- الكاتب/ة : نير حسون
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2018-04-28
تيدي كوليك طلب، سرّاً، من عرفات السماح للفلسطينيين بالتصويت
في انتخابات بلدية القدس لـ«تغيير الخارطة السياسية» في المدينة
موشيه عميراف: دخلت تونس بجواز إسرائيلي في العام 1993 وحاولت إقناع عرفات
قصة إنشاء حزب فلسطيني في القدس لخوض الانتخابات البلدية.. وإحباط الفكرة في اللحظات الأخيرة
في العام 1993 كان تيدي كوليك يبلغ 82 عاماً شغل منها 28 عاماً رئيساً لبلدية القدس. وقد أراد الانسحاب باحترام، لكن حزب العمل ضغط عليه ليتنافس مرة اخرى أمام مرشح "الليكود" الشاب، ايهود اولمرت. كوليك عرف أن اولمرت يستطيع أن يسحب الجمهور الحريدي وادرك أن احتمالاته ضئيلة.
"توجهتُ إليه وقلت: انسحب، لا يوجد احتمال لديك للنجاح"، قال البروفيسور موشيه عميراف، الذي كان عضواً في مجلس بلدية القدس ويتولى ملف شرقي القدس. قال تيدي: أنت على حق، لكن يمكنك المساعدة. تستطيع الوصول الى عرفات وإقناعه بأن يأمر العرب بالتصويت". يوجد للفلسطينيين في القدس مكانة مقيمين دائمين، وحق التصويت في الانتخابات البلدية، وإن لم يكن للكنيست. ولكن منذ العام 1967 تقريبا لم يستخدموا هذا الحق خوفاً من أن تفسر مشاركتهم في الانتخابات اعترافاً بالسيادة الاسرائيلية على شرقي القدس. قبل بضع سنوات كان عميراف شخصية رفيعة في فرع "الليكود" في القدس، لكن في حينه تم كشف لقاءاته مع فيصل الحسيني، زعيم الفلسطينيين في المدينة.
هددت محكمة الحزب بطرده، وقام عميراف باجتياز الخطوط، وانتقل الى حزب "شينوي". وبفضل علاقاته نجح في ترتيب لقاء مع ياسر عرفات في تونس. كانت عملية أوسلو تدور في حينه سراً، وكان القانون ما زال يحظر الالتقاء مع رجال "م.ت.ف". "ذهب تيدي الى احد الاشخاص في الحكومة، كما يبدو اسحق رابين، وحصل على الموافقة على السفر"، يتذكر عميراف. "وصلت الى تونس بجواز سفر إسرائيلي، وهناك انتظرني رجال (م.ت.ف)، الذين أخذوني الى عرفات. وقال لي إنه توجد في ذلك المساء جلسة للجنة التنفيذية، وسألني ماذا اريد أن أفعل الآن. طلبت الذهاب لرؤية ميناء هنيبعل، وعندما عدت كانت لنا محادثة حول بطلينا، هنيبعل من ناحيتي وصلاح الدين من ناحيته. وبعد ذلك قال لي: "الآن ستقدم سهى لك الشاي وسنذهب نحن إلى الجلسة".
بعد جلسة اللجنة قال عميراف: "قال لي إن الامر لم يكن سهلا، لقد اتخذنا قراراً بالسماح لاخوتنا في القدس بالتصويت، ومن الافضل أن يكون ذلك لصالح حزب فلسطيني". قال إنه لن يتدخل في سياستنا الداخلية، وإن كوليك وأولمرت هما الشيء ذاته بالنسبة له، لكن اذا كان للفلسطينيين حزب يمكنهم التأثير. صافحتُ عرفات، ورجعت الى تيدي الذي قفز فرحاً. واحتفظنا بهذا سراً حتى لا يستخدمه اولمرت ضد كوليك.
كانت السعادة مبكرة: الآن كانت هناك ضرورة لإقناع القيادة الفلسطينية المقدسية بانشاء حزب، ودعوة سكان شرقي القدس للتصويت. اجتمع مجلس برئاسة الحسيني في الـ"اورينت هاوس" من أجل مناقشة الموضوع. "اتصل فيصل بي ودعاني إلى المجلس من اجل طرح المبررات لصالح التصويت"، "شرحت لهم بأنني اعتقد أن هذا جيد للقدس وللفلسطينيين، الذين يحصلون على 3 في المئة من الميزانية رغم أنهم يشكلون 28 في المئة من السكان. وبعد أن القيتُ خطابي قلت للحسيني إن هذه خطوة تاريخية. فقال أنت لست بحاجة الى إقناعي، لكن بعد ساعتين خرج وقال لي: آسف. أنت أقنعتني، لكن الجميع يرى الامور بصورة حساسة ويعتقدون أن هذه خيانة".
يتذكر عميراف أنه كان هناك ثلاثة اعضاء، من بين الـ 15 عضواً، صوتوا مع المشاركة في الانتخابات: الحسيني وحنا سنيورة وسري نسيبة، الذين تم اعتبارهم اصواتا معتدلة في القيادة الفلسطينية. شرح نسيبة لصحيفة "هآرتس" أن "الشعور العام كان أن الوقت غير مناسب لذلك". وأضاف عميراف: "بعد ذلك اتصل أبو مازن معي وقال: "أنا آسف حقا، لقد كانت هذه خطوة شجاعة، لكنهم يخافون"، عدت الى تيدي، وقلت له انسحب". لم يقبل تيدي النصيحة وخسر لصالح اولمرت.
لا يستبعد نسيبة وعميراف امكانية أن قرار عرفات الاول كان متعلقا بالمفاوضات التي كانت في مرحلة متقدمة في اوسلو. ربما أنه افترض أنه قريبا سيأتي دور المفاوضات على تقسيم القدس، واعتقد أنه من الافضل للفلسطينيين أن يأتوا اليها من موقف قوة، حتى بثمن اعتراف مؤقت بالسيادة الاسرائيلية. بعد ذلك انضم عميراف الى قمة كامب ديفيد مستشاراً لرئيس الحكومة، ايهود باراك، وقابل هناك عرفات: "كان هذا خطأ تاريخيا، لو تم قبول اقتراحي لكان كل شيء مختلفا". نسيبة غير مقتنع بذلك: "من الصعب معرفة ماذا كان سيحدث. كان يمكن لذلك أن يضعه في موقف افضل للمطالبة بحل الدولتين، لكن من يعرف؟". ومهما كان الامر، فان مهمة عميراف، التي يتم نشرها للمرة الاولى هنا، كانت المحاولة الأقرب للنجاح في إشراك القيادة الفلسطينية في تغيير الخارطة السياسية في القدس.
إن اول من حاول احضار الفلسطينيين لصناديق الاقتراع كان ايضا هو الوحيد الذي نجح، على الاقل بدرجة معينة، ميرون بنفنستي، نائب كوليك ومساعده على مدى سنوات كثيرة، والذي تولى ملف شرقي القدس بعد توحيد المدينة. في الانتخابات الاولى بعد حرب "الايام الستة"، في العام 1969 اتبِع اسلوب اشكالي لكنه ناجع. "الناس كانوا لا يزالون في صدمة، ولم يعرفوا ما هو وضعهم. عندها نشرت شائعة بأن من لا يقوم بالتصويت سيعرض مكانته كمقيم، للخطر"، قال بنفنستي. وقد أقام مركز معلومات للناخبين قرب بوابة يافا، ونظم حافلات وسيارات عمومية لنقلهم الى صناديق الاقتراع. وفي نهاية يوم الانتخابات تبين أن 7500 فلسطيني، 21 في المئة من اصحاب حق الاقتراع في شرقي القدس، قاموا بالانتخاب. كما كان هناك بضع مئات لم يتمكنوا من التصويت. هذا النجاح ظهرت نتيجته في مجلس البلدية: كوليك الذي كان رئيسا لحزب "المعراخ" فاز للمرة الاولى والاخيرة باغلبية مطلقة في مجلس المدينة.
