- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2017-11-29
صادقت الوفود الفلسطينية على البيان الختامي للحوار، فرفعت الجلسة، وأطفئت الأضواء، وإنتقال الجميع إلى الأروقة والردهات. ولكن وقبل أن يجف حبر البيان الختامي، بدأت بعض الأطراف تطلق عليه النار، بإعتباره «بياناً بلا معنى»، و«يخلو من الخطوات التطبيقية»، وإعتبره آخرون «بديلاً للفشل»، و«مثيراً للخيبة»، فما الذي دار خلف قاعة الحوار، وماهي المواقف التي عبرت عنها الوفود في مداخلاتها، بحضور «الراعي المصري».
فتح / التمكين
وفد حركة فتح، برئاسة عزام الأحمد، قال في مداخلته أن وظيفة هذا الحوار هو الاتفاق على الآليات الضرورية ولتمكين حكومة السلطة من تولي مهماتها في قطاع غزة كاملة دون نقصان. وأن ما من شيء آخر، مطروح على جدول النقاش سوى «التمكين». وبعد الإنتهاء من هذه الورشة (أي التمكين) يمكن الدخول في مناقشة القضايا السياسية الكبرى المتعلقة بالجوانب السياسية والنظام السياسي الفلسطيني وغيرها.
أما عن الإجراءات العقابية بحق قطاع غزة، ورفع الحصار وفتح معبر رفح، فأكد الأحمد، أنها قضايا مرتبطة بمدى تمكين الحكومة من تولي مسؤولياتها. وعندما سئل، ما هو المقصود بالتمكين، قال أن يصبح قطاع غزة، تحت السلطة الكاملة للحكومة كما هو الحال في الضفة الفلسطينية. وبحيث تصبح الحكومة مسؤولة عن الشؤون كافة في القطاع، دون إعاقات أو عراقيل.
مداخلة عزام الأحمد، نشرت في أجواء القاعة إحساساً بعدم الراحة، وشعوراً بأن الحوار مقبل على لحظات ساخنة، وأن عبارات المجاملة والقبل التي تبادلها وفدا فتح وحماس، عند توقيع إتفاق 12/10/2017، شيء، وأن الوصول إلى تطبيق الإتفاق، ووضع آليات ناجحة له، شيء آخر، خاصة وأن وفد فتح ربط بين «التمكين» وإشتراطاته المفتوحة على الزمن، وعلى التفسيرات المختلفة والمتباينة، وبين رفع الإجراءات والحصار عن قطاع غزة.
زاد الأمر تعقيداً أن رئيس حكومة السلطة الفلسطينية إستبق جلسة الحوار بإطلاق تصريحات تؤكد قرار الحكومة تسلم الأمور كافة، بما فيها قضايا الأمن، وربطه بين فتح معبر رفح وبين تولي حكومة السلطة الأمور والملفات الأمنية كاملة في القطاع. خاصة وأن ملف الأجهزة الأمنية إعتبر، إلى جانب قضية الموظفين، وإزدواجية الوظيفة، من القضايا الشائكة، المزروعة بالألغام والمتفجرات.
حماس/ «التمكين ورفع العقوبات»
حركة حماس، في مداخلتها، التي إتسمت هي الأخرى بالوضوح، لم تعترض على التمكين، وقالت إنها حلت لجنتها الإدارية المعنية بإدارة الوزارات وأنها إستقبلت الحكومة ورئيسها، وأن الحكومة عقدت إجتماعها في غزة واعلنت أنها تسلمت الوزارات، وأن حماس أعلنت أكثر من مرة، للرأي العام، أنها لم تعد مسؤولة عن القطاع، وأن المسؤولية باتت كاملة بيد حكومة السلطة الفلسطينية.
