- تصنيف المقال : دراسات
- تاريخ المقال : 2018-02-01
فتحي كليب
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ـ بيروت
تعتبر المساعدات المالية إحدى المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية التي تعتمد عليها في تعاطيها مع الدول الفقيرة في العالم. وقد برز ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل وبعد التصويت على مشروع قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس والتهديد العلني والصريح من مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن الولايات المتحدة ستقطع التمويل عن جميع الدول التي ستصوت ضد القرار، وهذا أيضا ما عبر عنه الرئيس الأميركي بتغريدته الشهيرة التي قال فيها«واشنطن تعطى الفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنويا ولا تنال أيتقدير أواحترام،هم لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها معإسرائيل».
ولم يكن قرار الإدارة الأميركية بتخفيض المساهمة الأميركية في موازنة وكالة الغوث وليد ساعته كرد فعل على رفض الشعب الفلسطيني والعالم لقرار الرئيس الأميركي وتوجيه صفعة قوية لإدارة ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبلها في مجلس الأمن، بل كان هذا الإجراء جزءاً من سياسة ممنهجة تسير عليها الخارجية الأميركية والبيت الأبيض اللذان كانا يختاران التوقيت المناسب للإعلان عنها. ويمكن رؤية هذا الاستنتاج في العديد من القوانين والقرارات التي سنها واتخذها الكونغرس الأميركي منذ العام 2013 وحتى اليوم أ حيث تم إقرار عدد من القوانين التي اتكأ عليها الرئيس الأميركي لتبرير سياسته وإجراءاته ضد الفلسطينيين.
- في العام 2012 أقر مجلس النواب الأميركي بالإجماع قانون «تعديل تمويل المساعدات الخارجية» بإلزام وزارة الخارجية بالإبلاغ عن عدد الذين يستحقون المساعدات من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدات من وكالة الغوث. وكان الهدف من هذا القانون هو خفض حجم المساعدة الأميركية للأونروا بذريعة عدم حيادية الوكالة وتحولها إلى منصة للتحريض على إسرائيل وعلى العنف ضدها..
- وفي العام 2016 أقر مجلس النواب الأميركي قانون«تايلور فورس» المتعلق بتقليص حجم المساعدات الأميركية إلى السلطة.
- وفي منتصف عام 2017 دعا رئيس وزراء العدو بشكل علني ولأول مرة منذ العام 1948 إلى حل وكالة الغوث وتحويل قضايا اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
- وقام نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (الإسرائيلي) بالتعاون مع المندوبة الأميركية بإفشال مساعي الأمين العام لإدراج قضية «التمويل المستدام لموازنة وكالة الغوث» على جدول أعمال الدورة (72) للجمعية العامة.
يشكل استهداف وكالة الغوث في إطار مشروع سياسي مروحة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة تتوزع على قضايا كثيرة يقع في مقدمتها: القدس، حق العودة من زاوية وكالة الغوث، الاستيطان، والحدود وباقي القضايا المعروفة باسم «قضايا الوضع الدائم» ،بهدف رسم واقع جديد يجبر الشعب الفلسطيني على تقديم تنازلات تؤدي إلى فتح الآفاق لتسوية تضمن المصالح الإسرائيلية.
قنوات «الدعم» الأميركي
ويمكن تقسيم قنوات الدعم المالي الأميركي المقدمة إلى الشعب الفلسطيني إلى ثلاثة فئات:
* الأولى: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي تأسست وفقا لقانون أقره الكونغرس عام 1961 وعرف باسم «قانون المساعدات الخارجية لعام 1961». وتعتبر هذه الوكالة الذراع المالي الذي تمارس من خلالها وزارة الخارجية ضغوطها على العديد من دول العالم خاصة وإنها تقدم مساعدات لعشرات الدول ومنظمات المجتمع المدني، وهي تخضع لإشراف مباشر من الرئيس ومن وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي وتعمل على تنفيذ برامجها وفقا لسياسات وتوجهات وزارة الخارجية.
* الثانية:الدعم الذي يقدم للنظام السياسي للسلطة الفلسطينية تحت عناوين «الدعم الاقتصادي للقانون والنظام». قسم بسيط من هذه المساعدات يدخل خزينة السلطة والباقي يتم إنفاقه على تطوير برامج لها علاقة بالأمن والقانون و«مكافحة الإرهاب» وبرامج التدريب والنفقات الإدارية واللوجستية لقوات أمن السلطة الفلسطينية والشرطة، وتدريب القضاء والمحامين. وغير ذلك من البرامج المحددة في القانون الأميركي للمساعدات الخارجية. وقد بلغت موازنة هذه الفئة في العام (2016) وفقا لما ذكرته القنصلية الأميركية في القدس (55) مليون دولار.([1])
* الفئة الثالثة : موازنة الأونروا بأقسامها الثلاثة: الصندوق العام، المشاريع والطوارئ.