في انتخابات 1973 حاول بنفنستي تكرار ذلك النجاح، لكن حتى ذلك الحين كان الفلسطينيون قد عرفوا أن مكانتهم غير مرتبطة بالتصويت، وفي ذلك الوقت كانت "م.ت.ف" قد تعززت في شرقي القدس وزادت المعارضة للمشاركة في الانتخابات. وصلت نسبة التصويت في حينه الى 7.5 في المئة فقط. ومنذ ذلك الحين تراوحت نسبة التصويت بين ارقام معدودة وبين أقل من 1 في المئة في الانتخابات الاخيرة في العام 2013. الكثير من الناخبين هم عمال فلسطينيون في البلدية. ورغم أن المقاطعة تم الحفاظ عليها بثبات ومتفق عليها من كل التيارات الفلسطينية، تقريبا في كل الحملات الانتخابية في القدس منذ توحيدها بذلت محاولات لجلب السكان العرب في المدينة الى صناديق الاقتراع، وحتى الآن هناك من يعتقدون أنه في تشرين الاول القادم سيحدث هذا أخيراً.
في العام 1998 بعد خمس سنوات على فشل عميراف، جرب عوزي برعام حظه، حيث كان في السابق مدير حملة انتخابات كوليك واصبح وزيرا في حكومة رابين في حينه وأحد رؤساء حزب العمل. "كان عليّ ضغط كبير للتنافس امام اولمرت"، قال. "طلبت اجراء استطلاع اظهر أنه لدى العلمانيين سأفوز عليه بنسبة 10: 1، لكن لدى الحريديين ليس لدي شيء. عرفت أنه لن يتم انتخابي دون تغيير لدى العرب".
برعام كانت له علاقة ممتازة مع القيادة الفلسطينية التي كانت في حينه توجد في رام الله. قبل بضعة اشهر من الانتخابات ذهب الى هناك، والتقى مع عرفات، بوساطة احمد الطيبي: "قلت له أنا لا اطلب منك دعوتهم للتصويت. ايضا لم أكن على يقين من أن هذا سيكون في صالحي. طلبت ألا يمنعهم من التصويت، وألا يشوش علينا إحضارهم الى صناديق الاقتراع". عندما عرض عليه عرفات مبرر الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية أجاب برعام بأن التصويت سيعطي الفلسطينيين قوة للتأثير في مستقبل المدينة. "قال لي أنت مرشح كنا نريد رؤيته، وأنا سأطرح الموضوع للبت فيه". انطباعي كان أنه يميل الى الموافقة على الطلب، قال أولمرت. ولكن بعد فترة قصيرة تلقى برعام مكالمة من رئيس مكتب عرفات أبلغه فيها رفض طلبه. برعام فهم أن احتمال نجاحه معدوم، وقرر عدم التنافس.
بعد عشر سنوات تقريبا جاء دور اركادي غايدماك، وللحظة كان هناك من اعتقدوا أنه قريب من النجاح. قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات التقى في محادثة مطولة مع مفتي القدس، الذي امتنع على الاغلب عن الالتقاء مع جهات اسرائيلية رسمية ومع شخصيات فلسطينية اخرى، وهو يطلق الوعود والمساعدات. رجاله حصلوا على التشجيع من أن صحيفة فلسطينية وصفته بـ"ملياردير من أصل روسي"، دون الاشارة الى أنه يهودي. ولكن في يوم الانتخابات ومثل آخرين قبله اكتشف غايدماك أن الفلسطينيين بقوا في بيوتهم. نسبة التصويت في شرقي المدينة كان ضئيلا، وقد حصل على 3.5 في المئة من الاصوات في كل المدينة.
تقريبا في كل حملة انتخابية كان هناك فلسطينيون ارادوا الترشح، لكنهم ووجهوا بالمعارضة، أحيانا العنيفة، وفي نهاية الامر خضعوا للضغوط. سنيورة، الذي أراد الترشح في 1989 سحب ترشيحه بعد أن تم احراق سيارته. وفي الحملة الانتخابية الحالية يتبين أن هذه الظاهرة ازدادت عن السابق. حتى الآن صرح فلسطينيان من القدس عن نيتهما قيادة قوائم: اياد بيبوح وهو معلم في حي الطور، ورمضان دبش وهو رئيس الادارة المجتمعية في حي صور باهر. في هذا الاسبوع أعلن عن إقامة قائمة اسرائيلية - فلسطينية مشتركة برئاسة احد نشطاء السلام، غرشون باسكن، وعزيز أبو سارة وهو عضو في منتدى العائلات الثكلى وصاحب شركة سياحة في شرقي المدينة.
من ناحية حسابية، الفلسطينيون في القدس يمكنهم احداث ثورة انتخابية في المدينة. رئيس البلدية السابق، نير بركات، حصل في العام 2013 على 111 ألف صوت، في حين أنه في السجل الانتخابي في شرقي القدس هناك حوالي 180 ألف شخص كمسجلين. إلا أن كل من يعرف شرقي المدينة يعرف أن السيناريو الذي يحتل فيه فلسطيني مكتب رئاسة البلدية بعيد عن التحقق. معارضة التيارات المركزية في السياسة الفلسطينية للمشاركة في الانتخابات ما زالت قوية، وحتى لو تم اتخاذ قرار وطني بالمشاركة في الانتخابات، فان اللامبالاة واليأس في شرقي المدينة لن تساهم في زيادة نسبة التصويت.
في هذه الاثناء يقول سري نسيبة إنه سيكون من الخطأ تصويت الفلسطينيين في القدس. "مع أخذ الظروف والاحداث الاخيرة بعين الاعتبار فان هذا سيعتبر من قبل المجتمع الدولي وترامب واسرائيل اخراجا للقدس من المعادلة، وأنه قد تم حل الموضوع". لذلك من المهم الآن للفلسطينيين في القدس القول نحن جزء من الكيان الفلسطيني". يتفق بنفنستي مع ذلك: "أنا لا أوافق على هذه الفرضية، بأنهم يعاقبون انفسهم بعدم التصويت. الناس يعتقدون أن تصويت العرب هو الذي سيحدث التغيير. ولكن بهذا فان الاسرائيليين يزيحون المسؤولية عن أنفسهم، الاضطهاد، والعنصرية، اكثر قوة من التصويت، وجهاز الحكم الاسرائيلي سيستمر في قمعهم. كل ذلك أحلام يقظة، الحل في القدس ليس من خلال صناديق انتخابات البلدية".
في انتخابات بلدية القدس لـ«تغيير الخارطة السياسية» في المدينة
موشيه عميراف: دخلت تونس بجواز إسرائيلي في العام 1993 وحاولت إقناع عرفات
قصة إنشاء حزب فلسطيني في القدس لخوض الانتخابات البلدية.. وإحباط الفكرة في اللحظات الأخيرة
في العام 1993 كان تيدي كوليك يبلغ 82 عاماً شغل منها 28 عاماً رئيساً لبلدية القدس. وقد أراد الانسحاب باحترام، لكن حزب العمل ضغط عليه ليتنافس مرة اخرى أمام مرشح "الليكود" الشاب، ايهود اولمرت. كوليك عرف أن اولمرت يستطيع أن يسحب الجمهور الحريدي وادرك أن احتمالاته ضئيلة.
"توجهتُ إليه وقلت: انسحب، لا يوجد احتمال لديك للنجاح"، قال البروفيسور موشيه عميراف، الذي كان عضواً في مجلس بلدية القدس ويتولى ملف شرقي القدس. قال تيدي: أنت على حق، لكن يمكنك المساعدة. تستطيع الوصول الى عرفات وإقناعه بأن يأمر العرب بالتصويت". يوجد للفلسطينيين في القدس مكانة مقيمين دائمين، وحق التصويت في الانتخابات البلدية، وإن لم يكن للكنيست. ولكن منذ العام 1967 تقريبا لم يستخدموا هذا الحق خوفاً من أن تفسر مشاركتهم في الانتخابات اعترافاً بالسيادة الاسرائيلية على شرقي القدس. قبل بضع سنوات كان عميراف شخصية رفيعة في فرع "الليكود" في القدس، لكن في حينه تم كشف لقاءاته مع فيصل الحسيني، زعيم الفلسطينيين في المدينة.
