- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2017-12-06
إنفجر الخلاف، نهاية الشهر الماضي، بين فتح وحماس، حين أصدرت حكومة السلطة قراراً مفاجئاً بإعادة الموظفين «المستنكفين» في قطاع غزة الى وظائقهم، ما خلف إرباكاً في وزارات السلطة كافة، حيث اصطدم القرار بالإزدواجية الوظيفية. فقد بات، والحال هكذا، لكل وظيفة موظفان، كل منهما ينسب لنفسه حق إستلام الوظيفة.
والقصة كما هي معروفة، أن حكومة السلطة الفلسطينية إتخذت بعد الحركة العسكرية لحماس في 14/6/2007، قراراً دعت فيه موظفيها في قطاع غزة لملازمة بيوتهم، بغية إفراغ المؤسسات من موظفيها، وإرباك الوضع في القطاع، وإغلاق الطريق أمام حماس لإدارة الشأن العام فيه. حماس بدورها إغتنمت هذه الفرصة، لتملأ الفراغ الناجم عن «الإستنكاف»، بآلاف الموظفين الموالين لها، إن في وزارة التربية والتعليم ومدارسها، أو في وزارة الصحة ومستشفياتها، أو في باقي الوزارات، في أقسامها الإدارية والخدمية، وهكذا بات لكل وظيفة موظفان. أحدهما تدفع له السلطة الفلسطينية راتبه، وهو «مستنكف» في منزله، بقرار من السلطة نفسها. والآخر تدفع له حركة حماس راتبه، ويتولى إدارة الشأن، في ظل حكومة الأمر الواقع، برئاسة اسماعيل هنية، والتي حملت لسنوات، لقب «الحكومة المقالة».
كلما أثيرت قضية المصالحة بين الطرفين، فتح وحماس، طرحت الحركة الإسلامية عدداً من شروطها، في مقدمها، أن تعتمد السلطة الفلسطينية على ملاكاتها الرسمية، حوالي 45 الف موظف، هم الذين ملأوا الفراغ بعد «استنكاف» موظفي السلطة. وأن تعتمد، في الإطار نفسه، حوالي عشرين ألف شرطي وضابط شرطة، أعادت بهم حركة حماس تنظيم الأجهزة الأمنية تحت سلطتها، بديلاً لبقايا الأجهزة الأمنية السابقة، الموالية للسلطة والتي إنهارت بعد حركة 14/6/2007.
وعندما توصل الطرفان، في 12/10/2017 إلى إتفاق مصالحة، برعاية القاهرة، كانت قضية إزدواجية الوظيفة على جدول أعمال المباحثات الثنائية. وقد جرى «حلها» نظرياً، بإحالتها الى لجنة قانونية، من الطرفين، تدرس هذا الملف المعقد، وتضع له حلولاً متدرجة. ذلك أن حماس ترفض أن يكون ثمن المصالحة تشريد أكثر من 45 ألف موظف موالين لها، مضي على توليهم الوظيفة أكثر من عشر سنوات ، يقدمون خدماتهم للناس ويسيرون شؤون السلطة. بدورها تتذرع حركة فتح بأن القدرة الحالية للسلطة لا تمكنها من إعتماد هذه الدفعة الضخمة من الموظفين بضربة قلم، خاصة وأنها تعاني أساساً من عجز مالي، يؤدي بين الفترة والأخرى إلى إفتقار السلطة للسيولة المالية، وعجزها عن تسديد رواتب، الموظفين في المواعيد المحددة، أي مطلع كل شهر.
وكما يقول بعض المراقبين، فإن الطرفين على حق. خاصة وأن الموظفين على جانبي خط الإنقسام، هم في نهاية المطاف مواطنون، يعيلون عائلات، ولهم الحق في العمل، ولهم الحق في راتب وبالتالي لا تستطيع السلطة من جانبها أن تسرح دفعة واحدة، حوالي 40 ألف موظف آخرين، هي طلبت منهم الإستنكاف عن العمل، وبالمقابل، لا يحق لها، في الوقت نفسه أن تستخف بمصير حوالي 40 ألف موظف، خدموا في المؤسسة، في مختلف دوائرها ومراكزها أكثر من عشر سنوات، وأن تطلب إليهم المغادرة دفعة واحدة، وأن تتنصل من واجباتها نحوهم.
