وثائق جماعية كما هو حال إجتماع آذار (مارس) 2005 في القاهرة، وإجتماع 4/5/2011 أو إجتماع 2013.
هذه المرة تلقت الفصائل المعنية الدعوة للحوار، دون تحديد جدول أعمال مسبق، بما يشير أن جدول الأعمال قد يتمحور حول إتفاق المصالحة ولن يتجاوزه.
حتى في هذا السياق، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيكون الإجتماع في 21/11 معنياً بإتخاذ قرارات ملزمة للطرفين، فتح وحماس، لتطبيق الإتفاق، أم أنه سيكون إجتماعاً تشاورياً، خاصة في ظل التباينات الواضحة بين الطرفين، والتي لاتستطيع الفصائل أن تكون بشأنها محايدة. من هذه التباينات، أو حتى الخلافات، قضية سلاح المقاومة، وقضية ربط فتح معبر رفح بالمنظومة الأمنية الشاملة لقطاع غزة، وقضية رفع العقوبات عن القطاع، بعد ان تم التوقيع على المصالحة، ولم يعد لهذه العقوبات مبرر، إلا إذا كانت السلطة في رام الله تصر على إعتبارها أداة ضغط على حماس، وعلى عموم أبناء القطاع وسكانه. أم أن القرار سيبقى بيد القيادة الرسمية السلطوية بإعتبارها هي «المرجعية الرسمية». وهل بإمكان الفصائل المجتمعة أن تبحث في الشعار المرفوع من قبل القيادة السلطوية «قيادة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد»، لتغوص في معانيه ومضمونه. هل هي « قيادة واحدة» تقوم على مبدأ التفرد بالقرار وتهميش المؤسسات، وإعتماد نظام المراسيم والقوانين الرئاسية، أسلوباً في إدارة الشأن العام، الأمر الذي يفرض سياسة الفرد الواحد، بديلاً لمبدأ الشراكة الوطنية، إما من خلال اللجنة التنفيذية، التي تشكو تهميش دورها، أو من خلال المجلس المركزي لمنظمة التحرير، أو من خلال حكومة وحدة وطنية، تكون معبراً حقيقياً عن التوازن في العلاقات الوطنية ولا تقوم على المحاصصة بين فتح وحماس، والإدعاء، بعد ذلك أنها حكومة وحدة وطنية.
يرى المراقبون، أن إجتماع 21/11/2017، لن يكون بمقدوره الدخول في تفاصيل وآليات تطبيق إتفاق المصالحة، بما في ذلك معالجة القضايا العالقة، خاصة إذا ما إستمرت العملية تعتمد على لجان ثنائية بين فتح وحماس، ويؤكدون في السياق أن بإمكان الفصائل المساهمة من خلال تشكيل لجان وطنية تضم الأطراف جميعاً، في قطاع غزة، تتولى حل الملفات العالقة، وتضع حلولاً وطنية جامعة وملزمة للجميع، لها غطاء سياسي وطني، بديلاً للحلول الثنائية، والتي أكدت التجربة إما أنها فاشلة، وإما أنها هشة لا تصمد أمام الإستحقاقات والهزات السياسية, ويقول المراقبون لقد لقي إتفاق 12/10/ ترحيباً من الجميع، لكن تحصينه يحتاج إلى جهد جماعي، وأساس هذا الجهد، تشكيل لجان وطنية جامعة لمتابعة تنفيذ بنوده، لأنه ليس مسموحاً على الإطلاق أن تفشل المصالحة، فقد إكتوى الفلسطينيون، في القطاع، وفي الضفة، وفي الشتات، بنيران الإنقسام، الذي أضعف القضية الوطنية وعرضها لرياح عاتية ألحقت الضرر بالمصلحة الوطنية العليا لشعب فلسطين.
ويضيف المراقبون أن تحصين الإتفاق عملية سياسية من الطراز الأول، لا تقتصر آلياتها على تشكيل اللجان الوطنية لمتابعة الملفات.
وبالتالي يفترض بإجتماع القاهرة أن يقتحم القضايا السياسية لترسيخ الأسس المتينة لإنطلاقة فلسطينية جديدة، فتحت آفاقها التطورات الأخيرة، ولمجابهة إستحقاقات المرحلة القادمة. فإذا كان إنهاء الإنقسام، هدفه، صون الحالة الفلسطينية وتصليبها، فإن إقتحام القضايا السياسية ومعالجة ملفاتها في إجتماع القاهرة، يعتبر بالنسبة للمراقبين، ضرورة ملحة في هذه المرحلة.
لذلك يلتقي عدد من الأطراف الفلسطينية على ضرورة أن يتناول إجتماع القاهرة عدداً من القضايا الأساسية التي من شأنها أن تحصن الوضع الفلسطيني.
• في مقدمة هذه القضايا، الإتفاق على البرنامج السياسي الموحد.
فالحالة الفلسطينية منقسمة بين إتجاهين ومشروعين. مشروع أوسلو الذي تتبناه السلطة، والمشروع الوطني الذي تتبناه باقي الفصائل، وهو الذي أعيد التأكيد عليه في وثيقة الوفاق الوطني في قطاع غزة في 26/6/2006، ووقعته الفصائل كافة، ورئيس السلطة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التشريعي، ورئيس المجلس الوطني، وشخصيات مستقلة وفعاليات المجتمع المدني.
• أما بشأن البيت الفلسطيني، فإن الأمر يحتاج إلى معالجة عميقة تعيد بناء المجلس الوطني الفلسطيني، ومجلسه المركزي، ولجنته التنفيذية، والمجلس التشريعي، وتشكيل حكومة جديدة، وهذا لا يكون إلا بالإنتخابات الشاملة، الحرة والنزيهة، وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، وتتويج هذه كله بإنتخابات رئاسية جديدة. وقد عالجت وثيقة الإجماع الوطني في العام 2013 هذا كله، كما إستكملته لجنة خاصة إنعقدت في عمان برئاسة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني. وأعادت التأكيد عليه اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي إنعقدت في بيروت في كانون الثاني/ يناير/ 2017.
خلاصة الأمر، كما يقول المراقبون، لا يحتاج إجتماع القاهرة لأن يعيد تناول القضايا الكبرى من نقطة الصفر، فلقد بنت حوارات القاهرة وغزة، الأسس السياسية والتنظيمية لمراجعة الحالة السياسية الفلسطينية، ورسم التوجهات لمواجهة الإستحقاقات القادمة.
يبقى أن ننتظر، يقول المراقبون، لنرصد ما سوف يتوصل إليه إجتماع القاهرة، وبناء عليه، يمكن رؤية ملامح المرحلة السياسية الفلسطينية القادمة.■