«ما هو الخطاب السياسي الذي تتوجهون به إلى العالم. هل هو قرارات المركزي الفلسطيني الأخير، التي أعدتم بها التأكيد على قرارات دورته السابقة، مع إضافات معينة تتعلق بالإعتراف بإسرائيل، أم أنه خطاب رئيس السلطة الفلسطينية الذي حمل إلى مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018 مبادرة لإستئناف المفاوضات، وفقاً لجدول أعمال مفاوضات قضايا الحل الدائم كما نص عليها اتفاق أوسلو؟ وهل مازلتم مع اتفاق أوسلو أم أنكم خرجتم منه؟»
بهذه الأسئلة بدأ أحد الدبلوماسيين العرب حواره مع أحد أعضاء اللجنة التنفيذية محاولاً الاستفسار منه حول حقيقة ما يدور في الحالة الفلسطينية من تطورات، تبدو في بعض جوانبها عصية على الفهم، نظراً للتباينات الكبيرة ما بين ما قرره المجلس المركزي، وتلا قراراته رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، وبين ما تتحدث عنه وسائط إعلام السلطة ومبعوثوها إلى العواصم الغربية، وما تحدث به رئيس السلطة في بروكسل، وموسكو وباريس وغيرها من عواصم القرار في العالم.
الدبلوماسي العربي لاحظ أن رئيس السلطة الفلسطينية لم يطلع مجلس الأمن الدولي على قرارات المجلس المركزي، وبدا وكأنه يتعمد إخفاءها، إما لأنه لا يعتمدها في سياسته، وإما لأنها تتعارض مع «مبادرته» لاستئناف المفاوضات. وفي «الحالتين – والسؤال للدبلوماسي العربي – ما هو نفع هذه القرارات وكيف تنظرون إليها إذا ما كان رأس السلطة والمؤتمن عليها، هو نفسه يتجاهلها ويدعو لما هو عكس لها».
ثم يضيف الدبلوماسي العربي مذكراً أن وفد وزراء خارجية الدول العربية الست، وإلى جانبهم أمين عام جامعة الدول العربية، وهم المعنيون بمتابعة ملف القدس وقرارات ترامب، وفي زيارته إلى بروكسل، حمل إلى الإتحاد الأوروبي «مبادرة» عباس إلى مجلس الأمن الدولي، طالباً الدعم الأوروبي لها، ولم يحمل قرارات المجلس المركزي، حتى أن وزير خارجية السلطة الفلسطينية – والحديث للدبلوماسي العربي – كان يعتبر مهمته الكبرى هي الترويج لمبادرة عباس، وكأنها هي حبل الانقاذ للحالة الفلسطينية علماً، أنها، وكما يلاحظ الدبلوماسي العربي في حديثه إلى عضو اللجنة التنفيذية، «لم تحمل جديداً» سوى دعوتها لتشكيل فريق دولي للإشراف على المفاوضات. وهو فريق مشكل بالأساس من اللجنة الرباعية الدولية، ويمكن أن يتم توسيعها لتضم ممثلين عن الأردن ومصر والسعودية. وهي دول عربية ثلاث، تلتقي، بشكل أو بآخر، مع مشروع ترامب لإقامة «الحلف الإقليمي»، العربي – الاسرائيلي، ضد إيران، وهي الدول العربية نفسها التي نصحت الرئيس عباس بعدم التصدي للمشروع الأميركي «لأنه سيشق طريقه في المنطقة، ولن يكون هناك من يستطيع التصدي له»، في ظل إدارة أميركية جديدة، «تنتهج سياسة أخرى في المنطقة تختلف عن سياسة الإدارة السابقة».
هذا «الحوار» هو في الواقع ملاحظات انتقادية حادة، تتداولها الدوائر الدبلوماسية العربية في أكثر من مكان، في معاينتها للحالة الفلسطينية الرسمية، تجد صدقيتها إذا ما تتبعنا كيف تدير السلطة ومؤسساتها القرارات السياسية كقرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة.
فاللجنة التنفيذية التي عقدت في 3/2/2018 اجتماعها الأول منذ أن اتخذ ترامب قراره بشأن القدس (أي في 6/12/2011) أحالت كل قرارات المجلس المركزي (15/1/2018) إلى حكومة السلطة الفلسطينية من جهة، وإلى «لجنة سياسية عليا» من جهة أخرى. وقد فسرت هذه الإحالة تهرباً من تهميش اللجنة التنفيذية من استحقاقات تنفيذ قرارات المجلس المركزي، ومناورة مكشوفة للتهرب من تداعيات هذه القرارات إذا ما وجدت طريقها إلى التنفيذ، وما يمكن أن تحدثه على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي.
ولا تخفي الدوائر الدبلوماسية العربية معرفتها بأن أكثر من عاصمة عربية «نصحت» الرئيس عباس بعدم الذهاب بعيداً في «رد الفعل» على قرار ترامب بشأن القدس، وبضرورة الإبقاء على هامش «يمكن منه الولوج مرة أخرى إلى عملية سياسية، قد تكون مقبولة عربياً وفلسطينياً».
من هنا استكملت عملية الإحالة إلى «اللجان» بالإعلان عن «مبادرة» في مجلس الأمن، هي في واد، وقرارات المجلس المركزي في وادي آخر.
• «اللجنة السياسية العليا»، كما يبدو، من وتيرة اجتماعاتها، ومن النتائج التي توصلت إليها، وكما سرب بعض المقربون من رئيس السلطة لم تبلور «سوى اقتراح عملي واحد»، هو دعوة المجلس الوطني القديم إلى دورة جديدة (يقال إن موعدها هو في 5 أيار (مايو) 2018)، وهو اقتراح لم يلق اجماع أعضاء اللجنة، بل شهد اجتماعها نقاشاً مطولاً «انتهى بعدم التوافق»، ومع ذلك فإن الفريق الموالي لرئيس السلطة، اعتبر أن اللجنة وافقت، وإن لم تتوافق بشكل كامل.
