- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2018-07-08
يقول المراقبون إنه حسناً فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حين رفض عرضاً أميركياً، تولت لندن تقديمه، يقضي بعقد لقاء في العاصمة البريطانية، وبرعاية وزارة الخارجية، يضم، إلى جانب الرئيس الفلسطيني، المبعوثين الأميركيين إلى المنطقة جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، وعدداً من ممثلي الدول العربية، وبالتحديد، العربية السعودية، ومصر والأردن.
ويضيف المراقبون أن لندن، وهي تعرض على الرئيس عباس اقتراحها، حاولت أن «تدور الزوايا» مستعينة بما كان قد صدر عن الخارجية الأميركية من أن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يحدد ولم يعّرف «القدس» ولم يرسم حدودها، وأن هذا الأمر مازال متروكاً للمفاوضات للبت به. وبالتالي، فإن «صفقة القرن»، كما أن الاعتراف ترامب بالقدس كان هدفه «إحداث صدمة سياسية» في المنطقة، و «حراكاً سياسياً» بعد الجمود الذي وصلت إليه العملية التفاوضية مع الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما، وفشل وزير خارجيته جون كيري وتوفير الظروف لاستئناف هذه العملية. وفي هذا السياق حاول الدبلوماسيون في لندن التخفيف من وطأة المواقف الأميركية المنحازة لإسرائيل، بالقول إن قضايا الحل الدائم ستحسم إلى طاولة المفاوضات، وما الهدف من الدعوة للقاء لندن، مع كوشنر وغرينبلات وبحضور المسؤولين العرب، إلا من أجل «إزالة سوء التفاهم» والعراقيل التي مازالت تعطل استئناف المفاوضات.
(2)
يضيف المراقبون أن الدبلوماسية البريطانية، التي دخلت في الأسابيع الأخيرة على خط قضية الشرق الأوسط، رغم انهماك لندن بهموم خطة «البريكست» والخروج من الاتحاد الأوروبي، تحاول أن تقدم دعماً سياسياً للثنائي كوشنر – غرينبلات بالاستناد إلى العناصر التالية والتي تراها «إيجابية» ومساعدة:
• أن الرئيس عباس لم يطوِ صفحة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ومازال يرى في المفاوضات خياراً وحيداً للوصول إلى الحل مع تل أبيب، والدليل على ذلك عرضه لما يسمى «رؤية الرئيس» من على أعلى منبر في العالم، أي مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، مجدداً استعداده للالتزام باتفاق أوسلو، متجاوزاً قرارات المجلس المركزي. وحتى في المجلس الوطني، طلب عباس، في الجلسة الافتتاحية، من أعضاء المجلس تبني «رؤيته» باعتبارها استراتيجيته الفلسطينية للحل مع إسرائيل. وبناء عليه – والقول للدبلوماسية البريطانية – فإن موقف عباس يشكل أرضية صالحة للبحث في شروط العودة إلى المفاوضات.
• أن الرئيس عباس لا يقاطع الولايات المتحدة وإدارة ترامب بشكل كامل. وأن مقاطعته تقتصر على الثنائي كوشنر وغرينبلات، وتطال بعض المسؤولين الأميركيين الراغبين بعقد لقاءات علنية معه لبحث القضية الفلسطينية. لكنه في الوقت نفسه حافظ على قناة مفتوحة مع واشنطن على أكثر من خط، منها خط ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات في السلطة، الذي لم ينقطع عن زيارة واشنطن مبعوثاً للرئيس عباس، فضلاً عن الدور الذي يلعبه مكتب م.ت.ف في واشنطن، الذي مازال مشرع الأبواب، وفقاً للشروط الأميركية وتحت سقفها «التشاور بشأن قضية الشرق الأوسط». فضلاً عن «وسطاء» و«مستشارين»، يقال إن الدكتور سلام فياض، رئيس الوزراء السابق في السلطة الفلسطينية، والأستاذ في إحدى الجامعات الأميركية، دخل على هذا الخط، وهو ما يفسر، على سبيل المثال، لماذا امتدت زيارته «للاطمئنان على صحة أبو مازن» إلى حوالي الساعتين ونصف الساعة. وبالتالي فإن بقاء خط الاتصال بين رام الله وواشنطن يشكل مؤشراً إضافياً، يشجع على العمل «للتقريب» بين الطرفين، الفلسطيني والأميركي.
