"انتهت إسرائيل، على الأقل بنسختها العلمانية التي أسرت ذات يوم مخيالَ العالم".. هكذا صرح رئيس تحرير صحيفة هآرتس، ألوف بن، في مقالة مطوّلة نشرها في مجلة فورين أفيرز الأميركية، في يونيو/ حزيران 2016، تحت عنوان "نهاية إسرائيل القديمة؛ كيف غيّر نتنياهو وجه الأمة".
وفي قراءته، مع أن إسرائيل "كانت فانتازيا خيالية على الدوام من عدّة جوانب، إلا إن الأسطورة تأسست إلى حدّ ما على واقع". تبدّل هذا الواقع اليوم، واختلف البلد الموجود حاليًا جذريًا عن ذلك الذي "حلم" به المؤسسون قبل نحو سبعين عامًا. ومنذ الانتخابات العامة الأخيرة، في آذار/ مارس 2015، تسارع زخم عدد من النزعات والاتجاهات البطيئة بشكل دراماتيكي. وإذا استمرت، فسوف تغير طبيعة البلد في وقت قريب، إلى درجة يتعذّر معها التعرّف عليه.
ولفت بن إلى أنه على المستوى الداخليّ، يرى قادة إسرائيل الحاليون، بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي تحوّل بعد الانتخابات من سياسيّ محافظ إلى يميني متطرّف، أن الديمقراطية مرادفةٌ لحكم الأغلبية المُتحرّر من أي رقابة. ولذا، باتوا لا يطيقون صبرًا على الكوابح والضوابط والقيود، مثل المُراجعة القضائية، أو حماية الأقليات، حيث إن إسرائيل، برأيهم، دولة يهودية أولًا، وديمقراطية ثانيًا. ويجب ألا يتمتع بالحقوق الكاملة سوى اليهود، بينما يجب التعامل مع الغوييم (الأغيار) بحذر، والنظر إليهم بعين الشك.
وعلى الرغم من تطرّف هذا الاعتقاد وغلوائه، إلا إنه واسع الانتشار الآن، حيث وجد استطلاع للرأي العام نشره "معهد بيو" الأميركي في آذار/ مارس 2016 أن نحو 80% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون مبدأ "المعاملة التفضيلية" لليهود، وهو تعبير مغلف بغلالة رقيقة من التمييز العنصري والديني ضد الآخر غير اليهودي.
يقود هذا التغيير بأعلى صوت ثلاثة وزراء في الحكومة الحالية: ميري ريغف وزيرة الثقافة (الليكود)، ونفتالي بينت وزير التربية والتعليم ورئيس "البيت اليهودي"، وهو حزب ديني صهيوني أنشأه من رماد الحزب الديني الوطني القديم، وأييلت شاكيد، صديقة بينت المقربة منه زمنًا طويلًا، ووزيرة العدل الآن.
ولا بُدّ من إضافة أنه، قبل أقل من أسبوع، أتمّت الأخيرة عملية تغيير وجه المحكمة العليا من خلال اختيار مزيد من القضاة، سيعملون أكثر فأكثر على إخراس إسرائيليين يعارضون الاحتلال، والعنصرية، والتمييز بحق الأقليات، ويقفون ضد الفساد المستشري. وهؤلاء المُعارضون جميعًا عُرضةٌ، في الآونة الأخيرة، لحملات محاصرة ونزع شرعية عنهم، في إطار حرب شرسة تخوضها أحزاب اليمين الحاكمة ضد كل مَن يستأنف على سياساتها، في شتى المجالات.
أمّا بينت فلا يتوقف عن فتح جبهات صدامية جديدة متتالية ضد كل ما لا يروق له ولا يتساوق مع توجهاته الأيديولوجية والسياسية والدينية في عمل وزارة التربية والتعليم، من دون الإحجام عن استخدام إكراه عنفي، في فرض أجنداته على الوزارة ومجالات عملها المتعددة، وعلى جهاز التعليم عامة، بما يعنيه هذا من فرض تلك الأجندات على ملايين الطلاب، حاضرًا ومستقبلًا.
ويبدو واضحًا تمامًا أن بينت هو الوزير الأبرز في الحكومة، من حيث دأبه المحموم على فرض أجنداته المُعدّة سلفًا على وزارةٍ حارب من أجل إسنادها إليه، ما يعني أنه جاء إليها وهو يحمل أجندات واضحة للفرض والتطبيق!
ووفقًا لدراسةٍ نُشرت حديثًا، ينطلق تدريس موضوع التاريخ في المدارس الإسرائيلية من نقطة تجاهل وجود عالم، أو تاريخ عام، ويتمحور حول "تاريخ شعب إسرائيل" فقط، كما توضح أسئلة آخر نموذج لامتحان التاريخ لخريجي مدارس الثانوية العامة، أجري عام 2018 الحالي. وهذا لا ينسحب على التاريخ المعاصر فحسب، بل أيضًا على تاريخ القرون الوسطى.
وبينما كان تدريس التاريخ، في الماضي، يتم من خلال مساقين للتاريخ العام ولـ"تاريخ شعب إسرائيل والحركة الصهيونية"، فقد استحال المساقان الآن إلى مساقٍ واحد، كما لو أن الثاني يختزل الأول، أو أن الأخير عديم القيمة من دون الآخر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف