- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-04-19
من الذرائع الكبرى، لدعوة متعجلة للمجلس الوطني الفلسطيني، هي «تجديد الشرعية الفلسطينية» و«صونها» في ظل أوضاع فلسطينية وعربية وإقليمية شديدة التعقيد. ويجري الحديث عن «تجديد الشرعية»، وكأن الشرعية الفلسطينية في خطر حقيقي، وبالتالي لابد من دورة عاجلة ومتعجلة للمجلس الوطني.
ما من طرف فلسطيني ضد تجديد الشرعية. ولهذا، على سبيل المثال، حمل الخطاب السياسي للعديد من القوى الفلسطينية دعوات لتنظيم انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية (للمجلسين الوطني والتشريعي) لتحديد شرعيات هذه الهيئات، بعد أن تآكلت ومضى على انتهاء ولايتها القانونية زمن غير قصير. والجانب المعطل في ذلك السلطة الفلسطينية، والقيادة الرسمية مرة (التي يحاولون حصر الشرعية بشخص واحد فيها هو رئيس السلطة دون غيره) ومرة أخرى حركة حماس، حين عطلت على سبيل المثال الانتخابات المحلية والبلدية الأخيرة في قطاع غزة.
إلى جانب هذا، يمكن القول إن ذريعة «تحديد الشرعية»، لا تستقيم مع دعوات متعجلة، يتم فيها تعطيل الخطوات الضرورية لإكساب الشرعية مضمونها السياسي العميق، قبل إكسابها مضمونها الإداري، خاصة وأننا نتحدث عن مجلس وطني حالي غير منتخب، يمكن إعادة تركيبه بقرارات فوقية، كما هو حال تعيين ممثلي المجلس العسكري ( 42 عضواً) بقرار منفرد من رئيس السلطة، استثنى فيه مناضلين في الفصائل الأخرى، لا يقل تاريخهم النضالي عن أي من الذين تم تعيينهم برتبهم البراقة، بل يزيد أحياناً عن بعض الرتب التي اكتسبت في إطار السلطة ولم تكتسب في إطار المقاومة. وكما هو حال تعيين حوالي 80 عضواً جديداً تحت مسمى مستقلين، لا لشيء، سوى لتوفير ما يسمى بالنصاب «القانوني» للمجلس الوطني ( أي النصاب العددي ولو من لون واحد) خاصة وأن عدداً من الفصائل الفاعلة، إما أعلنت عدم مشاركتها في المجلس، أو أنها مازالت لم تعلن عن موقف بعد، مما يضع المجلس أمام واقعين متناقضين: نصاب عددي – نعم- ولكن النصاب السياسي سيكون مفقوداً، في ظل انعدام التوافق السياسي بين الأطراف الفاعلة في م.ت.ف. وخارجها.
وهذا من شأنه أن يسمح للبعض أن يطعن في الشرعية من خلال الطعن في «الشرعية السياسية» للمجلس الوطني، الذي يتم التحضير له خارج خطوات التوافق الوطني التي شكلت تراثاً وطنياً على مدى سنوات م.ت.ف، يجري الآن العبث به من خلال التحضير المنفرد والانفرادي للمجلس الوطني.
* * *
وحتى لا تصبح ذريعة الشرعية عنصر ابتزاز، وحتى لا يرسم البعض الوضع وكأن هناك من يحرص على شرعية م.ت.ف، وهناك من لا تهمه هذه الشرعية، لا بد من وضع النقاط على الحروف. ومن أهم هذه النقاط هي أن الشرعية لاتقف عند حدود الأفراد وحدهم، أي بلغة أوضح لا تقف عند رئيس السلطة الفلسطينية وحده. فشرعيته من شرعية الهيئات الوطنية. والشرعية لا تقف عند حدود توفير «الشرعية الوطنية» لعدد من أعضاء اللجنة المركزية في فتح عبر تسميتهم أعضاء في اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي في م.ت.ف، بل إن الشرعية أبعد من ذلك بكثير. هذه الأهداف المحددة هي توظيف سياسي للشرعية في خدمة تيار سياسي معين. أما الشرعية التي نعنيها فهي شرعية التوافق والوفاق والإجماع الوطني، وهي الشرعية التي ينتهكها ــــ للأسف ــــ المطبخ السياسي في القيادة الرسمية قبل غيره.
