الاستطلاع الشامل عن علاقات اليهود والعرب، والذي نشره مؤخرا المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ("شراكة محدودة الضمان 2017")، يظهر جوابان متناقضان ظاهرا في موضوع موقف الجمهور العربي من إسرائيل كدولة يهودية.
من جهة، 52 في المائة من المستطلعين يوافقون على أن "يمكن لإسرائيل أن تكون في نفس الوقت دولة يهودية تماما وكذا دولة ديمقراطية تماما". على افضل علمي، لا توجد حتى الان في أي استطلاع اغلبية في أوساط العرب لمثل هذا القول. صحيح أن الحديث يدور عن اغلبية قليلة، ومعقول أن خط الخمسين بالمائة تم تجاوزه بفضل الموقف الأكثر عطفا تجاه الدولة اليهودية من الدروز، الذين يتضمنهم الاستطلاع. ولكن، في كل الأحوال، توجد هنا موافقة مبدئية من قسم كبير جدا من الجمهور العربي على صيغة "الدولة اليهودية والديمقراطية"- الصيغة التي ترفضها قيادة هذا الجمهور كما هو معروف رفضا باتا.
غير أنه من جهة أخرى، الاستطلاع ذاته، يرفض 67 في المائة جملة "لإسرائيل حق في أن تعرف نفسها الدولة القومية للشعب اليهودي": 69 في المائة من المسلمين، 78 في المائة من المسيحيين و 53 في المائة من الدروز.
ظاهرا، يوجد تناقض بين هذين الجوابين: فمن هو مستعد لان يقبل، مبدئيا، الدولة اليهودية والديمقراطية، فلماذا سيعارض "الدولة القومية للشعب اليهودي" (تعبير نشأ في الأصل كي يشدد على ان الطابع اليهودي للدولة هو قومي وليس ديني)؟ يبدو أن التفسير المنطقي الوحيد للفرق بين الجوابين هو انه في الحالة الأولى الدولة اليهودية "مقدمة" مع الديمقراطية، كصفقة رزمة، فيما أنه يشدد على المبدئين بقدر متساو. قسم كبير جدا من المواطنين العرب مستعدون اليوم لقبول مثل هذه الصفقة الرزمة. اما في الحالة الثانية، فإن تعبير "الدولة القومية للشعب اليهودي" فيظهر وحده، دون الديمقراطية والمساواة المدنية، وهذا ما يرفضه اغلبية المواطنين العرب، بما في ذلك اغلبية الدروز.
معقول أن تكون الصيغة أحادية الجانب الفظة لـ "قانون القومية" الذي يبحث الان، والخلاف حوله، ساهما في تشخيص تعبير "الدولة القومية للشعب اليهودي"، مع فكرة الدولة اليهودية الحصرية، التي ترفض التعهد بالمساواة (المبادرون إلى القانون رفضوا كما هو معروف مطلب ادخال مبدأ المساواة المدنية إلى صيغة القانون) ويخفي الديمقراطية.
ان معارضة أغلبية الدروز لـ "الدولة القومية للشعب اليهودي" تفترض حسابا للنفس من جانب المبادرين إلى القانون، ومن جانب المجتمع اليهودي بأسره. فأحد لا يشكك في ان الدروز، بأغلبيتهم الساحقة، لهم موقف إيجابي من الدولة، وواضح انهم لا يتطلعون إلى تغيير راديكالي في طبيعتها. من السخف التفكير بانهم يرفضون حق الشعب اليهودي في وطنهم القومي. اذا كانوا يعارضون "الدولة القوية اليهودية"، فلهذا تفسير واحد فقط: فهم يرون في هذا التعبير تسويغا للتمييز العرقي والمس بمكانتهم كمواطنين إسرائيليين. هذه معارضة تعرب عن صلة بالدولة وليس اغترابا عنها.
ينبغي الافتراض بأن قسما هاما من العرب المسلمين والمسيحيين يعارضون هذا التعبير، او اصطلاح "دولة يهودية" لأسباب مشابهة، وان كان واضحا أن هناك من هم يرفضون بالفعل حق الشعب اليهودي في دولة، وصوتهم يسمع عاليا. في هذا الاستطلاع أيضا تظهر الفجوة المعروفة بين مواقف الجمهور العربي وبين خطاب الناطقين بلسانه. 48 في المائة (!) من المستطلعين يوافقون على أنه "من المهم ان تكون دولة إسرائيل قوية من ناحية أمنية" و 65 في المائة يقولون انهم يشعرون بالفخر حين تحظى دولة إسرائيل بإنجاز هام في مجالات مدنية. وحيال اشتباه محتمل في أن يكون المواطنون العرب يمتنعون عن التعبير بصراحة عن موقفهم في مسائل حساسة، يجدر بنا أن نتذكر بان الأغلبية الساحقة لا يمتنعون عن رفض الدولة القومية اليهودية بنفسها وبعظمتها.
اذا اقر قانون القومية في صيغته الحالية، فإن الدولة ستطلق رسالة اغتراب للكثير من المواطنين، الذين يحرصون على أمنهم ويتفاخرون بانجازاتهم. وضمن أمور أخرى من شأن القوميين اليهود ان يحققوا ما لم يحققه أي قومي عربي ولم ينجح في تحقيقه حتى الان: إثارة الدروز ضد الدولة اليهودية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف