- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-05-22
تُظهر الأحداث التاريخية بوضوح أن الكيان الإسرائيلي منذ نشأته عبارة عن دولة إرهاب محرضة لإستمرارية الحروب . بواسطة الديانة اليهودية المتعالية والعنصرية والمشبعة بفلسفة الإبادات الجماعية ضد الأغيار (غير اليهود) تم برمجة نفوس معظم يهود العالم لتبني الفكر الصهيوني الإرهابي ، الذي دفع منظمات إرهابية يهودية صهيونية الى ارتكاب مئات جرائم الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين ، والتدمير الكامل لقراهم ومسحها عن الخارطة ، والتطهير العرقي وطرد ثماني مئة ألف فلسطيني من وطنهم لإقامة دولة الكيان الصهيوني الإرهابي ، التي خرقت ولا تزال للآن تخرق كل القوانين الدولية وتقترف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، خاصة ضد المدنيين الفلسطينيين كما حدث مؤخرا في قطاع غزة ، حيث قتل الجيش الإسرائيلي عمداً وبدم بارد 63 مدنيا فلسطينيا وجرح أكثر من ثلاثة آلاف آخرين في يوم واحد أثناء مسيرة العودة السلمية .
قامت الجماهير الفلسطينية بتنظيم مسيرات العودة إبتداءً من 30 آذار في الذكرى 42 ليوم الأرض والذكرى السبعين للنكبة واحتجاجاً على القرار الأميركي بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل . جاءت مسيرات العودة تحقيقا وتذكيرا بقرار 194 لمجلس الأمن الذي يعطي اللاجئين الفلسطينيين حق العودة الى قراهم والى بيوتهم .
قاوم الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني خلال السبعين عاما الماضية من أجل استعادة وطنهم وبناء دولتهم . لكن المؤسسات الدولية بما فيها جامعة الدول العربية خذلت الفلسطينيين ولم تقدم لهم أي مساعدة في تحرير وطنهم وبناء دولتهم بسبب النفوذ المالي الدولي لمنظمة الصهيونية العالمية والضغوط السياسية والاقتصادية للإدارات الأميركية المتتابعة . بل على عكس ذلك بينما منحت هذه المنظمات الدولية الكيان الإسرائيلي الإرهابي الاستعماري ما أسمته بحق الدفاع عن النفس ، حرمت الفلسطينيين حقهم المشروع في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الإسرائيلي . وبينما تتغاضى هذه المؤسسات بصمتٍ قاتلٍ عن الخروقات الإسرائيلية لجميع القوانين الدولية وعن جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين ، خاصة ضد مليوني فلسطيني في قطاع غزة الذي يعتبر أكبر سجن جماعي في العالم وفي التاريخ البشري ، تقوم بدلاً بلوم الفلسطينيين على أبسط أشكال مقاومتهم المشروع للإحتلال الإسرائيلي للمحافظة على أرواحهم وعلى أرواح أولادهم ، مما دفع الفلسطينيون ، في غزة وفي الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة ، الى تنظيم مسيرات العودة السلمية في تعبيرٍ عن حقوقهم السياسية والمدنية . وفي يوم الأربعاء الماضي 17 أيار شارك اللبنانيون اخوتهم الفلسطينيين في الشتات في مسيرة عودة أوصلتهم الى قلعة شقيف وهي أقرب نقطة حدودية الى فلسطين المحتلة لإحياء الذكرى السبعين للنكبة وتأكيداً على التمسك بحق العودة .
ومنذ بدأ مسيرات العودة في 30 آذار الى اليوم اقترف الجيش الإسرائيلي بقناصته المئة على حدود قطاع غزة جرائم قتل متعمد ضد 116 فلسطيني مدني وجرح أكثر من 12000 آخرين ، بما فيهم مراسلين صحفيين وطواقم طبية رغم ألبستهم الرسمية . وقد استعمل جيش الإحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة ضد الفلسطينيين بما فيها الغازات السامة والكيميائية والرصاص المطاطي والرصاص الحي من النوع المتفجر المتسبب بإعاقات خطيرة .
هذه الجرائم الإسرائيلية تُظهر بوضوح طبيعة إسرائيل الإرهابية ، فإسرائيل تأسست على الإرهاب وجرائم إبادة ضد العرب ككل وضد الفلسطينيين خاصة . فقد اعتدى جيش الإرهاب الإسرائيلي على كلٍ من الأردن ولبنان ومصر وسوريا . كما قام العملاء الإسرائيليين باغتيال الناشطين والأكادميين الفلسطينيين أثناء وجودهم في دول أجنبية بما فيها دول أوروبية وأميركية . ورفضت إسرائيل معظم معاهدات السلام العربية كما خرقت اتفاق أوسلو وجرجرت اجتماعات السلام رغم أن الفلسطينيين تنازلوا عن 78% من وطنهم واعترفوا بالكيان الإسرائيلي كدولة . ولكن الحكومات الإسرائيلية المتتابعة لم تكتفي فقط بالسيطرة الكاملة على السلطة الفلسطينية وميزانيتها المالية وأجهزتها الأمنية وجباية الضرائب والبنوك ، بل ازدادت شراسة بمصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء مستعمراتها ، وبتدمير البيوت الفلسطينية بحجة عدم الترخيص ، وباستهداف الأطفال الفلسطينيين وسجن الكثير من الناشطين السياسيين .
من الواضح أن المجتمع الدولي قد تم ترهيبه وإجباره على التواطأ مع الإرهاب الإسرائيلي ، فالمجزرة الإسرائيلية الأخيرة التي قُتل فيها 116 فلسطيني بدم بارد لم تأجج أي رد فعل إنساني لهذه المؤسسات الدولية عدى عن التعبير عن القلق والشذب ودعوات الطرفين بضبط النفس مرددين الإدعاءات السخيفة أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس وكأن المحتجون الفلسطينيين هم المعتدين المدججين بالسلاح ، والمناداة بحل الدولتين الوهمي والذي رفضته إسرائيل . وفي الجهة الأخرى شاهدنا قبل أسابيع قليلة قيام كل من البوارج الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية بقصف مواقع سورية تحت الحجج الكاذبة بحماية المدنيين السوريين من هجومات كيميائية . كما شاهدنا أيضا قيام بعض الدول الغربية بطرد 100 دبلوماسي روسي بعد اتهام روسيا بتسميم العميل المزدوج سيرجي سكريبال رغم انعدام الدلائل على ذلك ورغم عدم موت أي شخص في هذه العملية . أما في الحالة الفلسطينية فلم نرى أي بوارج تقصف أهدافا إسرائيلية لحماية المدنيين الفلسطينيين ، ولم تقم أي دولة (عدى تركيا) بطرد أي دبلوماسي إسرائيلي . بل على العكس فقد شاهدنا بعض الدول العربية تشارك الكيان الإسرائيلي المحتل باحتفالاته في ذكرى اغتصاب فلسطين (ما سُمي بعيد الإستقلال) كما حدث في السفارة الإسرائيلية في قلب مصر العربية ، بينما قامت كل من السعودية والبحرين والإمارات باتهام حماس بإرسال الأطفال الفلسطينيين الى موتٍ رخيص .
المجتمع الدولي مُرهبٌ من خطة "خيار شمشوم" الإسرائيلية التي أعلنتها إسرائيل مهددة بقصف عواصم العالم الغربي بقنابل نووية . العالم كله يدرك أن إسرائيل كيان مارق إرهابي لا يحترم القوانين الدولية ، وأن الإسرائليين يضمرون احتقاراً فجاً لكل شعوب العالم لأنهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار بينما الشعوب الأخرى عبارة عن أرواح حيوانية خلقها الله لخدمتهم . فعدا عن اعتداءاتهم ضد جيرانهم العرب اقترف الإسرائيليون جرائم إرهابية في العواصم الأوروبية وعواصم أميركا اللاتينية عازينها "لإرهابيين عرب" ، وقاموا بتخريب المفاعل النووية اليابانية عقابا لهم بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية، وقامت البحرية الإسرائيلية بأعمال قرصنة ضد الأساطيل الدولية الإنسانية لمساعدة غزة ، وتسببوا بانهيارات اقتصادية لبعض الدول عبر سيطرتهم على صندوق النقد الدولي (IMF) التابع للأمم المتحدة وسيطرتهم على البنك المركزي الأميركي (Federal Reserve)، كما اقترفوا جريمة هجمات الحادي عشر من أيلول لإجبار الإدارات الأميركية على مهاجمة وتدمير وفرض عقوبات على الدول التي تتجرأ على مواجهة الجرائم الإسرائيلية ودعم أو الإعتراف بالحقوق الفلسطينية .
