سافر اسامة أبو خلف (27 سنة) من شرقي القدس، السنة الماضية، الى روما، ومثل باقي الفلسطينيين من سكان القدس هو ليس مواطناً اسرائيلياً، وليس لديه جواز سفر بل تأشيرة مرور حمراء. نظرت الموظفة في مطار روما في وثيقته، ورأت أنه مكتوب في بند القومية «غير محددة». «سألتني، هل أنت لاجئ. اعتقدت أنني سوري، فقلت لها أنا لست لاجئاً، وأعيش في المكان الذي ولدت فيه، فقط هذا المكان هو المحتل. الامر مهين جدا أن تكون بدون جنسية، لماذا ذلك؟ ما الذي ينقصني؟ لم أهاجر الى أي مكان»، قال أبو خلف.
يحاول أبو خلف الحصول على الجنسية الاسرائيلية وهو في سن الـ 18، لكنه مثل آلاف سكان شرقي القدس تم رفض طلبه المرة تلو الاخرى بذرائع مختلفة. مؤخراً فقط اكتشف أنه بسبب مادة منسية في قانون المواطنة كان يمكنه أن يحصل على الجنسية بصورة اوتوماتيكية تقريبا. عملياً، هذه المادة تم إعدادها لحل مشكلة أبو خلف وشباب آخرين ليست لديهم جنسية. ولكن وزارة الداخلية الاسرائيلية تتجاهل هذه المادة؛ لأن الاعتراف بها سيمكن من منح الجنسية بصورة سريعة لعشرات آلاف السكان الفلسطينيين خلال فترة قصيرة.
أكثر من 37 في المئة من سكان عاصمة اسرائيل ليسوا مواطنين في هذه الدولة. هم فلسطينيون مكانتهم القانونية في اسرائيل هي مكانة مقيمين دائمين. هذه المكانة الغريبة وجدت بعد بضعة اسابيع من حرب «الايام الستة» كحل مؤقت للسكان العرب الذين تم ضمهم للقدس مع توسيع حدود المدينة من الجهة الشرقية، وبقيت كذلك حتى الآن. عملياً، مكانة سكان شرقي المدينة حددت بقوة «قانون الدخول إلى إسرائيل»، وكأنهم دخلوا الى الدولة في صباح أحد ايام حزيران 1967، ولم تأت الدولة اليهم. هذه مكانة إشكالية جداً تؤدي الى المعاناة الكبيرة لمن يتمتعون بها. مطلوب منهم الحضور مرات كثيرة الى مكتب السكان المكتظ في شرقي القدس لإثبات أنهم يعيشون حقا في المدينة. وإذا فقدوا بطاقة الهوية أو كان يجب عليهم تغيير مكان اقامتهم أو الحالة الاجتماعية يطلب منهم المرور بإجراء بيروقراطي متعب. اضافة الى ذلك ليست لهم حقوق الانتخاب للكنيست. والاهم من ذلك فانّ مكانة مقيم دائم، خلافاً للجنسية، يمكن الغاؤها بسهولة نسبية.
ورغم ذلك، منذ 1967 لم يكن هناك طلب كبير على الحصول على الجنسية الذي اعتبر اعترافاً بسيادة إسرائيل في القدس، وبدرجة معينة خيانة للوطنية الفلسطينية. ولكن تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية على المجتمع الفلسطيني في المدينة كسرت «التابو»، وفي السنوات الأخيرة ارتفع عدد طالبي الجنسية بصورة مستمرة من 200 طلب في 2006 الى اكثر من 1000 طلب في السنة الماضية. ولكن عملية الحصول على الجنسية هي عملية طويلة جدا وبيروقراطية جدا. وفي نهاية المطاف فقط عدد قليل ممن يطلبون الجنسية ينجحون في الحصول على المكانة المأمولة ويصبحون مواطنين كاملين.

مسار مليء بالعقبات
عندما يصل مواطن من شرقي القدس الى مكتب السكان ويطلب الحصول على الجنسية، يطلب منه تعبئة نماذج حسب المادة 5 من قانون المواطنة. وحسب هذه المادة، من اجل الحصول على جواز السفر المأمول، يجب على الشخص أن يثبت أن مركز حياته في اسرائيل، وأنه مكث في البلاد ثلاث سنوات من بين السنوات الخمس التي سبقت تقديم الطلب. ويطلب منه ايضا الاثبات بأن له «صلة وثيقة ومستمرة بالقدس». من أجل ذلك يجب عليه استصدار عشرات الوثائق – وصولات دفع الارنونا، فواتير كهرباء، شهادات دراسة، وصولات من صندوق المرضى وما أشبه. وبعد ذلك يجب عليه اجتياز فحص جنائي من قبل الشرطة وفحص أمني من قبل «الشاباك». حادثة جنائية هامشية يمكنها أن تؤجل العملية بضع سنوات. عملية التجنس لأبو خلف، مثلا، توقفت أكثر من خمس سنوات بسبب حادثة جنائية بسيطة حدثت بسبب شجار مع الجيران. إضافة الى ذلك يطلب ممن يريد الجنسية اجتياز امتحان «معرفة ما باللغة العبرية»، بما في ذلك امتحان قراءة. حقيقة أن اللغة العربية هي لغة رسمية في اسرائيل لا تقدم ولا تؤخر في هذه المادة.
