- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-03-11
يعيش اللاجئ الفلسطيني على أمل العودة إلى بيته وبلده ومدينته وقريته، يتلهف العودة إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع، بل يتوسل إليها، ويناضل من أجلها، مثل كل اللاجئين الذين تشردوا، وعادوا بعد أن زال سبب فجيعتهم، وخراب بيوتهم، واضطرارهم للرحيل عنوة مرغمين على التشرد عن دفء بيوتهم، فالذي دفعهم للهجرة والتشرد ما هو إلا أسوأ وأقسى، وفي فلسطين عمل المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على ارتكاب المذابح والمجازر بحق أهل البلاد وشعبها وأصحابها الفلسطينيين، وثبت بالتقارير المعلنة والمسربة من وثائق الحركة الصهيونية وميليشياتها الإجرامية، وأوردها تفصيلاً الباحث الأكاديمي الإسرائيلي المعادي للصهيونية إيلان بابيه في كتابه الوثائقي “ التطهير العرقي في فلسطين “ حيث تشير الوقائع والوثائق إلى أن المجازر التي قارفوها بحق الفلسطينيين كانت مدروسة ومنهجية ومنظمة لإجبار الفلسطينيين المدنيين والبسطاء على ترك منازلهم بعد ذبح رجالهم وأولادهم، ولم يكن أمامهم سوى منفذ إجباري واحد : البحث عن مكان آمن، في غياب أي غطاء يوفر لهم الحماية والأمن، خاصة وأن ممثلي الأمم المتحدة الذين عملوا على ترتيب مظاهر ومعايير قرار التقسيم، تم اغتيالهم أيضاً من قبل ميليشيات الحركة الصهيونية لتحقيق هدفين: أولهما قتل الشهود على مجازرهم وجرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، وثانيهما لعدم تنفيذ قرار وخارطة التقسيم فبدلاً من حصولهم على 54 بالمائة من خارطة فلسطين، احتلوا 78 بالمائة منها، وهو إجراء لم تقبل به الأمم المتحدة ولم تسلم به وبكل ما فعله المستعمرون الإسرائيليون الصهاينة، ولهذا اشترطت على ممثلي المستعمرة الإسرائيلية لقبول عضويتها تنفيذ قراري الأمم المتحدة : الأول قرار التقسيم 181 بالإنسحاب إلى حدود قرار التقسيم، والثاني قرار حق عودة اللاجئين 194 إلى بيوتهم واستعادة ممتلكاتهم في مناطق الاحتلال الأولى التي تم احتلالها والاستيلاء عليها.
ومنذ ذلك الوقت ينتظر اللاجئ الفلسطيني قرار عودته إلى بيته ومدينته وقريته، وهو الأولى والأحق من الأجنبي الذي ينتقل من بلده في أوروبا أو أميركا أو أفريقيا أو آسيا ليعيش في فلسطين على أرض الفلسطينيين الذين لا وطن لهم سواه، بينما الأجنبي الذي يأتي إلى فلسطين لمجرد أنه يدين باليهودية، يتم منحه حق الإقامة على حساب الفلسطيني وأرضه وكينونته، مع احتفاظ الأجنبي بجنسيته الأجنبية التي جاء بها ومعها إلى فلسطين.
معاناة اللاجئ الفلسطيني في سوريا ولبنان وجوعه في قطاع غزة ولهفته في مخيمات الأردن، لا تتوقف إلا بقرار واحد، لا ثاني له، بإتجاه واحد لا بديل عنه: وهو عودة الفلسطيني إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع واستعادة ممتلكاته فيها ومنها وعليها، تلك هي العدالة التي لا يمكن إنكارها أو التخلي عنها مهما تقادم الزمن، فالكرم اللبناني والسوري والأردني، لا تُعوض الفلسطيني عن حقه وبلده وكرامته في أرض أبائه وأجداده، ذلك الحق المتداول بين الفلسطينيين على الرغم من ولادة أجيال لهم منذ سبعين عاماً، والدلالة على ذلك أن الطفل المسجل لدخول المدارس ابن السنوات الست حينما يتم سؤاله : أنت من أين فيرد من بيت دجن، من السافرية، من المجدل، من الشجرة، دلالة على إحياء المكان، وبقاء الذاكرة المرتبطة بولادة الأب وميراثه وتراثه، وهو ما تجسده قرارات الشرعية الدولية، المنصفة للشعب الفلسطيني، قرار حق العودة 194، واستعادة الممتلكات.
لا بديل عن العودة، عودة اللاجئ الفلسطيني، وعائلته وأولاده وأحفاده إلى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها هناك، حيث الإنسان نتاج وطنه وبيئته ولونه ومناخه، فالإنسان وأرضه متكاملان يكملان بعضهما بترابط وتناغم مناخي وإنساني حصيلة مئات السنين من التداخل والتناغم السوي، ولذلك يجد اليهودي الأجنبي أن مناخ فلسطين، ليس مناخه، وثقافتها ليست ثقافته، وتربتها ليست تربته، وتراثها ليس تراثه، ومحاولات التركيب الصهيونية الإسرائيلية لم تعط نتائجها بالتناغم رغم الإجراءات والقوة وتفوق الاقتصاد وإبداع التكنولوجيا، وهي عوامل صنعتها التدخلات الأوروبية من قبل بريطانيا بقراراتها، وفرنسا بأسلحتها، والمانيا بتعويضاتها المالية، وروسيا أخيراً بتدفقاتها البشرية من الروس وليتوانيا وجورجيا الذين اقتربوا من المليون ونصف المليون مهاجر من هذه البلدان إلى فلسطين ليستعمروها ويسكنوها على حساب شعبها، كما حصل في جنوب أفريقيا وروديسيا وغيرهما، ولذلك كما حصل حقاً في هذه المستعمرات الأفريقية من قبل البيض الأوروبيين، سيحصل للمستعمرين الأجانب الذين استعمروا فلسطين، فمصيرهم الزوال والهزيمة؛ لأنهم ضد الحق، ضد القانون، وضد المناخ والطبيعة.