• إن الولايات المتحدة مازالت تدير حواراً «غير مباشر» مع رام الله. فأبواب العواصم العربية، التي تعتبر نفسها معنية بـ «صفقة القرن»، مازالت مشرعة أمام الوفود الأميركية (كوشنر وغرينبلات، وزير الخارجية بومبيو، ونائب الرئيس الأميركي وغيرهم)، منها الجولة الأخيرة للثنائي الأميركي التي طالت الرياض والقاهرة وأبوظبي والدوحة وعمان (وكذلك إسرائيل) والتي تناولت الملفات المختلفة لـ «صفقة القرن». ومما لاشك فيه أن زيارة الوفد الفلسطيني، المؤلف من صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية، ورئيس دائرة المفاوضات، وماجد فرج، رئيس المخابرات، إلى عمان، بعيد سفر الثنائي الأميركي، كانت للاطلاع على نتائج جولة الوفد الأميركي. كما أن الزيارة المطولة للعاهل الأردني، إلى واشنطن (الأسبوع الأخير من الشهر الماضي) في أعقاب ما شهدته الأردن من حراك شعبي، وما تسرب من العاصمة الأردنية عن ضغوط تتعرض لها الحكومة الأردنية للانخراط في «صفقة القرن» والتراجع عن تحفظاتها ومعارضتها لعدد من القضايا، ومنها قضية القدس، تؤكد لبريطانيا أن الحالة العربية، المعنية منها بشكل مميز بالملف الفلسطيني، سيكون لها الدور «المنتظر في إقناع» الجانب الفلسطيني للخروج من «سلبيته» نحو «صفقة القرن» والبدء بالتجاوب التدريجي مع تداعياتها ايجاباً.
• كما ترى لندن في السياق نفسه، أنه آن الأوان لإستثمار الضغوطات المالية على السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث، من بينها قرار واشنطن تجميد مساعداتها للسلطة، وتخفيض تمويلها للأونروا، وقرار تل أبيب مصادرة أموال المقاصة بذريعة إنها تدفع لعائلات الأسرى والشهداء، وقرار استراليا حجب تمويلها للسلطة، وقرار الكونغرس تفويض الرئيس ترامب فرض العقوبات على الشركات الأميركية التي تقاطع إسرائيل. هذه كلها إجراءات ضاغطة تعتقد لندن أن من شأنها أن تليّن (إلى حدما) مواقف القيادة الرسمية الفلسطينية، لتعود الى التواصل مع الفريق الأميركي المعني بـ«صفقة القرن».
(3)
يبقى السؤال: لماذا ترغب لندن في الإسهام في إنجاح « صفقة، القرن».
يقول المراقبون إن طلب التدخل البريطاني جاء من واشنطن نفسها. إذ يدرك الدبلوماسين الأمريكيون أن لندن تتميز عنهم. بعمق معرفتها بخصوصيات الشرق الأوسط. فهي واكبت أوضاعه منذ ما قبل إنهيار الإمبراطورية العثمانية، وكانت لاعباً مركزياً في إعادة رسم خرائطه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبناء أقطار عربية، وفقاً لرؤية استراتيجية استعمارية لها فلسفتها الخاصة. وبالتالي تمتلك لندن مخزوناً من الخبرة في دقائق الشرق الأوسط وتفاصيله، بما في ذلك التمايزات بين شعوبه العربية بتقاليدها وميولها وتشكيلاتها الاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها؛ وأن ما يصلح في الرياض قد لا يصلح في عمان، وأن ما يصلح في أبو ظبي قد لا يصلح في القاهرة، الأمر الذي يوجب إدارة الأمور بكثير من الدقة والحساسية والمعرفة المستندة الى خبرة استعمارية بعيدة المدى زمنياً في تاريخ المنطقة.
ويرى المراقبون إن تعويل واشنطن على دور للندن، ما كان ليحصل لولا العراقيل التي وقفت في طريق «صفقة القرن»، منها الرفض الفلسطيني، على تفاوت حدته بين طرف سياسي وآخر، والإعتراض الأردني والمصري بشأن القدس ومصير غزة ومستقبل الكيان الفلسطيني وعلاماته السيادية. ولم يعد سراً أن لندن رشحت نفسها، في هذا السياق لإستضافه مؤتمر إقليمي، تمهيداً لإطلاق المفاوضات بضم الولايات المتحدة، والدول العربية المعنية، وألمانيا، وفرنسا (الاتحاد الأوروبي) ويستبعد الأمم المتحدة وروسيا والصين.