المرحلة القادمة هي استصدار شهادة يصادق فيها طالب الجنسية على التخلي عن الجنسية السابقة التي لديه. في السابق كان هذا الأمر عقبة حقيقية، لأن السفارة الاردنية رفضت اصدار شهادات كهذه. أما الآن فتكتفي وزارة الداخلية بوثيقة تثبت ارسال الرسالة للوزارة. في نهاية المطاف اذا تمت الموافقة على كل المصادقات يتم استدعاء الشخص الى مكتب وزارة الداخلية وهناك يطلب منه اعلان ولائه للدولة أمام موظف اسرائيلي وأمام العلم الاسرائيلي.
كل هذا حسب المادة 5 من قانون المواطنة. ولكن ثمة بند آخر في القانون ذاته يمكّن شبانا فلسطينيين ولدوا في اسرائيل من الحصول على الجنسية بسهولة. المادة 4 أ التي تم سنها في العام 1968 تنص على أن «من ولد في اسرائيل بعد اقامة الدولة ولم يحصل في أي يوم على أي جنسية، يصبح حسب طلبه مواطنا اسرائيليا اذا انطبق عليه شرطان وهما: تقديم الطلب بين بلوغه 18 سنة وبين بلوغه 23 سنة. والشرط الثاني هو أنه على مدى خمس سنوات متواصلة قبل تقديم الطلب كان يقيم في اسرائيل.
حتى الثمانينيات لم يكن واضحاً إذا كانت هذه المادة تتعلق بسكان شرقي المدينة. لأنه بصورة رسمية كانت لديهم جنسية اردنية. ولكن في العام 1988 الغى الملك حسين الجنسية الاردنية للفلسطينيين. حينها بدأ يولد في المدينة اولاد فلسطينيون لم يكن لديهم في يوم ما جنسية اخرى، طبقا لما تطلبه المادة. في الوقت الحالي يمكن القول وبتقدير حذر إنه يعيش في القدس عشرات آلاف الشباب الفلسطينيين الذين تنطبق عليهم شروط المادة 4 أ، ولكن أحدا منهم لم ينجح في يوم ما في الحصول على الجنسية استنادا الى هذه المادة. وخلافا للمادة 5، فانه في المادة 4 أ ليس لوزير الداخلية تقريبا أي رأي في منح الجنسية، باستثناء من تمت إدانتهم بمخالفة أمنية أو حكم عليهم خمس سنوات سجن.
مع ذلك، فإن الباب بقي مغلقاً. في وزارة الداخلية يعترفون بأنه ليست هناك إجراءات لعلاج طلبات الحصول على الجنسية استناداً الى المادة 4 أ، ومن يريد الحصول على الجنسية من خلالها يتم توجيهه للمادة 5. عدد من المحامين الذين حاولوا معرفة كيف يمكن التجنس حسب المادة أُحيلوا الى موظفين ليست لديهم إجابات.
أحد هؤلاء المحامين هو المحامي رامي يوفال، الذي يرى في هذه القضية نضالاً ايديولوجيا. «أحاول إحياء هذه المادة من أجل إعطاء الاحترام لقوانين الكنيست، لكن ليس فقط لقوانين الكنيست، بل لمبدأ أن لكل شخص الحق في أن يكون انسانا، وأن له الحق في أن يكون مواطنا في المكان الذي ولد فيه». وقد فحص المحامي يوفال وجد أنه منذ تم سن هذه المادة لم يحصل أحد على الجنسية بقوتها. «دولة اسرائيل ووزارة الداخلية بدعم من محكمة العدل العليا تتجاهل هذه المادة. وفي الحقيقة تحاول إلغاءها»، قال. في 2012 قدم المحامي التماسه الاول لمحكمة العدل العليا باسم نادل الرشق، وهي فتاة تبلغ الـ 24 من عمرها ولدت لعائلة من شرقي القدس، وفي طفولتها انتقلت للسكن في بئر السبع. وعندما اصبحت بالغة طلبت التجند للجيش الاسرائيلي مثل أصدقائها، لكن الجيش رفض طلبها لأنها ليست مواطنة اسرائيلية.