• قضية تنسيب دولة فلسطين إلى 22 وكالة دولية، تعهدت السلطة الفلسطينية أمام إدارة أوباما، ثم إدارة ترامب، بعدم الإقدام عليه، تحت تحذير أميركي بأن الولايات المتحدة سوف تقاطع هذه الوكالات وتمنع عنها تمويلها (على غرار منظمة الأونيسكو الدولية). اللجنة أقرت ضرورة العمل على إنهاء التعهد الرسمي الفلسطيني أمام إدارة ترامب والشروع بتنسيب دولة فلسطين لهذه الوكالات. هذه التوصية رفعت إلى رئاسة السلطة، رئاسة السلطة بدورها أحالتها إلى وزارة الخارجية لدراستها، علماً أن وزير خارجية السلطة هو نفسه عضو في اللجنة العليا.
• قضية إحالة جرائم الحرب إلى محكمة الجنايات الدولية. وطلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة وغيرها من القضايا الأخرى. هذه القضية شهدت وقائع غربية. فعضو اللجنة الذي كلف بتقديم الإقتراحات بشأن هذه القضايا، فاجأ الجميع بأنه استنكف، ليس فقط عن تقديم الإقتراحات، بل حتى عن حضور اجتماعات اللجنة العليا. وعند سؤاله عن سبب هذا الاستنكاف، أوضح رأيه بالقول أن «لا فائدة من هذا العمل كله، لأن القيادة الرسمية غير جادة في تنفيذ قرارات المجلس المركزي». ولفت في السياق نفسه «أن عدداً من التوصيات بشأن هذه الأمور كان قد رفع إلى رئيس السلطة، لكنه اختفى في الإدراج وبالتالي فهو غير مستعد للدخول في لعبة تقديم التوصيات والإقتراحات لإحالتها إلى مقبرة المحفوظات». وبالتالي تعطل العمل في هذه القضايا، ومازال معطلاً.
• أما القضايا الإقتصادية، والأمنية من قرارات المجلس المركزي، فقد أحيلت إلى حكومة السلطة الفلسطينية لدراستها، وتقديم الإقتراحات بشأنها. المعلومات المتوفرة تؤكد، دون أي شك، أن حكومة السلطة «لم تشكل حتى الآن لجانها بهذا الشأن، وأن رئيس الحكومة لم يكلف أياً من الوزارات بدراسة قرارات المجلس المركزي وتقديم الإقتراحات بشأنها».
المعلومات تؤكد أن الأمور، في إدارة شؤون السلطة مازالت تدور كما كانت سابقاً دون أي تعديل، ودون أي تغيير، وكأن هذه الحكومة غير معنية بقرارات المجلس المركزي، وكأن هذه الحكومة لا تعطي بالاً لتكليفات اللجنة التنفيذية، وكأن اللجنة التنفيذية ليست هي المرجعية السياسية العليا للسلطة وحكومتها.
بعض أعضاء اللجنة العليا تقدم إلى رئيس السلطة الفلسطينية بعدد من الإقتراحات العملية». فماذا كان مصيرها:
«إقتراح بتعزيز المنتج الوطني وتوسيع القاعدة الإنتاجية، في سياق فك الإرتباط بالإقتصاد الإسرائيلي، (خاصة قطاعي الزراعة والصناعة) و«إقتراح أن يعكس ذلك نفسه على موازنة حكومة السلطة وأن تشكل لجنة من وزير الإقتصاد الوطني، والمالية، والزراعة لإنجاز ذلك». الإقتراح أحيل إلى رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية «للدراسة». (وليس للتنفيذ)
• «إقتراح بتخفيض الضرائب بما ينسجم مع الواقع المعيشي والإقتصادي للشعب الفلسطيني وخاصة ضريبة القيمة المضافة، وبما يكسر بروتوكول باريس، على أن يترك لوزير المالية تحديد المعدل بما ينسجم مع المصلحة العامة». الإقتراح أحيل إلى رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية «الدراسة». (وليس للتنفيذ)
• «إقتراح بتشكيل لجنة لدراسة الإنتقال من عملة الشكيل إلى عملة أخرى». الإقتراح أحيل أيضاً إلى رئيس وزراء السلطة الفلسطينية «للدراسة». (وليس للتنفيذ)
• «إقتراح آخر بتشكيل لجنة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية».
هذا الإقتراح لم يوقع عليه رئيس السلطة ولم يحوله إلى رئيس الوزراء للدراسة، بل أحاله إلى المحفوظات. وهي خطوة ولا تحتاج إلى تفسير.
وإذا ما عدنا، في نهاية المطاف إلى ما جاء في كلام الدبلوماسي العربي لصديقه في اللجنة التنفيذية، سوف نحصل، بعد هذا العرض على جواب:
• نعم مازال الإلتزام بإتفاق أوسلو (سياسياً وأمنياً وإقتصادياً) هو السائد في عمل السلطة.
• نعم مازالت المفاوضات، هي الخيار الوحيد الذي تلتزمه القيادة الرسمية الفلسطينية.
• نعم، مازالت القيادة الرسمية تراهن على «تطور» ما، قد يوفر لها الفرصة لتلتقي «صفقة العصر» في منتصف الطريق.
لكن السؤال سيبقى: إلى أي مصير سوف تقود هذه إلى الطريق الحالة الفلسطينية؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف