نحن في طرف، والأخريات في طرف مقابل، تقريباً. من تحدثت بصراحة أو من طأطأت رأسها بالموافقة. هكذا بدت المعادلة في اجتماع، نسوي رسمي عربي... قادمات من بعض البلدان العربية بهدف نقاش قضايا الأمن والسلام في المنطقة العربية. خط داكن تحت كلمة "بعض"، الوضع العام لا يتقبل إطلاق المعاني على عواهنها في الواقع العربي المستقطب بقوة، درءاً لمخاطر الولوج في الزوايا الحادة. ولإعطاء النقاش فضاءً رحباً، خدمة لحوار مفتوح ومنفتح ومستدام، دون ترهيب.
بعضنا حاول تفسير سياسة النأي بالنفس المتبعة رسمياً، النأي بأنفسنا عن صراعات العرب البينية. هنّ يحاولن تفسير السبب الذي دفعهن للنأي بأنفسهن عن القضية المركزية للعرب، المعنى المقابل والمباشر لسياسة التملص من استحقاق القضية المركزية لفظاً؛ في الماضي والحاضر.
يتنقلون بذرائعهم على منحنى قوس مروحة.. تبدأ من نقطة الانقسام دون النظر إلى الذات، ببعد تحليلي قادر على رؤية؛ أن ذلك الخلاف الفلسطيني جزء لا يتجزأ من خلاف إقليمي، أوسع وأكثر تعقيداً، الجهد العربي لدفع الاستقطاب أبعد. يقذفن بين أقدامنا المعضلة الداخلية، الانقسام والانقسام والانقسام.. تجاهلوا وتناسوا أن مواقفهم لجهة الاحتلال؛ قبل الانقسام لم تختلف عن مواقفهم في أعقابه..
نتحاور في منتصف الزحام العربي بالقضايا الخطيرة. ليس اكتشافاً أننا لسنا من يسيِّر إيقاع الحياة العربية، المسار العربي يؤكد هذه الحقيقة. كنا كذلك في وقت مضى، قبل انمحائنا التدريجي عن مرتبة الأولوية المرافق للتحولات العربية تدريجياً، ومساهمتنا التدريجية في الانمحاء وفقد القدرة على التأثير والتحريك. تحديد مسؤوليتنا عن غياب الأثر، مسؤولية الأدوات والسياسات.. تَرْك القداسة تتحدث عن الحق، بينما الوضع بما آل إليه يتطلب خلق القناعة. الأرض البور تسمح بنمو النبات الشيطاني.
لم نعد نشكل الرأي العربي العام، الإعلام من يفعل الواجب، ففتح علينا باب جهنم، صورة الانقسام وتفاصيله طاغية على ما عداها، تبرر التخلي عن المسؤوليات وتتذرع به، هذا ما أثبته أيضاً الصمت المدوي على مدار خمس وأربعين يوماً بعد انطلاق مسيرة العودة في قطاع غزة.
ما الحل أمام هذه الحالة العربية البائسة؟ ما هي الإجابة الجيدة ضمن واقع التردي العربي؟ مواجهتهم بمقاصد التذرع بالانقسام في سبيل التخلي عن المسؤوليات وتبرير تركنا لمصيرنا المحتوم، قذف التواطؤ تحت السجاد الفاخر. الحل الجيد عندنا نحن. الحل الذي يفعل فعل الحجر لدى اقتحامه المياه الراكدة، إعطاء، نحن الماء، فرصة لتكوين المزيد من الدوائر، النقاش والمواجهة والإقناع، مواجهة ذواتنا بإثم استمرار الانقسام، وقف التنقل في المناطق المكررة، والبحث عن نقاط التوازن. فالحقيقة ليس العرب من يتلطى خلف الانقسام لتبرير الاكتفاء ببيانات إدانة الاحتلال ورميه بالشعارات الجوفاء، بل المجتمع الدولي بأسره يفعل ذلك.
أعود من ذلك الاجتماع الذي ضم برلمانيات من الدول العربية بهموم وهواجس تلاشي الأثر، برلمانيات تشبه مواقفهن مواقف حكوماتهن أكثر من شبههن بناخبيهم. علينا الوقوف أمام مرآة الأداء لرؤية ماذا فعل بنا ولنا الانقسام، ماذا فعل بتاريخنا وصورة نضالنا ضد الاحتلال، كيف أعاد تشكيل الذاكرة ليحل مكان مقاومة الاحتلال وانتهاكاته الجسيمة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف