- الكاتب/ة : نير حسون
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2018-01-16
"الادعاء أن 99 سنة هي فترة طويلة، ويجب عدم القلق مما سيحدث في حينه، ليس ادعاء صحيحا. علينا أن ننظر بعيدا"، كتب في كانون الثاني 1936 الصحافي اسرائيل شوخمان في صحيفة "دافار" الاسرائيلية. في حينه، قبل نحو 80 سنة، حذر شوخمان من صفقة التأجير التي وقعت بين شركة يهودية وبين دير راتسبون في حي رحافيا في القدس. الصفقة مكنت من اقامة عدد من المباني "رأس رحافيا" كانت الاولى من بين صفقات التأجير مع الكنيسة. مثلما هو الوضع في حالات اخرى كان الامر يتعلق بصفقة محدودة زمنيا – 99 سنة. بعد ذلك ترجع الارض الى اصحابها، الدير. "من خلال السعي الى ارباح سهلة سبب هؤلاء الاشخاص مشكلة عامة جدية"، كتب شوخمان، "يجب أن يوضح لهؤلاء الاشخاص الذين يأتون للتفاخر امام الجمهور بأعمالهم هذه، ما هي القيمة الحقيقية لهذا العمل وما هي الاخطار المترتبة عليه بالنسبة للجمهور".
الـ 99 سنة التي حددت لرحافيا في تلك الصفقة لم تنته بعد، هذا سيحدث 2035، لكن من الآن يمكن أن نقول إن شوخمان تنبأ جيدا بأزمة "اراضي الكنيسة"، في العقود التي مرت منذ أن باعت الكنائس – في الاساس الكنيسة اليونانية الارثوذكسية – اراضيها في القدس لشركات خاصة. السكان الذين يعيشون في هذه الاماكن، اكثر من الف عائلة، يقفون الآن امام معضلة: أن يبيعوا بيوتهم بأسعار منخفضة جدا عن اسعار بيوت مشابهة لم تبن على اراضي الكنيسة أو أن يسكنوا فيها الى حين انتهاء العقد، وعندها أن يتركوها دون أي مقابل. ما ظهر في يوم ما وكأنه صفقة لملكية على شقة الى الأبد يتبين الآن لسكان احياء وسط القدس كصفقة لها تاريخ انتهاء، صفقة تهز حياتهم. في اعقاب احتجاج السكان والسياسيين شكلت وزيرة العدل اييلت شكيد لجنة لفحص الموضوع برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة، ايرز كامنتس. طرح على اللجنة ايضا مسألة لماذا وافقت منذ البداية دولة اسرائيل والكيرن كييمت على التوقيع على اتفاقات تأجير كهذه التي كان من الواضح أنها ستعقد وضع العاصمة، وهل لم يكن بالامكان شراء الارض من الكنيسة. مؤخرا عثر د. ميخائيل تسور، من لجنة انقاذ مستأجري الشقق في اسرائيل – وهي لجنة السكان المستأجرين على اراضي الكنيسة – على بروتوكول لجلسة المجلس التنفيذي للكيرن كييمت لاسرائيل من عام 1951 يتعلق بالصفقة الاكبر التي وقعت مع الكنيسة اليونانية – تأجير مئات الدونمات في رحافيا، الطالبية ونيوت. المحضر يسلط الضور على هذه الصفقة وعلى مسألة هل الموقعون على الاتفاق فهموا تماما تداعياته على السكان وعلى القدس بعد عشرات السنين من ذلك الوقت.
منذ بداية القرن العشرين فإن قصة ازدهار القدس اليهودية الغربية مرتبط بقصة ضعف الكنيسة اليونانية في المدينة. فعليا لولا ضعف الكنيسة فإن من شبه المؤكد أن القدس الغربية لم تكن لتنمو بالسرعة التي نمت بها. الخلفية لضعفها هي احداث الحرب العالمية الاولى والثورة في روسيا التي في اعقابها حل بالكنيسة اليونانية، الكنيسة الاكبر والاقوى في القدس حتى ذلك الحين، ازمة اقتصادية شديدة. حتى الثورة كان الحجاج الروس والتبرعات من روسيا هي مصدر الدخل الاهم للكنيسة. كان لها مكانة خاصة في الامبراطورية العثمانية ورؤساؤها كانوا مقربين جدا من نظام الحكم. لكن الثورة البلشفية وبعدها احتلال القدس من قبل البريطانيين اصابت بالضرر الشديد البطريركية التي وصلت الى شفا الافلاس. من اجل منع ذلك ضغطت حكومة الانتداب على الكنيسة لبيع اراضيها، لحسن حظ الصهاينة، فإن البريطانيين صمموا على أن يتم البيع لكتل كبيرة وثمينة. الحركة الصهيونية كانت هي الجسم الوحيد الذي كان يمكنه تجنيد موارد لشراء تلك الاراضي الواسعة. هكذا، في 1921 باعت الكنيسة المناطق التي سيقام عليها مركز القدس – مثلث الشوارع المشهور (يافا، بن يهودا والملك جورج) والاحياء المحيطة به.
