- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2017-12-25
خواطر عربية -عبد العال الباقورى
القاهرة - مصر
2017/12/21
إذا كانت بريطانيا قد منحت الحركة الصهيونية وعد بلفور في الثاني من نوفمبر 1917. فإن أمريكا. القوة الأعظم في عصرنا. قد منحت الكيان الصهيوني وعدين. هما وعد بوش ووعد ترامب. وعد بوش الذي أسميناه منذ صدوره "وعد بلفور الثاني" تعبيراً عن خطورته. كما اعتبرناه "الحصاد المر للساداتية العربية". صدر في أبريل 2004. في شكل رسالة من الرئيس جورج دبليو بوش إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي "ارييل شارون" وتضمنت الرسالة تعهدين أساسيين. هما: لن تكون هناك أي عودة للاجئين إلي إسرائيل. ولن تكون هناك عودة إلي حدود 1967. سواء لأن الكتل الاستيطانية ستبقي في يد إسرائيل. أو بسبب حق إسرائيل في حدود قابلة للدفاع. وكان التعهدان معاً. وكل منهما علي حدة. خروجاً علي الشرعية الدولية بشأن حقوق شعب فلسطين. ومن أسف أن وعد بوش هذا صدر إلي شارون في وقت توافد فيه قادة عرب علي زيارة واشنطن. قبل زيارة شارون أو بعدها. ولكنهم أغفلوا أو تغافلوا ــ فيما هو متاح من معلومات ــ عما جري بين بوش وشارون. عبر رسائل متبادلة. عندئذ ولم يعلن أي منهم كلمة احتجاج علناً!
شهادة إسرائيلية!!
اليوم. ماذا كان سيحدث لو توقف عندئذ رهان التسوية بوساطة أمريكا. وأمريكا وحدها؟ أو لم نكن سنتجنب وعد بلفور الجديد. الثالث بعد بلفور الأول والثاني أمريكياً بشأن اتخاذ القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب. لقد ظلت "الوساطة" الأمريكية لتسوية الصراع العربي ــ الصهيوني قائمة. علي الرغم من أن الأحداث أثبتت عملياً أن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في مسعي التسوية. وأن انحيازها ومساندتها للكيان الصهيوني ليست في حاجة إلي دليل وأليس هذا ما كتبه الصحفي الإسرائيلي المنصف "جدعون ليفي" في صحيفة "هآرتس" في العاشر من ديسمبر الحالي:
"لقد قال ترامب الحقيقة للعالم. الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً. لم تكن هكذا في أي يوم ولن تكون. هي من أكبر المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي. مؤيدة ومزودة بالسلاح ومعززة له ــ هي تريد وجوده. وهي لم تشعر في أي يوم بالاشمئزاز منه. وكما هو معروف لم تقم بأي شيء من أجل إنهائه". لم يقف ليفي عند هذا الحد بل أضاف أن أمريكا حاولت حتي مجئ ترامب تضليل العالم!! "عملية سلمية" لا نهاية لها برعايتها. التي لم تؤد في أي يوم ولن تؤدي إلي أي مكان سوي تخليد الاحتلال. عدد لا يحصي من "خطط السلام" التي ظهرت وكأنها متوازنة. والتي لم تعمل أمريكا علي تحقيقها. عدد لا يحصي من الوسطاء المحايدين. كما يبدو ــ الذين في معظمهم يهود صهاينة ــ بعد كل هذا تتظاهر بأنها صانعة سلام غير متحيزة. الآن. جاء ترامب "ووضع حداً لكل ذلك". كيف؟ يجيب الصحفي الإسرائيلي المعروف بالاعتدال أن ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل فقط "لم يدع أي مجال للشك: أمريكا مع الاحتلال. أمريكا مع إسرائيل. مع إسرائيل فقط. هذا بالطبع من حقها ومن حق رئيسها. ومعظم الإسرائيليين سعداء من ذلك ــ لكن لن يخرج من هذا عدل نسبي أو سلام".
3 حقائق
ما ذكره جدعون ليفي ملخصاً ومركزاً يثبت عبر السنوات منذ 1947 وإلي الآن 3 حقائق:
الأولي : أنه لولا موقف أمريكا المساند وبقوة لتقسيم فلسطين لما صدر قرار الأمم المتحدة بذلك في 29 نوفمبر 1947 والكتابات عديدة حول الضغوط الأمريكية علي أعضاء المنظمة الدولية وممارساتها في ذلك الشأن.
الثانية: أنه لولا أمريكا لما استمر الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية والجولان إلي الآن.
الثالثة: ان رؤساء أمريكا خاصة منذ عدوان 1967 تفوق كل لاحق منهم علي سابقيه في مساندة إسرائيل ودعمها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
ولا يتردد بعض المؤرخين. عرباً وغير عرب. في التلميح إلي دور أمريكي في عدوان يونيو 1967. ودون هذا الدور لم تكن إسرائيل لتحقق النصر الذي أحرزته.
علي أية حال. إن الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل فكرة ووعداً. ودولة وممارسة لا ينبت في فراغ. إن له أسبابا عقيدية. وهو في الوقت ذاته تعبير عن رؤية الولايات المتحدة لسياستها ومصالحها كأكبر قوة دولية. خاصة منذ الحرب العالمية الثانية. ودون الدخول في تفصيلات تفيض بها عشرات بل مئات الكتب والدراسات من تأثيرات الطوائف الدينية الأمريكية ومعتقداتها في السياسة الأمريكية. مما أشار إليه سفير إسرائيلي سابق بشأن قرار ترامب ضد مدينة القدس وأن هذا يعبر عن فكرة أمريكية منذ 1920 وحتي اليوم. والتي تري في القدس مصدر إلهام أخلاقي وديني. تمثله 50 مدينة بلدة ومدينة أمريكية تحمل اسم "ساليم" أو "جيروساليم" "صحيفة "إسرائيل اليوم".