هددت محكمة الحزب بطرده، وقام عميراف باجتياز الخطوط، وانتقل الى حزب "شينوي". وبفضل علاقاته نجح في ترتيب لقاء مع ياسر عرفات في تونس. كانت عملية أوسلو تدور في حينه سراً، وكان القانون ما زال يحظر الالتقاء مع رجال "م.ت.ف". "ذهب تيدي الى احد الاشخاص في الحكومة، كما يبدو اسحق رابين، وحصل على الموافقة على السفر"، يتذكر عميراف. "وصلت الى تونس بجواز سفر إسرائيلي، وهناك انتظرني رجال (م.ت.ف)، الذين أخذوني الى عرفات. وقال لي إنه توجد في ذلك المساء جلسة للجنة التنفيذية، وسألني ماذا اريد أن أفعل الآن. طلبت الذهاب لرؤية ميناء هنيبعل، وعندما عدت كانت لنا محادثة حول بطلينا، هنيبعل من ناحيتي وصلاح الدين من ناحيته. وبعد ذلك قال لي: "الآن ستقدم سهى لك الشاي وسنذهب نحن إلى الجلسة".
بعد جلسة اللجنة قال عميراف: "قال لي إن الامر لم يكن سهلا، لقد اتخذنا قراراً بالسماح لاخوتنا في القدس بالتصويت، ومن الافضل أن يكون ذلك لصالح حزب فلسطيني". قال إنه لن يتدخل في سياستنا الداخلية، وإن كوليك وأولمرت هما الشيء ذاته بالنسبة له، لكن اذا كان للفلسطينيين حزب يمكنهم التأثير. صافحتُ عرفات، ورجعت الى تيدي الذي قفز فرحاً. واحتفظنا بهذا سراً حتى لا يستخدمه اولمرت ضد كوليك.
كانت السعادة مبكرة: الآن كانت هناك ضرورة لإقناع القيادة الفلسطينية المقدسية بانشاء حزب، ودعوة سكان شرقي القدس للتصويت. اجتمع مجلس برئاسة الحسيني في الـ"اورينت هاوس" من أجل مناقشة الموضوع. "اتصل فيصل بي ودعاني إلى المجلس من اجل طرح المبررات لصالح التصويت"، "شرحت لهم بأنني اعتقد أن هذا جيد للقدس وللفلسطينيين، الذين يحصلون على 3 في المئة من الميزانية رغم أنهم يشكلون 28 في المئة من السكان. وبعد أن القيتُ خطابي قلت للحسيني إن هذه خطوة تاريخية. فقال أنت لست بحاجة الى إقناعي، لكن بعد ساعتين خرج وقال لي: آسف. أنت أقنعتني، لكن الجميع يرى الامور بصورة حساسة ويعتقدون أن هذه خيانة".
يتذكر عميراف أنه كان هناك ثلاثة اعضاء، من بين الـ 15 عضواً، صوتوا مع المشاركة في الانتخابات: الحسيني وحنا سنيورة وسري نسيبة، الذين تم اعتبارهم اصواتا معتدلة في القيادة الفلسطينية. شرح نسيبة لصحيفة "هآرتس" أن "الشعور العام كان أن الوقت غير مناسب لذلك". وأضاف عميراف: "بعد ذلك اتصل أبو مازن معي وقال: "أنا آسف حقا، لقد كانت هذه خطوة شجاعة، لكنهم يخافون"، عدت الى تيدي، وقلت له انسحب". لم يقبل تيدي النصيحة وخسر لصالح اولمرت.
لا يستبعد نسيبة وعميراف امكانية أن قرار عرفات الاول كان متعلقا بالمفاوضات التي كانت في مرحلة متقدمة في اوسلو. ربما أنه افترض أنه قريبا سيأتي دور المفاوضات على تقسيم القدس، واعتقد أنه من الافضل للفلسطينيين أن يأتوا اليها من موقف قوة، حتى بثمن اعتراف مؤقت بالسيادة الاسرائيلية. بعد ذلك انضم عميراف الى قمة كامب ديفيد مستشاراً لرئيس الحكومة، ايهود باراك، وقابل هناك عرفات: "كان هذا خطأ تاريخيا، لو تم قبول اقتراحي لكان كل شيء مختلفا". نسيبة غير مقتنع بذلك: "من الصعب معرفة ماذا كان سيحدث. كان يمكن لذلك أن يضعه في موقف افضل للمطالبة بحل الدولتين، لكن من يعرف؟". ومهما كان الامر، فان مهمة عميراف، التي يتم نشرها للمرة الاولى هنا، كانت المحاولة الأقرب للنجاح في إشراك القيادة الفلسطينية في تغيير الخارطة السياسية في القدس.