في الثلاثينيات وفي اعقاب الثورة العربية، امتنعت الكنيسة عن بيع مناطق اخرى لليهود وفضلت تأجيرها من اجل ألا تكون مركز للانتقاد العربي – وهو منع استمر حتى السنوات الاخيرة، عندها بدأت الكنيسة في بيع اراضي وعدم الاكتفاء بالتأجير لأمد طويل.
مشكلة المناطق
على الفور بعد اقامة الدولة في 1948 وقفت الحكومة امام مشكلة: اراض واسعة في غربي القدس، في منطقة رحافيا، الطالبية ووادي الصليب بقيت في أيدي اليونانيين، وادارة الكنيسة ورؤساؤها بقوا في الجانب الشرقي للحدود، في الاردن. حسب اقوال د. امنون رامون، الباحث في معهد القدس لابحاث السياسات، فان اسرائيل الفتية احسنت استغلال هذا الوضع. اليونانيون تلقوا رسائل أن الحكومة ستقوم بمصادرة الاراضي أو منع نقل عملة اجنبية الى الاردن اذا لم توافق الكنيسة على بيع الاراضي. لقد كان لاسرائيل والبطريركية في ذلك الوقت عدو مشترك – خطة تدويل القدس: حسب قرار التقسيم كان على المدينة أن تكون تحت حكم دولي.
البطريركية اليونانية خافت أن يكون هذا النظام منحازا الى الكنائس الغربية لا سيما الميل نحو عدوتها التاريخية، الكنيسة الكاثوليكية. في المقابل، اسرائيل خافت من أن تنتقل القدس الغربية من أيديها الى أيدي الامم المتحدة. لذلك، عملت اسرائيل والكنيسة ضد هذه الخطة، وهذا التعاون سهل التقارب تمهيدا لعقد صفقة بينهما.
من قام بدور رئيسي في المفاوضات كان يعقوب هرتسوغ، الأخ البكر لمن سيصبح رئيسا في المستقبل حاييم هرتسوغ، ومدير قسم الطوائف المسيحية في وزارة الاديان. هرتسوغ الذي كان حاخاما ودكتورا، اجرى مفاوضات صعبة مع اليونانيين. في رسالة لغرشون افنر، مدير قسم غرب اوروبا في وزارة الخارجية، تذمر من الصعوبات "اليوم تنهي معهم وغدا يطيرون من يدك، والفراغ الذي يتركونه يمتلئ بمرشحين جدد وتعود الى الدوران التقليدي المرتبط بكل علاقة باليونانيين". الرسالة تم اقتباسها في البحث الذي قام به رامون الذي كتب رسالة الدكتوراة الخاصة به في موضوع علاقة المسيحيين مع دولة اسرائيل.
في الحكومة كان من اعتقدوا أنه يمكن مصادرة الارض، لكن وزارة الخارجية عارضت ذلك، وكانت تحفظات لغرانوت ايضا. "يحتمل أن تتم اعادة طرح مسألة تدويل القدس في الجمعية العمومية للامم المتحدة القادمة"، قال. "يجب الحذر من اغضاب الكنيسة اليونانية وباقي الكنائس". في النهاية اعلن البطريرك أنه يوافق فقط على تأجير المنطقة لمدة 99 سنة مقابل مبلغ 350 ليرة مقابل الدونم سنويا (التي تساوي الآن 34 ألف دولار تقريبا في السنة عن كل المنطقة – مئات الدونمات). المحامي ابراهام ابرمان من مكتب افرايم افرامزون وشركاه الذي يمثل المشترين الجدد لاراضي البطريركية في رحافيا يدعي أن الثمن الذي دفعته الكيرن كييمت في الصفقة التاريخية كان فقط جزءا صغيرا من المقابل، لأنه في نظر البطريركية فان اساس المقابل هذا كان الحصول على الارض بعد مئة سنة مع المباني التي عليها. "هذا اتفاق يشبه اتفاق بي.أو.تي في مجال البنى التحتية"، قال ابرمان، "المقابل الاساسي منخفض والمقابل الاضافي هو الحصول على العقارات بعد مئة سنة حيث تكون مبنية وجاهزة".
