المعلومات المتداولة حول خطوات أقدمت عليها القيادة الرسمية واللجنة التنفيذية في إطار تطبيق قرارات المجلس الوطني، والرد على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح. فقد تم استدعاء سفير فلسطين في واشنطن (وهذا ما كنا دعونا إليه في أكثر من تصريح) كما جرى، كما تقول المعلومات، تقديم شكوى نافذة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك وقع الرئيس عباس على طلب انتماء دولة فلسطين إلى 3 وكالات دولية مختصة، هي منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والمنظمة الدولية للحقوق الفكرية والالكترونية. كذلك شكلت لجنة لدراسة كيفية حل قضية الانقسام (!) وأحيلت باقي الملفات إلى لجان لدراستها، من بينها تحديد العلاقة مع إسرائيل، وقضايا أخرى.
نقول «خطوة في الاتجاه الصحيح»، وإن كانت هذه الخطوة قد تأخر بعضها عن التنفيذ لمدة أربع سنوات. وبعضها الآخر اتخذ به قراراً المجلس المركزي في 15/1/2018. علماً أن كل هذه الملفات، كما أعلن أكثر من مرة، قد أحيلت إلى لجان لدراستها ودراسة آليات تطبيقها، وقدمت هذه اللجان اقتراحاتها إلى اللجنة التنفيذية السابقة، التي مازال محمود عباس رئيسها، وصائب عريقات أمين سرها. أي أن الاقتراحات هذه مازالت سارية المفعول في إطار التواصل المفترض في عمل المؤسسة الوطنية.
* * *
في هذا السياق، لدينا ملاحظات أهمها:
• إن جوهر المسألة السياسية، كما تطرح نفسها على الحالة الفلسطينية، هي أن تبقى أسيرة اتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، أم تتحرر منهما. أي أن تبقى تحت سقف أوسلو أو أن تنتهج ما بتنا نسميه «استراتيجية الخروج من أوسلو»، لصالح البرنامج الوطني و«استراتيجية المقاومة والانتفاضة في الميدان، وفي المحافل الدولية»، في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية وباقي المحافل (المجلس العالمي لحقوق الانسان، محكمة لاهاي الدولية..) حتى اللحظة، ورغم قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، وقرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة، مازالت القرارات الهادفة إلى الخروج من أوسلو معطلة. فلم يتم حتى الآن سحب الاعتراف بإسرائيل، ومازالت م.ت.ف تعترف بها وبحقها في الوجود، وهذا أمر غير مفهوم أن يتم الاعتراف بدولة تحتل أرضنا وقدسنا، وتقتل شعبنا، وتنهب ممتلكاتنا، وتشرد الملايين منا وتدمر اقتصادنا وتعتدي على الكرامة الوطنية لشعب بأكمله. وغير مفهوم حتى الآن لماذا لم تصدر القيادة الرسمية بياناً علنياً، يعلن سحب الاعتراف بإسرائيل. وكذلك لم يتم وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، حتى بعد جرائمها في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس المحتلة. وحتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء لفك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، بل نذهب إلى أبعد من ذلك لنقول إن حكومة السلطة الفلسطينية، لم تتقدم حتى الآن باقتراحاتها بشأن «تحديد العلاقة» مع إسرائيل، ولم تلبِ تكليف اللجنة التنفيذية لها بهذا الشأن، ومازالت تزاول أعمالها وفقاً لالتزامات أوسلو والتزامات بروتوكول باريس، متجاهلة قرارات المجلس الوطني، وقرارات المجلس المركزي. وبالتالي، كخلاصة، في هذا الجانب، مازالت الخطوات المتخذة مؤخراً تندرج تحت سقف أوسلو ولم تخرج الحالة الفلسطينية منها.
* * *
• القضية الثانية: إن استدعاء سفير فلسطين في واشنطن تمّ بطريقة دبلوماسية (استدعي للتشاور) دون الإعلان عن إغلاق مكتب م.ت.ف بشكل رسمي، ودون الاعلان عن قطع العلاقة رسمياً (وليس عبر تصريحات عابرة) مع الولايات المتحدة، بما فيها العلاقات العميقة التي تربط جهاز مخابرات السلطة الفلسطينية بالمخابرات المركزية الأميركية وباقي الأجهزة الأمنية، والتي يتابعها في زيارات دورية إلى واشنطن ومدن أخرى و الولايات المتحدة ماجد فرج وزير المخابرات في السلطة.