• فهو مازال يعطل تنفيذ القرارات الشرعية التي اتخذها المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، (5/3/2015 و15/1/2018) واللتين ترأسهما رئيس الشرعية التشريعية، سليم الزعنون (أبو الأديب) وتولى هو شخصياً قراءة بيان وقرارات الدورة الأخيرة.
• وهو الذي انقلب على شرعية قرارات المجلس المركزي، حين قدم إلى مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018 مشروعه للحل على قاعدة العودة إلى اتفاق أوسلو ومفاوضات الحل الدائم.
• وهو الذي انتهك الشرعية حين وافق على نسف حدود 4 حزيران لصالح «تبادل للأرض متفق عليه».
• وهو الذي انتهك شرعية الحقوق الوطنية الفلسطينية حين وافق على «حل متفق عليه» مع إسرائيل، لقضية اللاجئين، مما أسقط حق العودة.
وهذه الانتهاكات والانقلابات على الشرعية، يعود جذرها إلى زمن توقيع اتفاق أوسلو، الذي شكل انقلابا كامل الأوصاف، على البرنامج الوطني الفلسطيني، فذهب للاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود، بينما هي ترفض حتى الآن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به. وذهب للقبول بحكم ذاتي إداري محدود، على خطوات، بديلاً للدولة الفلسطينية المستقلة كما تم إعلان استقلالها في 15/11/1988. وهو الذي تواطأ مع حزب العمل الإسرائيلي، عام 1996، حين وافق على تأجيل مفاوضات الحل الدائم، دعماً للحزب الإسرائيلي في الانتخابات، وعلى حساب خلاص الشعب الفلسطيني من الاحتلال. وهو الذي مازال متمسكاً باتفاق أوسلو، رغم انقضاء ولايته (خمس سنوات) ومازال يعتبره سقفاً للحل السياسي مع الجانب الإسرائيلي.
* * *
الشرعية، هي شرعية النظام السياسي الفلسطيني، قبل أن تكون شرعية الأفراد.
من هنا نسأل:
• من المسؤول عن تهميش اللجنة التنفيذية، وتجريدها من صلاحيتها لصالح المطبخ السياسي؟
• من المسؤول عن تهميش المجلس المركزي الفلسطيني (اجتماعان اثنان فقط خلال 4 سنوات كاملة!) وتعليق اجتماعاته، وتجميد قراراته؟
• من المسؤول عن إلقاء قرارات اللجنة التحضيرية (بيروت 2017) في سلة المهملات. والذهاب إلى مجلس وطني انفرادي دون تحضير وطني؟
• ومن المسؤول عن تعطيل «لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف» باعتبارها «الإطار القيادي الفلسطيني الأول»، والذي تشكل، بحضور رئيس السلطة نفسه، في القاهرة في 15/3/2015، والذي كان يفترض أن يشكل إطاراً لإصلاح أوضاع م.ت.ف، وتطويرها، لتنضم إليها كل القوى وتتحول إلى الإطار الفلسطيني الجامع للكل الفلسطيني، دون استثناء، ما يعزز روح وإرادة الوحدة الوطنية، ويستنهض كل عناصر القوة الفلسطينية.
وقبل أن نسترسل طويلاً دعونا نختم بالتالي:
• «كيف يجوز لمن ينتهك الشرعية الفلسطينية ويخرقها يوماً بعد يوم أن يتحدث عن تجديد الشرعية والدفاع عنها»؟
• أليست «الشرعية» باتت، في حسابات البعض، مجرد وسيلة لتجديد «مشروعية المطبخ» بديلاً لشرعية الهيئات والمؤسسات الوطنية الفلسطينية في م.ت.ف؟