وهكذا فإن الاتفاق الذي وقع لا يترك أي مجال للشك بخصوص وضع العقارات في نهاية فترة التأجير، كتب فيه أن الكيرن كييمت تتعهد بإرجاع المنطقة مع المباني التي عليها "بوضع جيد، دون أي ديون أو قروض... ولا يتم دفع أي مبلغ من جانب البطريركية مقابل تلك المباني أو البنى التحتية التي اقيمت على الارض". لذلك فقد اضطرت في النهاية الحكومة والكيرن كييمت على الموافقة، لكن ليس قبل ان يتم بذل محاولات لتغيير الشروط. أحد المتحدثين، السيد كاستن بويم (كما جاء اسمه في البروتوكول) اقترح أن يتم ادخال بند في الاتفاق يمكن من الحصول على الملكية الكاملة على الارض في المستقبل. لكن هذا البند لم يتم ادخاله الى الاتفاق. ايضا اقتراح شخص باسم حزان أن يتم ادخال بند يمكن الكيرن كييمت من شراء الارض بسعر كامل، لم يتم ادخاله. متحدثون آخرون من بينهم الرئيس غرانوت وافقوا على أنه لا يوجد ما يقلق، حيث إن دولة اسرائيل تستطيع حل هذه المسألة بعد 99 سنة. "بعد مئة سنة واكثر ستكون دولة اسرائيل قوية جدا ولا يوجد ما يقلق بشأن مصير الارض المؤجرة"، شرح الرئيس. على الاقل متحدثان اشارا بالايجاب الى حقيقة أن الصفقة ستعزز الكيرن كييمت تجاه الداخل، في فترة حاسمة يجب عليها أن تجد مكانها بالنسبة لمؤسسات الدولة الآخذة في التشكل.
الحكومة أو الكيرن كييمت
اعضاء قيادة النضال على قناعة أن بذور الازمة زرعت في تلك الجلسة. الكنيسة تعلمت من تلك العقود أنها تستطيع أن تؤجر بثمن اعطاء ملكية دون نقل الملكية: في اعقاب هذه الصفقة تم عقد صفقات اخرى لتأجير اراض في القدس وفي البلاد لرجال اعمال وشركات – ليس عن طريق الكيرن كييمت، هكذا كتبوا للمحامي كامنتس. "الكيرن كييمت لم تستكمل شراء الملكية ومن استأجروا الشقق كانوا أدوات في أيدي الدولة والكيرن كييمت".
د. رامون يختلف مع الادعاء أنه كان يمكن التوصل الى اتفاق افضل. حسب اقواله فإن اتفاقات التأجير في بداية الخمسينيات كانت انجازا سياسيا وعقاريا جيدا للدولة الفتية. "نحن ربما ننسى قليلا سنوات عمره السبعين، لكن في تلك الايام فإن مسائل "ما هي هذه الدولة؟ هل سيمكنها الصمود؟ وهل القدس الغربية ستبقى في أيدي اسرائيل؟ كانت اسئلة غير واضحة تماما"، شرح. "في كل هذا الامر كان يجب بناء عاصمة، وهم نجحوا في تمرير الاستئجار لـ 99 سنة، هذا انجاز كبير".
كوبي بير، مخمن ووسيط متخصص في مسألة اراضي الكنيسة، يوافق على هذه الاقوال. "كان للكنيسة مشكلة دينية وسياسية في الاعتراف بدولة اسرائيل"، شرح. "حتى في عام 2000 عندما استطاعت الدولة حل المشكلة فإن الحد الاعلى الذي كان يمكن التوصل اليه هو تمديد التأجير". من جهة، من الواضح أنه بالنسبة لوقته كان هذا انجازًا، قال مصدر مقرب من البطريركية. ومن جهة اخرى من الواضح أنه خلال السنين كانت هناك حالات كثيرة كان بإمكان الدولة فيها أن تشتري الاراضي ولكن كان هناك اهمال من جانبها.
مهما كان الامر، يؤكد رامون أن نشطاء قيادة النضال محقون بأن الامر لم يكن يتعلق بصفقة للكيرن كييمت. الكيرن كييمت كانت الذراع التنفيذية للحكومة في هذه الصفقة، والمسؤولية عن الوضع الذي نشأ تقع على الحكومة. يدعم هذا الموقف ايضا نافا بن تسور، من قادة كفاح المستأجرين: "الاهمال يتمثل في أنه لم يكن حل هذه المشكلة بعد عشر أو عشرين سنة من الاتفاق على جدول الاعمال".