- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-02-08
استجابت اللجنة التنفيذية، ورئيسها، لضغوط الشارع الفلسطيني، وقواه الوطنية والديمقراطية، وتخلت عن «حل الدولتين» الأميركي، وأعادت تمسكها بحق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 67، وحق اللاجئين بالعودة بموجب القرار 194. وهذه الخطوة، تفترض الإنفكاك عن الحل الأميركي، وعن متطلباته.
بالمقابل لهذه الخطوة متطلباتها والتزاماتها. فهي ليست استبدال عبارة بعبارة أخرى، بل استبدال استراتيجية وبرنامج، بإستراتيجية وبرنامج بديلين، هما الاستراتيجية الوطنية التي تقوم على إنجاز البرنامج الوطني كما أقرته الهيئات الوطنية الفلسطينية، وشكل عنواناً لوحدة القوى السياسية الفلسطينية، كما ورد (على سبيل المثال) في وثيقة الوفاق الوطني (2006)، وكما ورد أيضاً في بيان القاهرة في 22/11/2017.
وبالتالي هذا البرنامج هو عنوان لوحدة الشعب وقواه السياسية، ووحدة حقوقه، ووحدته النضالية في أماكن تواجده كافة.
أما صياغة هذه الوحدة، فليست قضية شعاراتية بل هي عملية سياسية كفاحية من الطراز الأول. تفترض إجراء التحولات المطلوبة، في سياسة القيادة الرسمية وفي سياسات السلطة الفلسطينية، إن على الصعيد الوطني، أو على الصعيد البرنامجي.
«حل الدولتين» الأميركي، الذي راهنت عليه القيادة الرسمية الفلسطينية منذ أن أطلقه بوش الابن عام 2001، وتبنته خطة خارطة الطريق عام 2003، يقوم على استراتيجية تعتمد المفاوضات الثنائية خياراً وحيداً، وتحت الرعاية المنفردة للولايات المتحدة، في سبيل الوصول إلى «دولتين» [دولة فلسطينية وطناً قومياً للفلسطينيين ودولة إسرائيل وطناً قومياً لما يسمى بالشعب اليهودي]، يفترض أنهما ستعيشان بسلام جنباً إلى جنب، مع إسقاط حق العودة، وحل ملتبس لقضية القدس، والتزامات أمنية، وتبعية اقتصادية، تلغي علامات سيادة الدولة الفلسطينية على شعبها وعلى أرضها، بموجب سلسلة قيود، تفرض عليها، بدعوى ضمان أمن وسلامة إسرائيل.
* * *
الآن عدنا إلى الكلام الواضح والصريح، كما نص عليه البرنامج الوطني الفلسطيني. وهذا يفترض استعادة وحدة الشعب، كما أسلفنا، ووحدة قواه السياسية لضمان وحدة حقوقه ومصيره ومستقبله.
والوحدة لا تتمثل فقط ببناء المؤسسات الوطنية على أسس ائتلافية، تشارك فيها كل القوى دون استثناء. فأحد الأسس الكبرى للوحدة الوطنية، على مستوى المؤسسات الوطنية، هي تكريس مبدأ التشاركية، في ظل شعار بات مقدساً أطلقته الجبهة الديمقراطية «شركاء في الدم.. شركاء في القرار».
والتشاركية، هنا، لا نعني بها تقاسم السلطة، وتوزعها على القوى السياسية. هذه هي سياسة تقاسم السلطة، تقوم على مبدأ التفرد، ولكن بدلاً من أن يكون التفرد لطرف واحد، يكون لطرفين أو أكثر.
التشاركية تعني أولاً رسم القرار السياسي، ورسم آليات تطبيقه، ورسم آليات صون نتائجه، أي بتعبير آخر، رسم الآليات الكفاحية للشعب الفلسطيني، واحترام هذه القرارات، والآليات والعمل بموجبها، حتى لا تتكرر تجارب الحالة الفلسطينية مع قرارات المجلس المركزي في 5/3/2015 وحتى لا يكون مصير قرارات 15/1/2018، هو نفس مصيرها أي ركنها على الرف عبر إحالتها إلى لجان الدراسة والتخطيط، وهي لجان لا تدرس ولا تخطط، وإن درست أو خططت فلا يؤخذ لا بنتائج دراستها ولا يؤخذ بخططها، في ظل سياسة تهميش الهيئات والمؤسسات وتغييبها، لصالح سلطة الفرد وسلطة المطبخ.
هذا مدخل لا بد منه لضمان أن تأخذ الأمور منحاها السليم في ظل البرنامج الوطني. إذ ليست هي المرة الأولى التي تعيد فيها مواقف الإجماع الوطني الاعتبار للبرنامج الوطني (حصل هذا عام 2006، وتكرر في القاهرة في 22/11/2017) دون أن يتم احترام هذه المواقف وما أنتجته من قرارات وما تبنته من برامج.