إن اول من حاول احضار الفلسطينيين لصناديق الاقتراع كان ايضا هو الوحيد الذي نجح، على الاقل بدرجة معينة، ميرون بنفنستي، نائب كوليك ومساعده على مدى سنوات كثيرة، والذي تولى ملف شرقي القدس بعد توحيد المدينة. في الانتخابات الاولى بعد حرب "الايام الستة"، في العام 1969 اتبِع اسلوب اشكالي لكنه ناجع. "الناس كانوا لا يزالون في صدمة، ولم يعرفوا ما هو وضعهم. عندها نشرت شائعة بأن من لا يقوم بالتصويت سيعرض مكانته كمقيم، للخطر"، قال بنفنستي. وقد أقام مركز معلومات للناخبين قرب بوابة يافا، ونظم حافلات وسيارات عمومية لنقلهم الى صناديق الاقتراع. وفي نهاية يوم الانتخابات تبين أن 7500 فلسطيني، 21 في المئة من اصحاب حق الاقتراع في شرقي القدس، قاموا بالانتخاب. كما كان هناك بضع مئات لم يتمكنوا من التصويت. هذا النجاح ظهرت نتيجته في مجلس البلدية: كوليك الذي كان رئيسا لحزب "المعراخ" فاز للمرة الاولى والاخيرة باغلبية مطلقة في مجلس المدينة.
في انتخابات 1973 حاول بنفنستي تكرار ذلك النجاح، لكن حتى ذلك الحين كان الفلسطينيون قد عرفوا أن مكانتهم غير مرتبطة بالتصويت، وفي ذلك الوقت كانت "م.ت.ف" قد تعززت في شرقي القدس وزادت المعارضة للمشاركة في الانتخابات. وصلت نسبة التصويت في حينه الى 7.5 في المئة فقط. ومنذ ذلك الحين تراوحت نسبة التصويت بين ارقام معدودة وبين أقل من 1 في المئة في الانتخابات الاخيرة في العام 2013. الكثير من الناخبين هم عمال فلسطينيون في البلدية. ورغم أن المقاطعة تم الحفاظ عليها بثبات ومتفق عليها من كل التيارات الفلسطينية، تقريبا في كل الحملات الانتخابية في القدس منذ توحيدها بذلت محاولات لجلب السكان العرب في المدينة الى صناديق الاقتراع، وحتى الآن هناك من يعتقدون أنه في تشرين الاول القادم سيحدث هذا أخيراً.
في العام 1998 بعد خمس سنوات على فشل عميراف، جرب عوزي برعام حظه، حيث كان في السابق مدير حملة انتخابات كوليك واصبح وزيرا في حكومة رابين في حينه وأحد رؤساء حزب العمل. "كان عليّ ضغط كبير للتنافس امام اولمرت"، قال. "طلبت اجراء استطلاع اظهر أنه لدى العلمانيين سأفوز عليه بنسبة 10: 1، لكن لدى الحريديين ليس لدي شيء. عرفت أنه لن يتم انتخابي دون تغيير لدى العرب".
برعام كانت له علاقة ممتازة مع القيادة الفلسطينية التي كانت في حينه توجد في رام الله. قبل بضعة اشهر من الانتخابات ذهب الى هناك، والتقى مع عرفات، بوساطة احمد الطيبي: "قلت له أنا لا اطلب منك دعوتهم للتصويت. ايضا لم أكن على يقين من أن هذا سيكون في صالحي. طلبت ألا يمنعهم من التصويت، وألا يشوش علينا إحضارهم الى صناديق الاقتراع". عندما عرض عليه عرفات مبرر الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية أجاب برعام بأن التصويت سيعطي الفلسطينيين قوة للتأثير في مستقبل المدينة. "قال لي أنت مرشح كنا نريد رؤيته، وأنا سأطرح الموضوع للبت فيه". انطباعي كان أنه يميل الى الموافقة على الطلب، قال أولمرت. ولكن بعد فترة قصيرة تلقى برعام مكالمة من رئيس مكتب عرفات أبلغه فيها رفض طلبه. برعام فهم أن احتمال نجاحه معدوم، وقرر عدم التنافس.