أصبحت منطقة الشرق الأوسط ساحة دائمة لحروب مستعرة منذ أن أُنشأت إسرائيل في قلبها . فالمشروع الرئيسي للصهيونية العالمية هو إقامة دولة إسرائيل الكبرى العنصرية على أنقاض وحطام جميع الدول العربية وإبادة الشعوب العربية بلا إستثناء والقضاء على أي قوة في المنطقة – مثل إيران وتركيا- التي قد تهدد هذا الوجود اليهودي الصهيوني. وجاءت المقاومة الفلسطينية أول عقبة في تحويل فلسطين الى نقطة انطلاق لهذا المشروع .
إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين حكم على المنطقة كلها أن تعاني من مستقبل مليء بالحروب وبالدمار وبالفوضى وبالإبادات الجماعية كما حدث في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ، ولاخلاص للعرب إلا بالطرد الكامل للإسرائيليين خارج فلسطين ليعودوا الى البلاد التي خرجوا منها، وإعادة الوطن الى أصحابة الأصليين -الفلسطينيين- لبناء الدولة الفلسطينية الحرة لتكون نواةً "لولايات عربية متحدة" تحت حكم واحد للمحافظة على سلام شامل .
يجب أن نتذكر دائما أن صراعنا الحقيقي مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود وليس مجرد صراع حدود . فإسرائيل لا تملك إلا الإبادات الجماعية للفلسطينيين كما أظهر تاريخها عبر 70 سنة وكما يهدد سياسيوها وجماهيرها يوميا . بعد سرقة وطننا ، وهدم مدننا وبيوتنا ، وذبح أطفالنا ، وسجن رجالنا ونسائنا ، وسجن جماهيرنا وتجويعها في أكبر سجن جماعي في التاريخ العالمي ، ورفض تنازلاتنا عن حقوقنا لتحقيق السلام ، ومسيراتنا السلمية التي لم تلق إلا تعصباً وإرهابا وقمعا إسرائيليا وإهمالا عربيا وعالميا لم يبق لنا -نحن الفلسطينيين - إلا تبني نفس الأساليب الصهيونية الإرهابية التي تطبقها إسرائيل ضدنا : قسوة أعظم من قسوتهم وإرهابا أكثر تطرفا من إرهابهم . بدل من المقاومة السلمية العقيمة التي تنادي بها السلطة الفلسطينية والتي لا تجني إلا موتاً بخساً لأجيالنا الفلسطينية الشابة ، على هذه الأجيال أولاً التخلص من القيادات الفلسطينية الحالية البالية والمتواطئة مع الإحتلال ، وتكوين قيادة جديدة شابة وطنية تقود الجماهير الى المقاومة المسلحة التي تعطى قيمة وطنية لأرواحهم بدل أن تُزهق رخيصة برصاص الإسرائيليين . فالكيان الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة ولغة الموت ، ولا يخاف ولا يُهزم إلا بالمقاومة المسلحة الفعالة كما أثبت حزب الله ذلك . فليكن محاربي حزب الله مثالاً للأجيال الفلسطينية في استعادة وطنهم وكرامتهم وحريتهم .
لا توجد فرصٌ للسلام في منطقة الشرق الأوسط طالما الكيان الإسرائيلي متربعا في قلبها ، فالعقلية والنفسية الإسرائيلية مشبعة بديانةٍ عنصرية تنادي بإبادة الآخرين الأغيار. العالم ليس ضد إسرائيل كما يدعون ، بل إسرائيل ضد كل شعوب العالم -الأغيار الذين لم يختارهم إله إسرائيل العنصري .