* * *
التراجع عن «حل الدولتين» الأميركي لصالح البرنامج الوطني، يفترض أولاً وقبل كل شيء فك الارتباط بشكل كامل باتفاق أوسلو. والتوقف عن الرهان على بعض الهوامش، التي بإمكانها أن تسمح لبعض الفئات بالتسلل مرة أخرى إلى بعض صيغ أوسلو بطرق ملتوية.
فلا رابط البتة بين البرنامج الوطني وبين إتفاق أوسلو، بل هما على نقيض تام.
والتراجع عن «حل الدولتين» الأميركي لصالح البرنامج الوطني معناه إعادة الاعتبار إلى الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني، بإعتبارها حركة تحرر وطني ضد الاحتلال والاستيطان، ومن أجل الحقوق الوطنية والقومية، وبالتالي الإنتقال، بالوعي والممارسة من الإدعاء بالشراكة مع إسرائيل، إلى الإعتراف بأننا شعب وسلطة تحت الإحتلال، تمارس ضده كل أشكال العدوان، وترتكب بحقه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. بكل ما يفرضه هذا الأمر من مفاهيم وشعارات وآليات وأساليب نضالية، في الميادين المختلفة. وبالتالي الإبتعاد عن وهم أننا «نفاوض بيد، ونبني السلطة بيد أخرى». فباعتراف أصحاب السلطة أنفسهم، تحولت السلطة إلى وكيل للإحتلال، مقيدة سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، وليست مشروعاً، ولا نواه، لبناء الدولة المستقلة كاملة السيادة. الأمر الذي يفترض إعادة صياغة هيكل السلطة ووظائفها، وأهداف وجودها. وهناك فارق كبير بين أن تكون «سلطة» مقيدة باتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وبين أن تكون سلطة حركة تحرر وطني في مقاومة الاحتلال وبناء أسس قيام دولة الاستقلال. ولا نعتقد أن إعادة هيكلة السلطة ووظائفها وآليات عملها، مسألة إدارية بل هي مسألة سياسية وكفاحية من الطراز الأول، تفرض إعادة رسم برنامجها السياسي، ليخدم البرنامج السياسي الوطني العام، وإعادة رسم برنامجها الاجتماعي، ليصبح في خدمة أوسع الشرائح الاجتماعية الفلسطينية المنخرطة في العملية الكفاحية، بعد أن تحولت إلى أداة بيد الطبقة البيروقراطية المتنفذة والمتحكمة بالقرار السياسي، مدت شراكتها نحو فئة من رجال المال والأعمال، على حساب شراكتها الوطنية مع الشعب وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية.
إستعادة موقع حركة التحرر تفترض كذلك تعبئة طاقات الشعب الفلسطيني كله، باعتبارها شعباً واحداً، صاحب قضية واحدة، وصاحب حقوق وطنية وقومية موحدة، ويخوض النضال، وبأساليب مختلفة، ضد عدو واحد، هو المشروع الصهيوني، بتجلياته المختلفة، في الـ 48، والقدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة ومناطق اللجوء والشتات.
وبالتالي، وكما رفع الفلسطينيون العرب داخل إسرائيل، يوم 30/3/1976 (الذي تحول يوماً وطنياً للأرض الفلسطينية) شعارهم م.ت.ف هي ممثلهم الشرعي الوحيد، يفترض بالمنظمة أن تستعيد هذا الموقع، برنامجياً ونضالياً، ليستعيد كل الشعب الفلسطيني هذا الشعار، بغض النظر عن مكان إقامته، وظروفه النضالية، مع الإدراك التام أن البرنامج الوطني الفلسطيني، في صيغته الأصيلة، قدم نفسه باعتباره برنامجاً لكل الشعب، وتحت سقفه توحّد الشعب الفلسطيني بعد طول تشتت وتمزق.
وبالتالي فك الارتباط باتفاق أوسلو، والتراجع عن «حل الدولتين» الأميركي، وإعادة الإعتبار للبرنامج الوطني، يفترض إعادة الاعتبار للمؤسسة الفلسطينية أي م.ت.ف، ممثلاً شرعياً وحيداً لكل الشعب الفلسطيني بما يمليه هذا الأمر من إعادة صياغة العلاقة الكفاحية مع الفلسطينيين داخل الكيان الإسرائيلي الى جانب إعادة الاعتبار لحق اللاجئين في العودة، بكل ما يعنيه هذا الأمر من فك ارتباط مع كل الحلول والمشاريع والمبادرات البديلة لهذا الحق.
المعركة الوطنية بعد قرارات المركزي في 15/1/2018 تتجاوز مسألة فك الإرتباط بأوسلو والتزاماته، نحو فك الارتباط، كاملاً بإستراتيجية سياسية أعلنت فشلها، على يد «صفقة القرن»، ولصالح العودة الى البرنامج الكفاحي الفلسطيني، برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال، أي برنامج كل الشعب الفلسطيني.