ووفقا للقنصلية الأميركية في القدس، فإن الولايات المتحدة قدمت للفلسطينيين منذ العام 1994 مساعدات بأكثر من(5.2) مليار دولار، شملت مجالات «الديمقراطية والحكم، التعليم، الصحة، المشاريع الخاصة، المساعدة الأمنية، المياه والصرف الصحي والبنية التحتية».وقدمت هذه الأموال من خلال (6) قنوات هي: الوكالة الأميركية للتنمية الدولية(USAID)، وكالة الغوث، المساعداتالأمنية، مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط، السياسة العامة وتدمير الأسلحةالتقليدية. وخلال العام 2016 قدمت الولايات المتحدة ما قيمته (290) مليوندولار (بشكل مباشر دون ان تدخل خزينة السلطة) من خلال وكالة USAID توزعت على الشكل التالي:([2])
المساعدات العامة
-الدعم غير المباشر لتخفيف الديون: (75) مليون دولار.
-المساعدات الإنسانية في غزة، المياه: (71) مليون دولار.
-إمدادات المياه والصرف الصحي: (41) مليون دولار.
-النمو الاقتصادي، والطاقة، وتنمية القطاع الخاص: (31) مليون دولار.
-البنية التحتية، الطرق، البنية التحتية المجتمعية: (31) مليون دولار.
-التعليم والشباب: (25) مليون دولار.
-الديمقراطية والحكم: (12) مليون دولار.
-الصحة :(4.5) مليون دولار.
موازنة الأونروا 2017: تم تقديم (335) مليون دولار بما فيها (95) مليون دولار لنداءالاستغاثة الطارىء للضفة الغربية وقطاع غزة. وقد بلغت قيمته (402) مليون دولار.
الأمن والعدل: منذ العام 2007 تم تقديم (858) مليون دولار، بما فيها (200) مليون دولار لمشاريع البنى التحتية فيقطاعي الأمن والعدل. وفي العام 2016 تم تقديم (54) مليون دولار.
مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط:تم تخصيص نحو (8.7) ملايين دولار لدعم برامج محددة في الضفةالغربية وقطاع غزة في العام 2016.
الدبلوماسية العامة: وفي قطاع الدبلوماسية العامة تم تخصيص (2) مليون دولار لدعم التعليم والمجتمع المدني وتمكين المرأة عام 2016وأيضا (2) مليون لبرنامج الإنجليزية في المناهج الدراسية.
تدمير الأسلحة التقليدية: تم استثمار أكثر من (4) ملايين دولار منذ عام 2011 لدعم برامج تتعلق بإزالة الألغام في الضفة الغربية، بما في ذلك مليون دولار في السنةالمالية 2016. ويشمل ذلك البحث عن وإزالة ألغام من مخلفات الحروب السابقة.
غير أن المساعدات الأميركية المقدمة إلى السلطة الفلسطينية شهدت خلال العام الأول من عهد الرئيس ترامب تراجعا كبيرا ووصلت إلى أدنى مستوياتها منذآخر 10 سنوات. ووفقا لـ (USAID) ولمعطيات وزارة الخارجية الأميركية، فإن ما قدم لإسرائيل خلال عامين، يعادلما قدم إلى السلطة الفلسطينية طيلة 23 عاما.إذ أن قيمة هذه المساعدات للسلطةالفلسطينية منذ التوقيع على اتفاق أوسلو بلغت (8) مليارات دولار، فيما وصلت قيمة المساعدات المقدمة لإسرائيل خلال العامين الأخيرين (8) مليارات دولار. مقارنة مع (130) مليار دولار هي إجمالي المعونات الاقتصاديةالأميركية المقدمة إلى إسرائيل منذ عام 1949. زد عليها تعهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بتقديم مساعدات عسكرية إلى إسرائيلبقيمة 38 مليار دولار، خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 و 2028 . ([3])
وقد صدّق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون قضى بتخفيض قيمة المساعدات التي تقدم للسلطة الفلسطينية سنوياً حيث لم تزد هذه المساعدة في العام 2016 عن (85) مليون دولار بالمقارنة مع لاشيء عام (2015) و (110) مليون دولار عام (2014) و (365) مليون في العام (2013).([4])
2017
|
2016
|
2015
|
2014
|
2013
|
2012
|
2011
|
2010
|
2009
|
2008
|
350
|
300
|
380
|
450
|
440
|
513
|
550
|
502
|
980
|
414
|
العام
|
قيمة المبلغ
|
2007
|
86
|
2008
|
75
|
2009
|
131
|
2010
|
100
|
2011-2017
|
58
|
أما بشأن المساهمات الأميركية في الموازنة العامة لوكالة الغوث فلا بد من التعرف على أبواب الموازنة العامة للوكالة التي تتوزع على ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: الموازنة العادية المخصصة لتمويل الأنشطة العادية للأونروا وهي قضايا: التعليم، الصحة والخدمات الاجتماعية والإغاثة، وهو ما يطلق عليه عادة إصطلاحا «موازنة الصندوق العام» أو «الموازنة العادية».