إذن، وكما يقول المراقبون، للقضية وجهان:
• الوجه الأول هو وجه الصراع على السلطة بين الطرفين، فتح وحماس.
فتح تريد إستبعاد موظفي حماس، بدواعي مالية، وقانونية وغيرها، للإستفراد بالإدارة وإستعادة نفوذها فيها، وتعتبر ذلك شرطاً من شروط «التمكين»، الذي يوفر لها كل الظروف لإستلام السلطة وإداراتها دون نقصان.
وحماس ترفض إستبعاد موظفيها، بذرائع ودواعي إجتماعية، وبما يمكنها هي الأخرى، في الوقت نفسه، من الحفاظ على نفوذها في الإدارة العامة والوزارات ومؤسسات السلطة، حتى في ظل حكومة رامي الحمدالله، وحتى ولو كان على رأس كل وزارة وزير من الموالين لفتح أو لرئيس السلطة، أو رئيس حكومتها.
بين القانون والإتفاق
عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس وفدها الى حوارات المصالحة، حاول أن يبرر القرار المفاجئ (والمفجر) لحكومة السلطة الفلسطينية، بالإدعاء أن الحكومة تعمل بموجب القانون ـــ ولما كان القانون ـــ حسب قول الأحمد، لا يجيز دفع راتب لموظف لا يعمل، فإن السلطة طلبت من موظفيها العودة الى العمل، مقابل رواتبهم.
وأضاف إن الحكومة تغلب القانون على إتفاق المصالحة، فالإتفاق تمً بين حركتين، لكن الحكومة معيارها تطبيق القانون.
الأحمد، في حديثه تجاوز أكثر من نقطة وتجاهلها.
• الأولى أن الموظفين المستنكفين، مضى عليهم أكثر من عشر سنوات وهم يتلقون رواتبهم ولا يعملون، وينفذون بذلك قرار الحكومة. فهل كان قرار الحكومة آنذاك، بدعوتهم للإستنكاف، مخالفاً للقانون. ثم من يتولى دفع مرتبات آلاف الموظفين لأكثر من عشر سنوات، من دون عمل، يستطيع أن يواصل الأمر لأشهر قليلة، إلى أن تنحل قضية «إزدواجية الوظيفة».
• الثانية أن الموظفين الموالين لحماس، هم أيضاً على رأس عملهم، وبالتالي من حقهم أن ينالوا رواتبهم، وفصلهم بالجملة، دون مبرر قانوني، أمر مخالف للقانون.
• الثالثة والأهم أن الإتفاق الذي تمّ التوقيع عليه في 12/10/2017، وصادقت عليه الفصائل الفلسطينية في القاهرة في 22/11/2017، ملزم لكل الحالة الفلسطينية بمن فيها حكومة السلطة الفلسطينية.
فالأحمد فاوض حماس بإسم فتح، وبإسم السلطة أيضاً. وما يوافق عليه ملزم لفتح وملزم للسلطة. كما أن الأحمد، يعرف جيداً، أن آلية الإدارة الذاتية، التي يتبعها رئيس السلطة جعلت من اللجنة المركزية لحركة فتح مرجعاً للسلطة بديلاً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد صادقت اللجنة المركزية لفتح على إتفاق 12/10/2017، وعلى بيان 22/11/2017.
وفي السياق نفسه يصبح مطروحاً السؤال التالي: إذا كانت الحكومة لا تلتزم إتفاق المصالحة، وتريد أن تتجاوزه، بذريعة تطبيق القوانين، فمعناه أن الحكومة هي التي تعمل على تخريب الإتفاق، وإنتهاكه، بذريعة أنه غير ملزم لها، وأنه ملزم لمن وقعه. ومعناه أيضاً أنه لا قيمة لتوقيع عزام الأحمد، وأنه مجرد حبر على ورق، ما دام غير ملزم لحكومة تتشكل من وزراء كلهم من فتح أو موالون لها، ويرأسها شخصية من فتح ومرجعيتها اللجنة المركزية لفتح، ورئيس سلطتها هو الرئيس الأعلى لحركة فتح.