لكن لندن ترى أن نجاح «صفقة القرن» لا بد أن تقدم للجانب الفلسطيني ما يمكن وصفه بـ«العرض الذي لا يمكن رفضه»؛ أما «العروض التي لا يمكن قبولها» فهي وصفة ممتازة لتعطيل المفاوضات.
(4)
يصبح السؤال: ما هو العرض الذي لا يمكن للفلسطينيين (والعرب) أن يرفضوه بحسب التقديرات البريطانية؟
يقول المراقبون إن العرض البريطاني يحاول أن يمزج بين «صفقة القرن» و«حل نتنياهو الإقتصادي»، و«بعض قرارات الأمم المتحدة» و«بعض تطلعات الفلسطينيين»؛ وبحيث يكون العرض متوازناً، بشكل أساس «الحد الأدنى المقبول» من كل الأطراف ذات الصلة.
ويترجم البريطانيون هذه الاستراتيجية بالتفاصيل التالية:
1) لا يمكن تجاوز رغبة الفلسطينيين وتطلعهم نحو «دولة خاصة بهم»، لذلك على أي حل أن يتبنى «حل الدولتين»، على قاعدة أن تكون الدولة الإسرائيلية هي «وطن الشعب اليهودي»، والدولة الفلسطينية هي «وطن الشعب الفلسطيني»، وهذا يستجيب الى حد ما للقرار 181 الذي قضى بتقسيم فلسطين الى دولتين «يهودية» و«عربية». هذا الأساس للحل ــ تقول لندن ــ هو المدخل الوحيد لإعادة الجانب الفلسطيني الى المفاوضات، كما أن ضمانة «يهودية الدولة الإسرائيلية»، من شأنه أن يضمن مستقبل المشروع الصهيوني؛ كما كفله «وعد بلفور» عام 1917.
2) تكون الدولة الفلسطينية «منزوعة السلاح». وتقول لندن إن هذا الشرط وافق عليه أكثر من مرة الرئيس عباس. وهو «ضمانة أمنية لإسرائيل» وبالتالي هذا يوجب أن يكون بين الطرفين تعاون وتنسيق أمني، بما يوفر الأمن «للطرفين»، على أن تتعهد إسرائيل بالحفاظ على «المظاهر السيادية» للدولة الفلسطينية من خلال ادخال تغييرات على مظاهر الوجود العسكري الإسرائيلي، إن على الحدود (كما تشترط إسرائيل) أو في المواقع التي ترى تل أبيب ضرورة انتشارها في المناطق الاستراتيجية من الدولة الفلسطينية.
3) يتم الاتفاق على خطة لإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وإنسحابه من مناطق الدولة الفلسطينية يأخذ بعين الاعتبار تجربة إعادة الانتشار من قطاع غزة، وبحيث لا تكون مناطق الدولة الفلسطينية مصدر خطر أمني على إسرائيل، وبحيث يتم الإنسحاب تدريجياً وفق خطة أمنية إسرائيلية، يكون تطبيقها رهناً بمدى قدرة الدولة الفلسطينية على الإمساك بأمنها الداخلي وخبطه وإستجابتها لبرتوكولات التعاون الأمني مع الدولة الإسرائيلية.
4) لا مانع من الإستجابة للطلب الفلسطيني بإنتشار قوة دولية في بعض النقاط، خاصة الحدودية، ولا مانع من أن تكون هذه القوة قليلة العدد، لكن يجب أن تتمتع بالصلاحيات الكاملة وبقواعد إشتباك صريحة تمكنها من التعامل مع أي مستجد أمني ترى أنه يشكل خطراً على أمن إسرائيل.
5) تبقى الحدود قضية تفاوضية بين الجانبين، أساسها خطوط حزيران 67، ويتفق الطرفان على أسس تبادل الأراضي الذي سيتم التوصل إليه بما يستجيب لمصالح الطرفين، في جوانبها الأمنية والدينية وغيرها.