• أيضاً نلاحظ أن الوكالات التي تمّ التوقيع عليها، هي الوكالات التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تخرج منها. أي أنها الوكالات التي لا يشكل الإنتماء إليها تصادماً مع الولايات المتحدة. وهذا أمر تدركه جيداً القيادة الرسمية، وبالتالي يمكن القول إن الإنتماء إلى الوكالات الثلاث المذكورة أنفاً، وإن كان يشكل خطوة في الإتجاه الصحيح، إلا أنها خطوة قاصرة، وأقرب إلى المناورة، أكثر مما هي تحرر من التعهدات المقدمة إلى الولايات المتحدة مقابل عدم نقل سفارتها إلى القدس. الولايات المتحدة أسقطت «التفاهم» مع السلطة، ونقلت سفارتها إلى القدس واعترفت بها عاصمة لإسرائيل، ومازالت السلطة بالمقابل تلتزم هذه «التفاهمات» في جوهرها، وفي القلب منها مسألة الإلتزام بالتنسيق الأمني، الذي مازال، كما يبدو، «مقدساً» لدى بعض أركان السلطة الفلسطينية.
• أما بشأن قطاع غزة، فلا نعتقد أن المرء يحتاج لأن يكون عبقرياً ليفتح الباب أمام استئناف المصالحة. المطلوب خطوة أولى، هي التي من شأنها فتح الباب وهي: رفع العقوبات عن القطاع، وإعادة الرواتب والحقوق المالية لأصحابها، واستئناف تسديد الموازنات التشغيلية للمؤسسات المعنية، ثم بعدها، إدارة حوار وطني يضع الآليات لحل القضايا العالقة، بعد أن أثبتت التجربة أن «الحوار الثنائي» بين فتح وحماس فشل أكثر من مرة في الوصول إلى بر الأمان. حتى بشأن حادثة محاولة إغتيال الحمدالله، تقدمت القوى الوطنية بإقتراح تشكيل لجنة تحقيق وطنية، ذات مصداقية، تضع النتائج بين أيدي المعنيين، غير أن التعنت عطل هذا الإقتراح. كذلك يفترض الإلتزام من الطرفين بما تمّ الإتفاق عليه في القاهرة في الحوار الوطني في 22/11/2018: تمكين حكومة السلطة الفلسطينية من أداء واجباتها ومسؤولياتها كاملة في قطاع غزة بما يخدم مصالح المواطنين، ويعيد لهم الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي النسبي، بالمقابل أن تدرك السلطة الفلسطينية ورئاستها، وحكومتها، الخصوصية التي يتمتع بها قطاع غزة، في الجانب الأمني. وإذا كانت السلطة تلتزم في الضفة الفلسطينية إتفاق التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون له مكان في قطاع غزة. الحديث عن البندقية الواحدة، هو حديث غامض، ولا يجوز التكلم به من أجل النيل من بندقية المقاومة. نعم، للأمن الداخلي، هناك بندقية واحدة، هي بندقية السلطة الفلسطينية. أما البندقية المقاومة فهي للدفاع عن القطاع بإستراتيجية دفاعية وطنية، معتمدة من قبل الفصائل المعنية، في غرفة عمليات مشتركة وبمرجعية سياسية وطنية جامعة، أيضاً تضم الفصائل والأطراف المعنية، وكل ما هو غير ذلك لا يمكن فهمه إلا محاولة مكشوفة لزرع العصي في الدواليب وزرع الألغام في طريق المصالحة.
الرأي العام الفلسطيني، بعد مجاوز 14و15/5/2018، يتوجه نحو القيادة الرسمية مراقباً ومترقباً في ظل ضعف يقين بجدية هذه القيادة في خوض الإشتباك السياسي والميداني مع الإحتلال. والفرصة سانحة أمام القيادة الرسمية لمعالجة حالة ضعف اليقين هذه، من خلال إنهاء حالة الإنفصال عن الأجواء الشعبية في تصاعدها وتمردها على واقع الإحتلال والإستيطان، وتردد السلطة وسياستها الإنتظارية التي أثبتت فشلها الذريع.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف