- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2018-01-15
في العام 1936 أبرمت أول صفقة ما بين البطريركية الأرثوكسية وشركة يهودية بفلسطين. الصفقة أبرمت تحديدا في القدس، وبموجب الصفقة استأجرت الشركة اليهودية من البطريركية مساحات من الأراضي لمدة 99 عاما، حيث أقيم على أراضي الكنيسة حي يهودي باسم "روش رحافيه".
ويدور الحديث عن اتفاقية الإيجار الموقعة بين شركة يهودية ودير "راطيسبون" لاستئجار أراضي الكنيسة لمدة 99 عاما، لبناء حي "روش رحفية" في القدس. وكانت الصفقة، التي سمحت ببناء الحي اليهودي، هي الأولى من صفقات الإيجار مع الكنائس، حيث من المتوقع أن ينتهي عقد الإيجار بحلول العام 2035.
عقد الإيجار لحي "روش رحفية" سينتهي بعد 18 عاما، ولكن يمكن أن يقال بالفعل أن هناك من توقع جيدا أزمة "أراضي الكنيسة".
في العقود التي انقضت منذ ذلك الحين، حسب ما أوردته صحيفة "هآرتس" في تقريرها المطول اليوم، الأحد، باعت الكنائس، معظمها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، أراضيها في القدس المحتلة للشركات الخاصة، بغالبيتها العظمى شركات يهودية واستيطانية، فالسكان الذين يعيشون بالبنايات القائمة على هذه الأراضي، وعددهم أكثر من ألف أسرة، يواجهون الآن معضلة: بيع شققهم بسعر أقل بعشر نقاط مئوية من سعر الشقق المماثلة التي لم تكن مبنية على أرض الكنيسة أو للعيش فيها حتى نهاية العقد ثم ترك دون أي اعتبار.
في أعقاب احتجاجات السكان، شكلت وزيرة القضاء، أيليت شاكيد، لجنة لدراسة القضية برئاسة النائب العام إريز كامينيتش، الذي سأل أيضا عن سبب موافقة دولة إسرائيل و"الصندوق الوطني اليهودي" على توقيع اتفاقات الإيجار هذه، وعما إذا كان بالإمكان شراء مسطحات الأراضي من الكنيسة.
في الآونة الأخيرة، وجد الدكتور مايكل تسور، من لجنة إنقاذ الإسكان في إسرائيل، وهي لجنة السكان الذين يقطنون في عمارات أقيمت على أراضي الكنيسة المستأجرة، بروتوكول اجتماع مجلس إدارة الصندوق الوطني اليهودي من العام 1951 بشأن أكبر صفقة وقعت مع الكنيسة اليونانية.
وبموجب البروتكول، يتضح أنه تم استئجار مئات الدونمات من أراضي الكنيسة في منطقة رحافية والطالبية ونايوت بالقدس. ويسلط البروتوكول الضوء على هذه الصفقة ومسألة ما إذا كان الموقعون على الاتفاق يفهمون تماما آثاره على السكان ومستقبل مدينة القدس.
وترجح الصحيفة أنه منذ بداية القرن العشرين، كانت قصة تطور ونمو وتوسع ما يسمى "القدس اليهودية" في الغرب مرتبطة بقصة الكنيسة اليونانية في المدينة. في الواقع، لو لم يتم إضعاف الكنيسة وتراجع مكانتها وسلطتها ونفوذها، فإن القدس بالجانب الغربي ربما لم تنمو بالسرعة التي نمت بها.
ولعل خلفية إضعاف الكنيسة كانت بسبب أحداث الحرب العالمية الأولى والثورة في روسيا، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة في الكنيسة اليونانية، التي هي أكبر وأقوى كنيسة في القدس. حتى الثورة الروسية كان الحجاج الروس والتبرعات من روسيا أهم مصدر للدخل للكنيسة.
كما كان للكنيسة مكانة فريدة في الإمبراطورية العثمانية وقادتها قريبون جدا من النظام. لكن الثورة البلشفية، التي أعقبها غزو القدس من قبل البريطانيين، ألحقت أضرارا بالغة بالبطريركية التي كانت على وشك الإفلاس.
وتحت ذريعة محاولة منع تعميق أزمة الكنيسة، مارست سلطات الاستعمار البريطاني الضغوطات على الكنيسة لبيع أراضيها. ولحسن الحظ بالنسبة للحركة الصهيونية، أصر البريطانيون على أن يتم البيع في مساحات واسعة وكتل كبيرة ومكلفة. إذ أن الحركة الصهيونية هي الهيئة الوحيدة القادرة على جمع الأموال لشراء مساحات كبيرة من الأراضي، حسب "هآرتس".
واستعرضت الصحيفة أبرز الصفقات ما بين الكنيسة والحركة الصهيونية والتي أتت عقب ضغوطات الاستعمار البريطاني، حيث كان أبرزها في عام 1921، حين باعت الكنيسة الأرض التي سيتم بناء مركز القدس، المثلث الشهير من الشوارع (يافا، بن يهودا والملك جورج)، والأحياء المحيطة بها.
في الثلاثينيات، وبعد الثورة العربية والتمرد على الاستعمار بفلسطين، امتنعت الكنيسة عن بيع المزيد من الأراضي لليهود، وفضلت تأجيرها حتى لا تكون محور النقد العربي، وهو حظر تم الحفاظ عليه حتى السنوات القليلة الماضية. ثم بدأت الكنيسة في بيع الأراضي وعدم الاكتفاء بتأجير وعقود الإيجار طويلة الأمد.
بعد نكبة فلسطين وإنشاء الدولة بالعام 1948، واجهت الحكومة الإسرائيلية مشكلة، حيث بقيت مساحات واسعة من الأراضي في غرب القدس، ومنطقة رحافية، والطالبية، ووادي الصليب، في أيدي اليونانيين، وبقيت إدارة الكنيسة وقادتها بالجانب الشرقي من الحدود في الأردن.
ووفقا الباحث في معهد القدس للدراسات السياسية، للدكتور أمنون رامون، استغلت إسرائيل هذا الوضع. وتلقى رجال الكنيسة رسائل مفادها أن الحكومة الإسرائيلية قد تصادر الأرض أو تمنع تحويل العملات الأجنبية إلى الأردن إذا لم تتوصل الكنيسة إلى اتفاق لبيع الأرض.
كان لإسرائيل وللبطريركية عدوا مشتركا في ذلك الوقت، خطة تدويل القدس، ووفقا لخطة التقسيم، كان من المفترض أن تكون المدينة تحت الحكم الدولي. فالبطريركية اليونانية أبدت خشيتها ومخاوفها أن يكون هذا النظام متحيزا لصالح الكنائس الغربية، ولا سيما منحازة لمنافستها التاريخية، الكنيسة الكاثوليكية. من ناحية أخرى، كانت إسرائيل تخشى أن يتم نقل ملف القدس الغربية إلى الأمم المتحدة، لذلك عملت إسرائيل والكنيسة على هذه الخطة، وسهل هذا التعاون التقارب بينهما.
ويظهر البروتوكول الذي عثر عليه تسور أن خصما آخر لبرنامج تدويل القدس، وهو الملك عبد الله الذي قتل قبل أقل من ثلاثة أشهر من جلسة الاستماع التي أوصت بأن تبيع الكنيسة الأراضي إلى إسرائيل.
وقال رئيس اللجنة، ابراهام جرانوت، في الاجتماع إن "أهالي الكنيسة زاروا عبد الله ونصحهم ببيعها". وعلى النقيض من الملك الأردني، فإن القنصل البريطاني في إسرائيل والأردن، وكذلك رئيس لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة، نصح البطريرك بعدم البيع.
وكان يعقوب هرتسوغ، الذي كان حاخاما وطبيبا، قد أجرى مفاوضات صعبة مع اليونانيين. وفي رسالة موجهة إلى، مدير شعبة أوروبا الغربية في وزارة الخارجية، غيرشون أفنير، اشتكى هرتسوغ من الصعوبات، قائلا: "اليوم انهيت مع هؤلاء، وباليوم التالي يقفزون، وهذا يخلق فراغ يتبعه دخول المزيد من المرشحين الجدد وهلم جرا، مرة أخرى مع الدوامة التقليدية المرتبطة بأي نهج لليونانيين".
في الحكومة الإسرائيلية اعتقدوا أنه من الممكن مصادرة الأراضي، ولكن وزارة الخارجية اعترضت وكذلك غرانوت أيضا أبدى تحفظات. وقال "من الممكن أن تثار مسألة تدويل القدس مرة أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة"، مضيفا "يجب أن نكون حذرين ونحرص على عدم إغضاب الكنيسة اليونانية والكنائس الأخرى".
وفي النهاية أعلن البطريرك أنه يوافق على تأجير الأرض لمدة 99 سنة مقابل 350 ليرة للدونم في السنة، بالقيمة الحالية، أي حوالي 34 ألف دولار سنويا للمجمع بأكمله، الذي يضم مئات من الدونمات.
المحامي أفراهام أفرمان، من شركة "إفرايم أبرامسون وشركاه"، الذي يمثل المشترين الجدد للأراضي البطريركية في حي "روش رحفية"، يدعي أن الثمن الذي دفعه الصندوق في الصفقة التاريخية كان جزءا صغيرا فقط من العائدات، وبالنسبة للبطريركية، كان الاعتبار الرئيسي هو الحصول على الأرض بعد مائة عام وعليها العقارات والعمارات.
والواقع أن الاتفاق الموقع لا يترك مجالا للشك فيما يتعلق بحالة الأصول في نهاية فترة الإيجار. وينص الاتفاق على أن لجنة صندوق الأراضي تعهد بإرجاع الأراضي مع المباني بحالة جيدة، دون رهون أو قروض أو ديون، ودون أن تدفع البطريركية أي مبالغ مقابل البنى القائمة أو البنية التحتية في المنطقة.
وفي النهاية، أجبرت الحكومة والصندوق الوطني اليهودي على الموافقة على بنود وشروط الاتفاق والعقد، ولكن ليس قبل إجراء محاولات لتغيير الشروط.
واقترح أحد المتحدثين، ويدعى كاستنباوم (كما ورد اسمه في البروتوكول) أن يدخل في بند عقد يسمح باقتناء ملكية كاملة للأرض في المستقبل. بيد أن البند لم يدرج، كما اقتراح رجل يدعى حازان الذي يتضمن شرطا يسمح للصندوق الوطني بشراء الأرض بسعر كامل لم يدرج أيضا.
واتفق متحدثون آخرون، بمن فيهم رئيس اللجنة غرانوت، على أنه لا يوجد ما يدعو للقلق لأن دولة إسرائيل يمكن أن تحل هذه المشكلة بعد 99 عاما، قائلا: "بعد مائة عام أو أكثر ستكون دولة إسرائيل قوية إلى حد ما، ولن يكون هناك قلق بشأن مصير الأرض المستأجرة".
بالمقابل، أشار اثنان من المتحدثين على الأقل إلى أن الاتفاق سيعزز مكانة الصندوق الوطني اليهودي داخليا بين اليهود، في بمرحلة مفصلية ووقت حرج يجب أن يجد فيه الصندوق مكانه فيما يتعلق بمؤسسات الدولة التي يتم تشكيلها.
موظفو مقر طاقم حملة النضال مقتنعون بأن بذور الأزمة دفنت في تلك الجلسة. "وقد علمت الكنيسة من هذه المناطق أنها يمكن أن الإيجار بتكلفة دون نقل أو التنازل عن الملكية، وعقب هذه الصفقة، أجريت صفقات ومعاملات إضافية لتأجير الأراضي في القدس وفي إسرائيل، لمبادرين ومستثمرين وشركات الإسكان، وليس من خلال الصندوق القومي للأراضي، وكتبوا للمحامي كامينيتس، "الصندوق لم يكمل عملية الاستحواذ على الملكية وكان مستأجرو الشقق أداة للدولة وللصندوق".
ويخالف الدكتور رامون مع الطرح والحجة القائلة بأنه كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق أفضل، قائلا إن "اتفاقات الإيجار في أوائل الخمسينيات كانت إنجازا سياسيا وعقاريا جيدا للدولة الشابة". مضيفا: "من ذروة السبعين عاما، ربما نسينا قليلا، ولكن في تلك الأيام الأسئلة كانت تطرح، ما هذه الدولة؟ "،"هل سوف تستمر؟" و "هل ستبقى القدس الغربية في يد إسرائيل؟"، وكانت هناك أسئلة كثيرة لم تكن واضحة تماما، وأوضح. "في هذا كله، كان من الضروري بناء العاصمة وتمكنوا من تحويل عقد الإيجار لمدة 99 عاما، وهذا إنجاز عظيم".
ويتفق مع هذا الطرح، المخمن والوسيط المتخصص في مسألة أراضي الكنيسة، كفير بير، الذي يقول إن "الكنائس واجهت مشكلة لاهوتية وسياسية في الاعتراف بدولة إسرائيل، حتى في عام 2000، عندما حاولت الدولة حل المشكلة، كان الحد الأقصى الذي يمكن الحصول عليه هو تمديد عقد الإيجار".
فمن الواضح أنه في حينه ووقته عقد الاستئجار كان إنجازا، كما يقول مصدر مقرب من البطريركية، ومن الواضح أنه على مر السنين كانت هناك حالات كثيرة تمكنت فيها الدولة من شراء الأراضي. وعدم شراء الأراضي كان ذلك بسبب إهمال الدولة.
ويؤكد رامون بطريقة أو بأخرى أن نشطاء مقر الحملة على حق في أنه لم يكن هناك صفقة من الصندوق القومي اليهودي/ الذي هو الذراع والجهاز التنفيذي للحكومة في هذه الصفقة، والمسؤولية عن الوضع الذي تم إنشاؤه هو في الواقع على الحكومة.
كما أيدت ودعمت إحدى قادة نضال المستأجرين، نافا بات تسور، هذا الموقف: "كان الإهمال، بأن القضية أصلا لم تكن على جدول أعمالهم، وكأنه لم يكن ضروريا المشكلة بعد 10 أو 20 عاما من الاتفاق".