6) تبقى القدس هي الأخرى قضية تفاوضية، خاصة وأن القرار 181 قضى بتدويلها. يمكن البحث في هذا السياق بوضع المدينة، من خلال فصل المناطق المقدسة عن صلاحيات الطرفين، وبحيث يتم تدويلها بما يخدم مصالح الأديان كلها وبصيغة تسهل على «الأديان الثلاثة» واتباعها ممارسة شعائرها ومعتقداتها دون عوائق (الأمر الذي يطرح قضية حائط البراق، وساحة الأقصى وغيرها من الأماكن كحق من حقوق اليهود، ويطرح في السياق التقاسم الزماني والمكاني للأقصى على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل كسابقة تحتذى). أما حدود «القدس» فيتم رسمها عبر المفاوضات، بحيث تكون «للدولتين» وفق صيغة متفق عليها، إما موحدة وإما منفصلة، ويكون لكل «قدس» اسمها الخاص [يروشلايم اليهودية، والقدس العربية].
7) تضم المستوطنات إلى إسرائيل. أما المستوطنات المتفرقة والتي يصعب ضمها فتدرس أوضاعها بأحد الإتجاهين: إما العودة لإسرائيل مع تعويضات مجزية، وإما البقاء مكانها، وتمنح الدولة الفلسطينية هؤلاء المستوطنين الجنسية الفلسطينية: «وكما أن هناك عرباً في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية يمكن تصور وجود يهود مواطنين في الدولة الفلسطينية».
8) يكون قطاع غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية ويتم تفعيل الممر الأمني بين الضفة والقطاع عملاً بإتفاق أوسلو.
9) قضية اللاجئين الفلسطينيين هي الأكثر تعقيداً بين قضايا الحل الدائم. ويمكن طرح أكثر من حل للوصول إلى إتفاق دائم. من بينها:
• توطين اللاجئين في الدول المضيفة أو في دولة ثالثة وفق مبدأ «توفير مكان سكن دائم للاجئ» عملاً بإتفاق «جنيف ـــــــ البحر الميت».
• إستعادة ما طرح في كامب ديفيد 2(2000): بجمع شمل اللاجئين المولودين في فلسطين عام 48 وما قبله، مع أهلهم في إسرائيل، من دون ذريتهم.
• دراسة إمكانية إستيعاب بعض اللاجئين، في الدولة الفلسطينية على أن يعودوا إليها على دفعات سنوية، يتم الإتفاق عليها وبما يتناسب مع قدرة الدولة الفلسطينية على الإستيعاب.
وفي حال الإتفاق على حل لقضية اللاجئين، يعتبر ما تم الإتفاق عليه «هو التطبيق العملي للقرار 194».
10) هذا الحل، بعناصره كافة، بإمكانه الإستجابة لتطلعات الجانبين. وفي حال تم قبوله من قبل الطرفين، سيقوم المجتمع الدولي يتحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية لدعم الطرفين بما في ذلك تمويل المشاريع التنموية التي توفر الإستقرار في المنطقة. وكذلك توفير التمويل اللازم للتعويض على اللاجئين الفلسطينيين ومساعدتهم على الإندماج في المجتمعات الجديدة لتوطينهم.
11) هذا الحل يمكن العرب من الإعتراف العلني بإسرائيل، والعمل على دمجها في المنطقة وفقاً لمبادرة القمة العربية في بيروت (2002).
12) هذا الحل سيوفر الإعتراف الدولي بدولة فلسطين بما في ذلك إقامة سفارات للدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية في القدس (العربية)، ويزيل العقبات أمام الدول لنقل سفاراتها إلى «يروشلايم» (القدس الإسرائيلية).
■■■
يبقى السؤال: إلى أي مدى ستعتمد واشنطن أفكار لندن «لتطوير» «صفقة القرن»؟
• وما هو تأثير هذه الإقتراحات على مواقف القيادة الرسمية الفلسطينية. هل تعتبرها أساساً صالحاً للنقاش، ولعودة العلاقة مع مبعوثي واشنطن. أم أنها ستبقى عند رفضها للعرض الأميركي «بتحسيناته» البريطانية؟
• وأخيراً وليس آخراً: متى ستكتشف القيادة الرسمية عن موقفها أم أن هذا الصمت يخفي وراءه ما يخفيه؟معتصم حمادة