- الكاتب/ة : ب. ميخائيل
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2018-04-21
سنبدأ بلغز: ما هي الوثيقة الاسرائيلية الرسمية الواحدة والوحيدة التي تعترف بصورة صريحة بالقومية الاسرائيلية؟ ما هي الوثيقة التي توحد تحت جناحيها كل مواطني اسرائيل بدون تمييز في الدين والعرق والجنس والطائفة أو مقاس الحذاء. عمليا مثل أي دولة سليمة (الاجابة بعد قليل).
ولكن في البداية سنعطي القليل من التاريخ: في الخامس من أيار 1948 تم انشاء دولة اسرائيل، في ذلك اليوم بالضبط في 5 ايار 1948 ماتت الدولة العبرية. حتى قيام الدولة كان كل شيء “عبري”. الشعب العبري في فلسطين ناضل من اجل عمل عبري ودولة عبرية وثقافة عبرية وتعليم عبري ومواطن عبري ومدينة عبرية وشباب عبري ويشوف عبري.
بعد يوم من ولادة الدولة انقلب كل ذلك الى “يهودي”.
كما يبدو هذا ليس واضحا لماذا. حيث أن الاسم الذي اعطي للدولة هو “دولة اسرائيل”. لقد كان مطلوبا بناء على ذلك أن يتحول كل شيء الى “اسرائيلي”: عمل اسرائيلي، يشوف اسرائيلي، مواطن اسرائيلي، قومية اسرائيلية – ولكن ذلك لم يحدث. تقريبا كل شيء تحول الى “يهودي”، واساس الغضب والوحشية أثار “القومية الاسرائيلية”.
”قومية اسرائيلية”؟، صرخ كل زعماء وموظفي الدولة، “هذا لن يحدث ولن يكون”. وبجرة قلم بيروقراطية تم اختراع “القومية اليهودية”. ولكن لا يوجد “قومية يهودية”، هناك شعب يهودي، شعب هو الكلمة التي تعرف جمهور معين له مصير مشترك وذكريات مشتركة ولغة مشتركة وثقافة مشتركة وعادات مشتركة واساطير مشتركة واحيانا ايضا الدين. القومية – منذ ولادة الدول الحديثة – تعرف ببساطة وبشكل متساو باجمالي مواطني الدولة. كل مواطني فرنسا هم القومية الفرنسية. كل مواطني السويد هم القومية السويدية وهكذا دواليك في كل القوميات. لماذا يمنع مواطنو اسرائيل من أن يسموا بالاسم الجماعي “قومية اسرائيلية”؟ بأي منطق غريب تدعي الدولة (في نقاش قانوني) أن تسجيل “قومية اسرائيلية” في سجل السكان “يهدف الى المس بأسس دولة اسرائيل”؟ لماذا اسرائيل تحارب الاسرائيلية؟ هذا فعليا مرض المناعة الذاتية.
ايضا هذه القومية المخترعة تقوم كلها على الدين. هذه “قومية” لا يوجد أي سبيل لأن تقبل فيها إلا بواسطة كهنة الدين المعينين من قبل الدولة. قومية – دين كهذه ليست فقط مجرد أمر غير معقول، بل ايضا هي ديناصورية شيئا ما. ذات يوم كان هناك العديد من امثالها. اليوم يمكن ايجادها فقط في اوساط قبائل الهنود الحمر في الولايات المتحدة، أو على شواطيء الامازون. حتى الشعب اليهودي الذي يعاني ايضا من هذه الوجبة الزائدة من الدين يظهر في السنوات الاخيرة تمرد مرحب به. المزيد والمزيد من المؤسسات (دور النشر، مثلا) تنشغل مؤخرا في “الشعبية اليهودية”. اليهودية كثقافة وشعب، وليس بالضرورة ايضا كدين.
ايضا “دولة يهودية” غير موجودة، لا يمكن أن تكون. “دولة يهودية” تبدو تقريبا مثل “الخِيار البوذي”. دول وخِيار لا يمكن أن تكون دينية. فقط البشر يمكن أن يكونوا. هكذا قال الله، وهو بالطبع يفهم في الاديان.
التعبير الاكثر هستيرية الذي نبت داخل هذه المعضلة هو بلا شك “دولة ليست دولة كل مواطنيها”. تعبير منطقه يشبه منطق جملة “شجرة ليست شجرة كل اوراقها”، أو “بركة ليست بركة كل مياهها”، حيث أن دولة ديمقراطية بحكم تعريفها هي دولة كل مواطنيها. ليست دولة ملوكها، كهنتها ونبلائها واثريائها وابطالها، فقط دولة جميع مواطنيها.
ولكن هذا غير موجود في اسرائيل. هنا في “اليهودية – الديمقراطية” توجد دولة مع دين، و”قومية” يهودية، خمس المواطنين الدولة ليست دولتهم أبدا. وبسذاجة يمكن التساؤل لماذا كل هذه الفوضى؟ ألا يكفي تسجيل المواطنة؟ هل يوجد حقا ضرورة لتسجيل “قومية” في سجل السكان؟ ولماذا تتم الاشارة ايضا الى “الدين”؟ (الذي بحد ذاته هو نبش وقح وزائد في العلاقة بين المواطن والخالق). من يريد كل ذلك؟.