في 6 ديسمبر الحالي" أما الحديث عن الصهيونية المسيحية والصهاينة غير اليهود فأكثر شيوعاً وانتشاراً وما من قرار أمريكي بشأن فلسطين أو القدس إلا وفيه كلمات ومصطلحات تكشف عن ميول صهيونية ومن المعروف أن قرار الكونجرس الصادر في 13 نوفمبر 1995 بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل قد وصف المدينة بأنها "مركز الديانة اليهودية". وهذا ادعاء لا سند له في التاريخ. باعتراف مؤرخين إسرائيليين ورجال آثار. من أمثلة ذلك كتاب إسرائيل فنشكلشتاين وفيل اشر سيلبرمان عن "التوراة اليهودية مكشوفة علي حقيقتها". وثلاثية "شلومو ساند" أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب. وهي "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" "وكيف لم أعد يهوديا". وهي ثلاثية جديرة لقراءة وعرض خاصين في مثل الظروف الحالية. حيث تحرص السياسة الأمريكية ــ خاصة في السنوات الأربعين الأخيرة ــ علي أن تفرض علي العرب تاريخاً خاصاً لفلسطين. وفي سبيل ذلك تقلب الحقائق وتشوه التاريخ وتزور "بتشديد الواو المكسورة" وقائمة.
مساندة وتأييد مستمران
هذا الانحياز الفكري والعلمي والتاريخي الأمريكي لإسرائيل هو جزء لا يتجزأ من موقف أمريكي ثابت ومستمر منذ تأييدها المبكر لوعد بلفور في 1917. منذ ذلك التاريخ ظل الموقف الأمريكي مؤيداً وبثبات لإسرائيل وسياساتها تجاه العرب عامة وتجاه شعب فلسطين وحقوقه خاصة. ووضح هذا منذ عدوان يونيو 1967 الذي كان دور أمريكا فيه مثار شبهات. كما سبق القول. منذ ذلك التاريخ. فإن كل رئيس أمريكي تفوق علي سابقيه في تأييد إسرائيل ودعمها وتبني قراراتها السياسية.. ومنذ الرئيس هاري ترومان الذي سارع إلي الاعتراف بإسرائيل بمجرد إعلان قيامها في 1948. ضارباً عرض الحائط بموقف وزيري الدفاع والخارجية وإلي اليوم قد يقال إن الرئيسين ووايت ايزنهاور في موقفه من عدوان 1956 وجورج بوش الأب في موقفه من منع تمويل الاستيطان الإسرائيلي الجديد كانا استثناء. ولكن هذا قول غير دقيق تاريخياً وسياسياً. وحتي باراك أوباما الذي امتدحه لأسباب ممكنة كثير من العرب ونسوا حقائق معروفة علي رأسها أنه الرجل الذي أكسب إسرائيل 8 سنوات من الاستيطان في الأراضي الفلسطينية باستثنا ء فترات قصيرة. كما شهدت سنواته في البيت الأبيض تعاوناً غير مسبوق بين أمريكا وإسرائيل في الشئون العسكرية والمخابراتية. كما عقد في عام 2016 اتفاقاً لتزويد إسرائيل بـ 38 مليار دولار خلال 10 سنوات!! بالطبع لا يوجد انحياز أكثر من هذا سوي الانحياز الذي يجسده دونالد ترامب بقراره ذي الأبعاد الخطيرة والمتعددة بشأن القدس وما يرتبط بها من حقوق فلسطينية.
*** ما بين وعد بوش وشارون ووعد ترامب ضد عروبة القدس مرحلة كاملة تقريباً من الصراع العربي ــ الصهيوني. علي الرغم من أنها قصيرة المدة قليلة السنوات. ولكن وعد ترامب يقود الصراع إلي مرحلة مختلفة نوعياً عما بعد 1967 إلي الآن. حينما كان السؤال المطروح عربياً هو كيف نتعامل مع أمريكا؟ يومئذ تعددت الإجابات والاجتهادات. إلي أن كانت حرب أكتوبر المجيدة التي جاءت بعدها سنوات عجاف كان الاعتماد العربي فيها كبيراً علي أمريكا. حيث ارتفع شعار أنها تملك 99% من أوراق الحل. أصبح هذا يحتاج اليوم إلي مراجعة شاملة ودقيقة بعقلانية شديدة. وبعيداً عن التشنج والعصبية وبحثاً عن سياسة متوازنة وهادئة لا تضع الصديق موضع العدو ولا العكس. وهذا لن يتم بين يو م وليلة ولن يجري البحث عنه في حجرات مغلقة. بل علي أرض الواقع الذي يوشك أن يطرح شكلاً أو آخر من أشكال الانتفاضة التي تفجر قدرات الشعب الفلسطيني وقدرته علي المقاومة اعتماداً علي قوي وفئات شبابية جديدة في القدس والضفة وأراضي 48 والمخيمات.. إننا علي أبواب مرحلة لم تتحدد معالمها بعد. ومن أبرزها ــ عالميا ــ عزلة أمريكية من نوع خاص عبرت عنها جماعية دولية كاسحة في تصويت مجلس الأمن علي مشروع القرار المصري ضد القرار الأمريكي بشأن القدس. فماذا بعد؟ واسلمي يا مصر.