وليست هي المرة الأولى التي يلجأ فيها رئيس وفد فتح إلى المصالحة، لتزوير الوقائع والحقائق. فقد سبق له وأن أدعى، عند قدومه إلى القاهرة في 21/11/2017، لحضور إجتماع الفصائل، أن فصائل م.ت.ف في رام الله، عقدت إجتماعاً ناقشت فيه جدول أعمال الحوار، وقد أجمعت ـــــ والكلام لعزام الأحمد ــــــ على أن يكون جدول الأعمال من نقطة واحدة هي «التمكين»، أي تسلم الحكومة لوزاراتها في قطاع غزة. على أن تؤجل باقي القضايا، ومنها ملفات م.ت.ف، وملف البرنامج السياسي، لإجتماع لاحق، يعقد بعد أن يتم التأكد من تمكين الحكومة من تسلم مهماتها. ثم أعاد التأكيد على ذلك في لقاءات عقدت معه على شاشة «العربية»، و«الجزيرة» الفضائيتين، ليتضح بعدها أن هذا الكلام يجافي الحقيقة، فقد إعترضت في إجتماع رام الله، كل من الجبهتين الديمقراطية والشعبية وحركة فدا، على إقتراح فتح وأكدت على ضرورة أن يتناول جدول الأعمال الملفات الأخرى، لأنه بدون إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وبدون إعادة الحياة إلى مؤسساته، وبدون التوافق مرة أخرى على البرنامج الوطني الفلسطيني، ستبقى المصالحة عرضة للإهتزاز، وستتحول، بقوة الواقع، من مصالحة وطنية إلى إحتراب ثنائي، بين فتح وحماس، على السلطة. ولعل إنفجار قضية «إزدواجية الوظيفة» دليل على صحة هذا الإستنتاج.
الإطفائي المصري
القاهرة، التي شكلت المرجعية العربية لإتفاق المصالحة، وفي ظل الإفتقار إلى مرجعية فلسطينية، تدخلت سريعاً قبل أن تتحول قضية الموظفين إلى عنوان إضافي لإنقسام جديد، وقد تحولت دوائر السلطة إلى خزان وصل به الوضع حد الإحتقان ينذر بإنفجار شعبي، خاصة في ظل أجواء سياسية إستنكرت مواقف حكومة السلطة الفلسطينية وتسرعها في حل قضية معقدة كقضية الموظفين، كما إستنكرت مواقف رئيس وفد فتح، ورأت فيها محاولة تهدد بتخريب إتفاق المصالحة.
تدخل الجانب المصري نجح في إخماد نار الفتنة من خلال «إقناع» حكومة السلطة الفلسطينية، وحركة فتح، بالتراجع عن قرارها بشأن الموظفين، والذي أحدث ما أحدثه من فوضى عارمة. كذلك تبين للوفد المصري إلى قطاع غزة أن موعد 1/12/2017 لإنهاء خطوات تمكين الحكومة من تسلم مهامها، أصبح موعداً أقرب مما يجب، خاصة وأن على جدول الأعمال قضايا أخرى لا تقل «خطورة» وتعقيداً عن قضية الموظفين، لذلك ارتأت الأطراف الثلاثة، [القاهرة، فتح، وحماس] تأجيل الموعد حتى 10/12/2017، لأخذ الوقت الكافي لحل القضايا المعقدة. ثم إستدعت القاهرة وفدي فتح وحماس، حيث جرى، بعيداً عن «ضوضاء» الإحتراب الإعلامي الساخن، الذي إندلع بين الجانبين، دراسة ملف الموظفين، حيث تقول المصادر إن القاهرة وضعت له أجندة جديدة، إتفق الطرفان على الإلتزام بها.
فهل تنجح هذه الأجندة في تسهيل آليات تطبيق إتفاق المصالحة بتعقيداته المعروفة، خاصة وأن قضية الموظفين ليست هي القضية الأخيرة. فهناك على جدول أعمال المصالحة ملفات أخرى، يحتاج حلها إلى المزيد من الإرادة السياسية والتحلي أكثر فأكثر بالمسؤولية وإخراج الموضوع من سياقه كصراع على السلطة.