واذا ازلنا السذاجة فان الجواب واضح جدا. هذا الربط من العنصرية الاسرائيلية يحتاج الى كل التسجيلات المشينة هذه. فقط هي. من اجل أن تعرف الدولة دائما أن معسكرنا نقي. من اجل أن لا يختفي أي عربي أو مسيحي أو مسلم أو غير يهودي من أي نوع آخر من أمام اعيننا، ويتم اعتباره، لا سمح الله، مواطن، وأن الدولة هي ايضا دولته. من اجل أن تعرف الحاخامية التي تحكمنا من الذي يستحق الزواج من بناتنا ومن لا يستحق. من اجل أن تعرف السلطات العقارية من المسموح له شراء ارض ومن غير المسموح له. ومن اجل أن يعرف غير اليهود على مختلف انواعهم أين يسمح لهم السكن وأين لا يسمح لهم. كل هذه التسجيلات باختصار هي الصيغة الرسمية لناطوري كارتا، حماة نقاء المدينة.
الى هذه الدرجة غريبة هي هذه الحرب الباردة التي اعلنتها الدولة على القومية الاسرائيلية. الى درجة أنه في وزارة الداخلية توجد قائمة بالقوميات المسموح تسجيلها في سجل السكان. يمكن أن نجد هناك القوميات التالية: التترية، الآرامية، الغوانية، التارديكية، اليهودية، اللخشتانية، العربية والمورتشوانية والسامرية، غرب الالمانية (؟؟) وحوالي 130 قومية ايضا.
ولكن قومية اسرائيلية لا توجد. دولة اسرائيل لا تعترف بوجودها. ما العمل اذا؟ هذا هو نهج المصابين بمرض المناعة الذاتية، بتصميم واصرار يحاربون ضد انفسهم.
الوثيقة الرسمية الوحيدة التي نجحت في التملص من بحث الرادار العنصري هي جواز السفر الاسرائيلي. هناك وفقط بصيغة اجنبية، مكتوب بصورة صريحة التالي: القومية – اسرائيلي. برافو! على الاقل في الخارج نحن طبيعيون قليلا. يمكن الافتراض بأن المواثيق الدولية فرضت هذه الصيغة، وليس نوبة فجائية من التنور. ولكن ايضا بعض العزاء مفيد قليلا.
لم نصل بعد الى ذروة الجنون. في نهاية 2012 تقريبا تم استبدال تأشيرات الدخول والخروج في آلات التسجيل في مطار بن غوريون ببطاقات جديدة. بدل بطاقات كبيرة بيضاء جاءت بطاقات صغيرة تميل الى اللون الازرق. في بداية 2013 عندما صادفت للمرة الاولى البطاقة الزرقاء، فحصتها بحب استطلاع وقلبي كان مليء بالمفاجأة والسرور: سجل باللغة الاجنبية هناك بالضبط مثلما الامر في جواز السفر، “القومية: آي.اس.آر” وهو الرمز الدولي المتفق عليه لاسرائيل. وكذلك بالعبرية، من يصدق! – الكلمة الصريحة “قومية”. بصورة واضحة “قومية – آي.اس.آر”. أي توجد هناك وثيقة اسرائيلية ليبرالية اخرى. سررت جدا واحتفظت بها. الفرح استمر سبعة اشهر فقط. موظف ثاقب البصيرة اكتشف الفضيحة، وقبل أن يهجم علينا جموع الاغيار الذين تمكنوا فجأة من الانضمام الى القومية الاسرائيلية، تم اصلاح الكارثة. “القومية” تحولت الى “مُصدر”، وايضا بالانجليزية “الناشيونالتي” المبهجة تحولت الى “إشوار”.
ومن اجل ذر الملح على الجرح، حدث الامر تقريبا امام انظارنا: سافرت الى الخارج في 24 تموز 2013 وعدت في 26 تموز 2013. كل الوقت كان 48 ساعة. وفي هذا الوقت حدث الانقلاب. خرجت بـ “قومية” ورجعت بـ “إشوار”. اذا، على الاقل في جواز السفر بقيت احمل الجنسية الاسرائيلية المطاردة.
غدا ستكمل الدولة السبعين سنة من عمرها، وهو سن الشيب حسب فصول الآباء. اذا ربما، ومن اجل تجميل شيبها، قررت الدولة أن تفطم من هذا الجنون؟ أن تنسى “القومية اليهودية” المرفوضة وتكتفي بوجود الشعب اليهودي المحترم والقديم، وتسمح لكل مواطنيها الذين يريدون ذلك بأن يسجلوا كاسرائيليين وأن تكف عن الهراءات والكلام الفارغ عن “دولة ليست دولة كل مواطنيها”. رغم أنفها هي دولة كل مواطنيها حتى آخر شخص فيها.
فيما يتعلق بالعنصرية الاسرائيلية، لا حاجة الى الاهتمام بها. حتى بدون “قومية يهودية” ستواصل الازدهار كالعادة.
والآن، يوم احراق جثث يرضي كل ابناء وبنات “القومية اليهودية”.