لكن وفد حماس، في الوقت نفسه، أكد أن آليات «التمكين» يجب ألا تخالف ما تم الإتفاق عليه. بحيث لا يسرح موظف من الموظفين الذي إستقدمتهم حماس بدلاً من الذين إستنكفوا بقرار من رام الله. وبحيث لا يسرح شرطي أو رجل أمن، أو ضابط من الذين عينتهم حماس بدلاً من الذين غادروا مواقعهم بعد 14/6/2007(تاريخ إنقلاب حماس) كما طلبت حماس ألا يجري الربط بين «التمكين» وبين رفع الإجراءات العقابيةعن القطاع، وأنه بعد حل اللجنة الإدارية، والموافقة على تولي حكومة الوفاق مهامها في القطاع، والموافقة على إجراء الإنتخابات الشاملة، لم يعد هناك أي مبرر لبقاء العقوبات الجماعية سارية المفعول. وأكدت حماس أنها مقبلة على المصالحة بقلوب وعقول مفتوحة، ولا تريد العودة إلى الوراء، وأنها على إستعداد لتقديم كل ما هو مطلوب منها لإنجاح المصالحة، وأنها راغبة بقوة في دخول م.ت.ف. بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وحماس، كما أكد وفدها، أنها جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية تؤمن بالديمقراطية أساساً لحل الخلافات والتباينات، وتؤمن بأن الإنتخابات هي السبيل لبناء المؤسسات، رئاسية، وتشريعية (مجلس تشريعي، ومجلس وطني) وبلدية، ونقابية، وجامعية وغيرها. ثم ختمت بالتأكيد على رفع العقوبات على قطاع غزة، وعلى ضرورة إسراع الحرس الرئاسي في تسلم معبر رفح وفتحه للمسافرين والتجارة، لأن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تعزز روح المصالحة، وأن تقنع الشارع بأن المصالحة ماضية في الإتجاه الصحيح. (راجع مقاطع من مداخلة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي ورئيس وفدها إلى الحوار في مكان آخر).
«الديمقراطية» / حلول متوازية
فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ورئيس وفدها إلى الحوار، أدلى بمداخلتن(راجع النص في مكان آخر) أكد فيهما على النقاط التالية:
«لاتعارض بين «التمكين»، الذي نؤيده كلنا، حتى تتحمل الحكومة مسؤولياتها، وبين رفع العقوبات والإجراءات عن قطاع غزة. بل إن رفع هذه الإجراءات ورفع الحصار، وفتح معبر رفح، يولد أجواء أكثر إيجابية لصالح «التمكين».
«المصالحة، وتطويرها نحو الوحدة الوطنية، تفتح علينا ملف النظام السياسي الفلسطيني وإعادة بنائه. الأمر الذي يتطلب رسم آليات وخطوات لهذا الأمر، كالإنتخابات، الرئاسية والتشريعية(مجلس تشريعي ومجلس وطني) وتكريس مبدأ التشاركية والشراكة الوطنية، والتوافق على البرنامج الوطني، وعلى إستراتيجية المرحلة القادمة. وبالتالي الحديث عن المصالحة يفترض الحديث أيضاً عن النظام السياسي الفلسطيني».
«تمكين الحكومة لتولي صلاحياتها كاملة في قطاع غزة، مسألة تحتاج إلى إبراز الفارق الموضوعي بين الحالة في القطاع. والحالة في الضفة الفلسطينية. فالضفة تحت الإحتلال المباشر، وفي مواجهة مشروع إستيطاني إستعماري، والسلطة فيها مقيدة بقيود إتفاق أوسلو، وبروتوكولاته. أما القطاع، فهو تحت الحصار، ومهدد بالعدوان اليومي، الأمر الذي يتطلب الحفاظ على مقاومته لهذا الحصار، وللعدوان. في قطاع غزة تشكيلات عسكرية للفصائل الفلسطينية غير موجودة في الضفة. هذه سنحافظ عليها. ولا تعارض بينها وبين أن تؤدي الحكومة واجباتها الأمنية داخل المجتمع الفلسطيني. بالإمكان حل الموضوع بجهة مقاومة وطنية متحدة، بغرفة عمليات مشتركة ذات مرجعية سياسية موحدة، بيدها قرار القتال، والتهدئة، والتصعيد وغيره.
وإلتقت مع مداخلة الجبهة الديمقراطية مداخلات عديدة، أكدت على العناصر نفسها، خاصة بما يتعلق برفع العقوبات، وتعميق المصالحة نحو إعادة بناء النظام السياسي، وصون سلاح المقاومة، في إطار جبهة مقاومة موحدة في قطاع غزة.
القرار الغائب
مما لا شك فيه، لقد شكل قرار رفع العقوبات والحصار عن قطاع غزة البند الغائب الأكبر. وهذه مسألة نضالية، أوضحت حدود العلاقة في جلسات الحوار أن وفد فتح لم يكن يملك بها قراراً. القرار بيد القيادة السياسية، في السلطة أي بيد الرئيس محمود عباس. وهو أمر لا يمكن معالجته بإطلاق النار على البيان، وما فيه من تطويرات سياسية، بل باللجوء إلى الضغط الشعبي في قطاع غزة، وفي الضفة الفلسطينية. ولعل التحرك الشعبي، في الإقليمين، تحت هذا الشعار، «إرفعوا الحصار والعقوبات عن القطاع» يشكل إختباراً للطرفين، لمدى حرصهما على نشر أجواء الحرية وتعزيز روح الديمقراطية وإحترام الرأي العام، بإعتباره المرجع الأخير في رسم المصالح الوطنية الفلسطينية.