بعد عشر سنوات تقريبا جاء دور اركادي غايدماك، وللحظة كان هناك من اعتقدوا أنه قريب من النجاح. قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات التقى في محادثة مطولة مع مفتي القدس، الذي امتنع على الاغلب عن الالتقاء مع جهات اسرائيلية رسمية ومع شخصيات فلسطينية اخرى، وهو يطلق الوعود والمساعدات. رجاله حصلوا على التشجيع من أن صحيفة فلسطينية وصفته بـ"ملياردير من أصل روسي"، دون الاشارة الى أنه يهودي. ولكن في يوم الانتخابات ومثل آخرين قبله اكتشف غايدماك أن الفلسطينيين بقوا في بيوتهم. نسبة التصويت في شرقي المدينة كان ضئيلا، وقد حصل على 3.5 في المئة من الاصوات في كل المدينة.
تقريبا في كل حملة انتخابية كان هناك فلسطينيون ارادوا الترشح، لكنهم ووجهوا بالمعارضة، أحيانا العنيفة، وفي نهاية الامر خضعوا للضغوط. سنيورة، الذي أراد الترشح في 1989 سحب ترشيحه بعد أن تم احراق سيارته. وفي الحملة الانتخابية الحالية يتبين أن هذه الظاهرة ازدادت عن السابق. حتى الآن صرح فلسطينيان من القدس عن نيتهما قيادة قوائم: اياد بيبوح وهو معلم في حي الطور، ورمضان دبش وهو رئيس الادارة المجتمعية في حي صور باهر. في هذا الاسبوع أعلن عن إقامة قائمة اسرائيلية - فلسطينية مشتركة برئاسة احد نشطاء السلام، غرشون باسكن، وعزيز أبو سارة وهو عضو في منتدى العائلات الثكلى وصاحب شركة سياحة في شرقي المدينة.
من ناحية حسابية، الفلسطينيون في القدس يمكنهم احداث ثورة انتخابية في المدينة. رئيس البلدية السابق، نير بركات، حصل في العام 2013 على 111 ألف صوت، في حين أنه في السجل الانتخابي في شرقي القدس هناك حوالي 180 ألف شخص كمسجلين. إلا أن كل من يعرف شرقي المدينة يعرف أن السيناريو الذي يحتل فيه فلسطيني مكتب رئاسة البلدية بعيد عن التحقق. معارضة التيارات المركزية في السياسة الفلسطينية للمشاركة في الانتخابات ما زالت قوية، وحتى لو تم اتخاذ قرار وطني بالمشاركة في الانتخابات، فان اللامبالاة واليأس في شرقي المدينة لن تساهم في زيادة نسبة التصويت.
في هذه الاثناء يقول سري نسيبة إنه سيكون من الخطأ تصويت الفلسطينيين في القدس. "مع أخذ الظروف والاحداث الاخيرة بعين الاعتبار فان هذا سيعتبر من قبل المجتمع الدولي وترامب واسرائيل اخراجا للقدس من المعادلة، وأنه قد تم حل الموضوع". لذلك من المهم الآن للفلسطينيين في القدس القول نحن جزء من الكيان الفلسطيني". يتفق بنفنستي مع ذلك: "أنا لا أوافق على هذه الفرضية، بأنهم يعاقبون انفسهم بعدم التصويت. الناس يعتقدون أن تصويت العرب هو الذي سيحدث التغيير. ولكن بهذا فان الاسرائيليين يزيحون المسؤولية عن أنفسهم، الاضطهاد، والعنصرية، اكثر قوة من التصويت، وجهاز الحكم الاسرائيلي سيستمر في قمعهم. كل ذلك أحلام يقظة، الحل في القدس ليس من خلال صناديق انتخابات البلدية".