الجزء الثاني : موازنة المشاريع الخاصة بأعمال البنية التحتية وإنشاء المدارس والمراكز والعيادات الصحية وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي. و هذه الموازنة منفصلة عن موازنة الصندوق العام.
الجزء الثالث : موازنة نداءات الطوارىء، وهي لم تكن موجودة عند تأسيس الأونروا، لكنها استجدت بفعل تطور الأحداث، كالحروب وتداعياتها. وبدورها تتوزع هذه الموازنة على ثلاثة أقسام: توزيع المساعدات الغذائية، بناء المنازل المدمرة كلياً أو جزئياً، وخلق فرص عمل.
هذه الأجزاء الثلاثة تشكل مجتمعة الموازنة الإجمالية لوكالة الغوث التي بلغت أرقامها لعام (2017) حوالي (1.5) مليار دولار أميركي منها (760) مليار دولار لموازنة الصندوق العام والباقي موزع على موازنتي المشاريع والطوارىء([7])
وتتوزع موازنة الطوارئ بدورها على أربعة اقسام هي: برنامج المساكن في قطاع غزه، إعمار مخيم نهر البارد، نداء الطوارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة والنداء الطارئ لتداعيات الأزمة السورية.
ووفقا لأرقام وزعتها القنصلية الأميركية في القدس، بلغت مساهمات الولايات المتحدة في الموازنة الإجمالية لوكالة الغوث لعام (2017) نحو (365) منها (130) مليون ذهبت لموازنة الصندوق العام والمبلغ المتبقي (235) مليون وزع على قسمي الموازنة.. مقارنة مع (319) مليون دولار عام (2016) و (380) مليون عام (2015) و (408) في العام (2014).([8])
%
|
2017
|
2016
|
2015
|
الجهة المانحة
|
27.4
|
130,000
|
130,000
|
130,000
|
الولايات المتحدة
|
18.7
|
89,000
|
89,000
|
89,325
|
الاتحاد الأوروبي
|
9.5
|
45,000
|
45,000
|
45,090
|
المملكة المتحدة
|
7.6
|
36,000
|
36,000
|
35,859
|
السويد
|
5.2
|
25,000
|
25,000
|
24,822
|
اليابان
|
30.4
|
144,250
|
143,750
|
177,188
|
دول أخرى
|
1.2
|
5,800
|
5,800
|
5,800
|
دول عربية
|
100
|
475,050
|
474,550
|
508,084
|
المجموع
|
قيمة المساهمة المالية الأميركية
الموازنة الإجمالية
|
1.5 مليار
|
الموازنة العادية
|
760
|
المساهمة الأميركية/ الموازنة العادية
|
130
|
المساهمة الأميركية الإجمالية
|
365
|
النسبة المئوية / الموازنة العادية
|
17 %
|
النسبة المئوية مقارنة مع الإجمالي
|
24.3 %
|
جدول يبين مساهمة الولايات المتحدة في موازنة وكالة الغوث
|
العام 2015
|
2016
|
2017
|
الموازنة العامة
|
744
|
718
|
760
|
الصندوق العام
|
130
|
130
|
130
|
المشاريع والطوارئ
|
250
|
189
|
265
|
يبين الجدول أن نسبة مساهمة الولايات المتحدة في الصندوق العام لا تزيد عن 17 بالمائة من موازنة عام 2017 البالغة (760) مليون دولار ولا تزيد عن 25 بالمائة من الموازنة الإجمالية، وأن التهديد الأميركي يستهدف موازنة الصندوق العام أي خدمات التعليم والصحة والإغاثة. وهنا تبرز خطورة وتداعيات القرار الأميركي الذي من شأنه زيادة نسبة العجز في موازنة الصندوق العام التي كانت تترواح قبل القرار الأميركي بين 48 و 49 مليون دولار، فيما العجز اليوم يزيد عن (179) مليون دولار إذا تم قطع المبلغ بأكمله، وبالتالي يتحول لعجز مركب. وهناك فارق بين عجز سنوي هو عبارة عن زيادة في النفقات وتخلف في الإيرادات ويمكن احتواءه في سنوات لاحقه، وبين عجز مركب لا يمكن بالتالي لأية تدابير تقشفية أن تسد ولو قسما بسيطا منه طالما أنه أصبح جزءاً عضوياً من الموازنة العامة.
وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة لن تقدم مساعدات غذائية قيمتها 45([12]) مليون دولار كانت تعهدت بتقديمها لوكالة الغوث في وقت سابق، فى إطار برنامج النداء الطارئ للأراضى الفلسطينية المحتلة. وهذا المبلغ يضاف إلى مبلغ آخر كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت أنها ستعلقه بقيمة (130) ثم (65) مليون دولار، لتصبح القيمة الإجمالية للمبلغ المقتطع نحو 110 ملايين دولار. ومن المتوقع أن تكون هناك اقتطاعات أخرى من برامج نداءات الطوارئ المخصصة لقطاع غزه ومخيمات سوريا ومخيم نهر البارد، أي أن هناك جريمة جماعية تنوي الولايات المتحدة ارتكابها بحق اللاجئين الفلسطينيين،وهو عقاب جماعي تتحمل تداعياته الولايات المتحدة بشخص رئيسها ووزير خارجيتها ومندوبتها في الأمم المتحدة نيكي هايلي والمندوب الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين الذين حرضوا وما زالوا يحرضون ضد وكالة الغوث والوظيفة الاجتماعية والإغاثية التي تقوم بها.
إن الولايات المتحدة تعتمد أسلوب التخفيض الممنهج بشكل تدريجي وهي حكما تضع برنامجا وقائمة بالقطاعات التي تنوي استهدافها بحيث يمكن القول الآن بأن ما كان يعلن سابقا من قبل اللاجئين أن هناك استهداف مباشر لوكالة الغوث أصبح اليوم حقيقة أمام الجميع تترجمها سياسة الابتزاز المالي من قبل الولايات المتحدة التي تشترط الموافقة المسبقة على مشاريعها التصفوية للقضية الفلسطينية وإلا فحرب التجويع والتجهيل بانتظار اللاجئين الفلسطينيين.
إن وكالة الغوث في تعاملها مع مشاكل العجز المالي عادة ما تلجأ إلى الخيارات الأسهل وهي تخفيض الخدمات التي تمس حقوق اللاجئين. بينما المطلوب هو ضرورة تحلي مسؤولي الأونروا بالشجاعة في معالجتهم للأزمة المالية ورفض سياسات الإملاء التي تسعى الإدارة الأميركية إلى فرضها على الوكالة ، عبر معالجات جدية وجذرية لهذه المشكلة ومن خلال ثلاثة خطوط متوازية: الأول حث المجتمع الدولي والدول المانحة بخاصة إلى زيادة مساهماتها المالية بما يسد ثغرة تقليص الولايات المتحدة لمساهماتها والثاني إعادة بحث مسألة التمويل المستدام لموازنة الأونروا بتخصيص موازنة ثابتة من موازنة الأمم المتحدة.. والثالث دعوة الدول العربية والإسلامية إلى زيادة مساهماتها المالية في صندوقي المشاريع ونداءات الطوارئ المختلفة، إضافة إلى ضرورة ترشيد النفقات وصرف الأموال في المكان الصحيح في إطار سياسة واضحة شفافة ومعلنة لمحاربة الفساد والمفسدين بما يوفر ملايين الدولارات التي يمكن أن تستخدم في صالح اللاجئين.
هوامش:
[6] ) وكالة وطن للأنباء 4/1/2018.
[7]) موقع مباشر السعودي الاقتصادي.
[11]) استنادا إلى نشرات غير رسمية صادرة عن وكالة الغوث ، مصدر سابق.
[12]) المركز الفلسطيني للإعلام.