زعمت الدولة في ردها أن الرشق لم تثبت أن مركز حياتها في اسرائيل، وأنه ليس لديها جنسية اخرى. في المقابل، قبل تحديد موعد للنقاش في المحكمة تمت تسوية حالتها حسب المادة 5 وحصلت على الجنسية، لتتجند في الجيش. يوفال على قناعة بأن التسريع هدف الى منع المحكمة من نقاش مبدئي في قضية المادة 4 أ.
قبل حوالي سنة قدم المحامي يوفال التماساً آخر في هذا الموضوع. وقد كان الملتمس هو ناصر الفقير (21 سنة) من بئر السبع، وهو لم يحصل في أي يوم على أي جنسية، بل إن كل أبناء عائلته مواطنون اسرائيليون. ومثل مئات البدو الآخرين اكتشف الفقير هذا بالصدفة عندما قدم طلباً للحصول على جواز سفر. ايضا هو تم توجيهه للمادة 5، رغم أن لديه الحق في الحصول على الجنسية تقريبا بصورة اوتوماتيكية حسب المادة 4 أ. النقاش في الالتماس تم تأجيله ثلاثة اشهر، والمادة الميتة يمكنها أن تحل ايضا قضية البدو الذين ليست لديهم جنسية، على الاقل الشباب في اوساطهم.
المحامية عيدي لوستغمان، التي تمثل أبو خلف، طلبت تجديد اجراءات تجنسه حسب المادة 4 أ، لكنها ووجهت بسور منيع في وزارة الداخلية. «الموظفة قالت لي إن هذه المادة ليست معدة لأبناء الاقليات، فهي ليست لها علاقة بالأمر. واقترحتُ أن اقرأ القانون أمامها، لكنها قالت إن هذا ليس له صلة، وطلبت أن يكتبوا لي ردا رسميا»، قالت المحامية.

حق طبيعي
الدكتور امنون رمون، الذي اصدر مؤخراً كتاباً بعنوان «سكان ليسوا مواطنين»، يناقش فيه المكانة القانونية لسكان شرقي القدس، عن دار النشر «يد اسحق بن تسفي»، على قناعة بأن تعديل القانون اتخذ، ضمن امور اخرى، من اجل حل مشكلة السكان الفلسطينيين في القدس. مشروع القانون وضع حقا على طاولة الكنيست قبل حرب «الأيام الستة» كجزء من ملاءمة قوانين الدولة مع الميثاق الذي وقعت عليه اسرائيل لمنع وضع «وجود شخص بدون جنسية». ولكن التصويت بالقراءة الثانية والثانية على القانون كانت بعد الحرب. عضو الكنيست شموئيل تمير (المركز الحر) من الجناح اليميني في الكنيست، ثار غاضبا في جلسة الكنيست التي تمت فيها المصادقة على القانون؛ لأن القانون لا يعالج بصورة أوسع «السكان الجدد الموجودين في حدود دولة اسرائيل». وقال رمون إن «وزارة الداخلية غير معنية بفتح هذه الطريق لأنها يمكن أن تؤدي إلى عدد كبير جداً، وهناك القليل من الاعتبار لوزير الداخلية في هذه المادة». تشرح لوستغمان بأنه ليس من المعقول أن القانون يتعلق باليهود، حيث إن مهاجرين جدداً أيضا، بالصدفة لم يحصلوا على الجنسية في أي يوم، لم يكونوا بدون جنسية في الدول التي جاؤوا منها.
«نحن لسنا مهاجرين، نحن نستطيع العيش أينما نريد، وأنا أعرف طيارين من شرقي القدس لديهم رخصة طيران اسرائيلية. هذه الدولة هي التي دخلت الينا، ولسنا نحن الذين دخلنا اليها. أنوي التوجه لمحكمة العدل العليا لازالة هذا الظلم»، قال أبو خلف.
«اعلان حقوق الانسان، الموجه لكل العالم، ينص على أن كل انسان له الحق في الحصول على الجنسية»، قال يوفال، «عندما يولد طفل في مستشفى هداسا، يصبح منذ تلك اللحظة مواطنا من مواطني الدولة، ويحق له الحصول على التأمين الصحي ومخصصات الاولاد والحفاظ على كرامته وحياته، وتهتم الدولة به. ولكن في سرير قربه ينام طفل لا يوجد له أي حق في العالم، مثل أسود في الولايات الجنوبية قبل ابراهام لنكولن. هذا غير قانوني، غير منطقي، وغير اخلاقي. هذه وقاحة من دولة اسرائيل بموافقة وتجاهل فعال من قبل محكمة العدل العليا. المواطنة هي حق اساسي وطبيعي وانساني والهي».
المتحدثون بلسان مكتب السكان لم يردوا على عدد من الاسئلة حول الموضوع، فقط قالوا «في العقد الاخير لم يتم تقديم أي طلبات للحصول على الجنسية استنادا للمادة 4 أ من قانون المواطنة. وكذلك هذه المادة في القانون هي مادة سارية المفعول، لكن استخدامها ليس واسعاً».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف