- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2018-07-19
كتب وسام زغبر ـــــ غزة
■مائة يوم على مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية على قطاع غزة الشجاع، التي انطلقت في ذكرى يوم الأرض الخالد في 30 آذار/ مارس 2018، أبدع الشعب الفلسطيني في استخدام الأساليب البدائية والبسيطة النضالية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وإرباك حساباته وإيقاع خسائر فادحة في صفوف جنوده المدججين بأعتى أنواع الأسلحة الفتاكة.
وبعد أشهر من إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6/12/2017 ونقل سفارة بلادها إليها في الذكرى السبعين للنكبة، اتفقت القوى الوطنية والإسلامية وفعاليات وطنية على تشكيل جسم وطني جامع أطلقت عليه «الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة» (الجبهة الديمقراطية، فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، وقوى وشخصيات وفعاليات مجتمعية) تأكيداً على الحقوق الوطنية وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها، في مواجهة مساعي الإدارة الأميركية شطب حق العودة.
وشهد قطاع غزة اجتماعات مكثفة لقيادات الفصائل والقوى الفلسطينية والفعاليات الوطنية قبل أيام من انطلاق مسيرة العودة الكبرى، التي أكدت ضرورة رد الاعتبار لأساليب المقاومة الشعبية. وجرى الاتفاق على موعد انطلاق المسيرات من مختلف مناطق قطاع غزة نحو السياج الشائك شرق القطاع، في ذكرى يوم الأرض.
وجرى الاتفاق وطنياً على تبني رؤية متكاملة لشكل وطبيعة الفعاليات، بإقامة خيام للاجئين، وحملت خيام العودة أسماء قرى ومدن فلسطينية (هُجر أهلها قسراً) في خمس مناطق شرق قطاع غزة تبعد 700 متراً عن السياج الشائك، حفاظاً على حياة المتظاهرين المدنيين، والاشتباك مع الجنود الإسرائيليين بوسائل سلمية لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية والمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار 194 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين عن سنوات شقاءهم وضررهم.
تغيّر قواعد الاشتباك
تميزت مسيرات العودة بتغيير قواعد الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في حصارها وخناقها الظالم على قطاع غزة للعام الثاني عشر على التوالي. ونجحت في فرض قواعد اشتباك سياسي وميداني بشكل مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوقف يوماً عن عدوانه وحصاره وقتل واستهداف المدنيين العزل وممتلكاتهم في ثلاثة حروب عدوانية الأكثر دموية.
اختار المنظمون أيام الجُمع من كل أسبوع، لتكون موعداً للاشتباك بالحجارة مع جنود الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الحدودية شرقي محافظات قطاع غزة الخمس. وأطلقوا على أيام الجُمع تسميات عدة تنبع من روح المبادرة لدى الشباب المشارك، على غرار جمعة «العودة الكبرى»، وجمعة «رفع العلم الفلسطيني» وجمعة «مليونية العودة» و«مليونية القدس» ..الخ.
تشير إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء وصل بعد 100 يوم على مسيرات العودة إلى 138 شهيداً بينهم 19 طفلاً واثنين من الطواقم الطبية واثنين من الصحفيين وامرأتين ونحو 16300 جريحاً بينهم أكثر من 380 وصفت جراحهم ببالغة الخطورة، و55 حالة بتر غالبيتهم أطراف سفلية، و2600 طفل و1200 سيدة.
ولا تشمل هذه الإحصائية 5 شهداء تحتجزهم إسرائيل، كما لا تشمل الطفلين اللذين استشهدا في القصف الإسرائيلي لمبنى الكتيبة غرب مدينة غزة في التصعيد الأخير على القطاع، وبذلك يصل إجمالي عدد شهداء مسيرات العودة إلى 145 شهيداً.
شكلت مسيرة العودة ثلاث محطات هامة، هي انطلاق شرارة المسيرات في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض الخالد في 30/3/2018، و«مليونية العودة» في الذكرى السبعين لذكرى النكبة الفلسطينية في 14/5/2018 و«مليونية القدس» في الذكرى الواحدة والخمسين لذكرى نكسة عدوان حزيران/يونيو 1967.
واستطاعت مسيرة العودة لفت أنظار العالم للقضية الوطنية الفلسطينية بعد ضياعها بين ثنايا المفاوضات العقيمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وخلافات الانقسام الداخلي العبثي بين طرفي الانقسام في حركتي فتح وحماس.
إعدام المسعفة رزان النجار
رغم استخدام الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة والمميتة ضد المدنيين العزل وإيقاع عدد كبير من الشهداء والجرحى في الجمعة الأولى من مسيرات العودة، باستشهاد 16 مواطناً وجرح أكثر من 1400 آخرين بجروح مختلفة بالرصاص الحي والمتفجر واستنشاق الغاز المسيل للدموع. وفي جمعة «مليونية العودة» في 14/5/2018 بالذكرى السبعين لنكبة فلسطين استشهد 63 مواطناً وجرح نحو 2400 آخرين، واستهداف المسعفين والممرضات والصحفيين والأطفال والنساء والرضع، إلا أن الشعب الفلسطيني أصر على مواصلة نضاله وإبداعه في مقاومة الاحتلال مستعيداً جزءاً من تجربة الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987، انتفاضة الحجر والمقلاع والكوشوك والكمامات إضافة إلى الطائرات الورقية والبالونات الحارقة الذي أطلق عليها الاحتلال «القوة التي تسقط من السماء»، إلى قص الأسلاك الشائكة واجتيازها نحو أراضي 48 ما جعل الفلسطيني أيقونة للنضال الوطني.
استشهدت المسعفة رزان النجار - ابنة اتحاد لجان العمل النسائي الفلسطيني الإطار النسائي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين- برصاص الاحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة 1 حزيران/يونيو 2018 أثناء إسعافها للجرحى والمصابين في مسيرة العودة شرق خانيونس جنوب قطاع غزة.
ولاقت عملية إعدامها بدم بارد ردود أفعال محلية وعربية ودولية، أبرزها، لمبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسطنيكولاي ملادينوف الذي قال «الموظفون الطبيون ليسوا أهدافا». وأكد أنه «على إسرائيل ضبط استخدامها للقوة». مشدداً على أن «التصعيد لا يؤدي إلا إلى فقد المزيد من الأرواح».
وأعربت الأمم المتحدة، عن الغضب إزاء استشهاد المسعفة الفلسطينية رزان النجار علي يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوجريك بمقر المنظمة الدولية في نيويورك إن «رزان النجار هي فتاة ذات 21 ربيعاً تطوعت للعمل كمسعفة وقتلت أثناء قيامها بواجباتها الإنسانية».
وأشار إلى أن مكتب تنسيق الشئون الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أصدروا بيانا مشتركا أكدوا فيه أن «قتل موظفة طبية معروفة بشكل واضح من جانب قوات الأمن الإسرائيلية خلال مظاهرة، أمر يستحق الشجب بشكل خاص».
وأطلق الفلسطينيون على بعض شهداء مسيرات العودة أسماء عدة، منها، محمد أيوب طفل العودة، وعبد الفتاح عبد النبي أيقونة الكوشوك، ورزان النجار ملاك الرحمة، وياسر مرتجى عين الحقيقة وقائمة طويلة أخرى.
انتصرت الجمعية العامة للأمم المتحدة (120 دولة) لصالح قرار توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان سلامة وحماية المدنيين، واتخاذ خطوات فورية من أجل إنهاء الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ 11 عاماً على قطاع غزة، ليتم السماح بدخول المساعدات الإنسانية وضمان حرية التنقل والحركة. كما شجب القرار «الاستخدام المفرط والعشوائي للقوة» من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك شجب استخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين الفلسطينيين والصحافيين والعاملين في المجال الصحي.
والتصقت حياة الفلسطينيين في قطاع غزة بمسيرات ومخيمات العودة، ففيها الفن والثقافة والتراث، والمجالس العائلية والشباب والمحاضرات الجامعية وحياة السمر واللهو. ويشارك مئات الجرحى من مصابي مسيرات العودة في كل جمعة في مناطق الاشتباك الخمس مع الاحتلال الإسرائيلي.
ممرات.. وثغرات.. واستفراد
يرى المراقبون أن مسيرات العودة أثمرت، حين تجاوبت الإرادة المصرية مع مطلب سكان القطاع في تمديد عمليات فتح معبر رفح، بعد أن أغلق لفترة طويلة ألحقت أضراراً بالسكان. كما يضيف هؤلاء أن من أهم ثمار هذه المسيرات، أنها حولت الاحتقان والانفجار الداخلي، الذي كان الجميع يتوقعه في وجه حركة حماس، الطرف القائم بالسلطة في القطاع، إلى انفجار في الاتجاه الصحيح، فهي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي صوبت المسيرات هذه بوصلة النضال في الاتجاه الصحيح، وأسقطت المحاولات الدؤوبة كتحويل الانفجار والصراع إلى فلسطيني داخلي.
ومع أن الفصائل الفلسطينية، شكلت فيما بينها هيئة وطنية عليا، لإدارة شؤون المسيرات في الميادين المختلفة، إلا أن المراقبين لا يترددون في توجيه الانتقاد إلى بعض سلوكيات التفرد بالقرار من بعض أطراف حركة حماس، مما قد يسيء إلى تجربة العمل المشترك، ويضعف روح التعاون، ويبدد الجهد الوطني في معالجة الخلافات الداخلية، التي يمكن تجاوزها من خلال الالتزام الثابت بمبادئ العمل المشترك والالتزام بما يتم الاتفاق أو التوافق عليه.
كما يضيف المراقبون ملاحظين أن بعض وسائل الإعلام العربية والدولية حاولت أن تشوش على مسيرات العودة من خلال الإدعاء أن حماس وحدها تقف وراءها. وفي هذا الصدد يقول المراقبون أن على حماس أن تنتبه إلى خطورة هذا الأمر، وأن لا تعتقد للحظة، أنه يشكل خدمة لها، بل هو محاولة لتحميلها وحدها «مسؤولية» مسيرات العودة، وبالتالي محاولة جرها إلى مربعات سياسية لا تخدم المصلحة الوطنية، لإدخال قضية مسيرات العودة في سباق المشاورات والمباحثات التي تجريها بالواسطة مع الجانب الإسرائيلي بشأن تبادل الأسرى. وفيما لو أن حماس، تؤكد على الدوام، أن مسيرات العودة هي قرار وطني، وليست قراراً حمساوياً، لاتخذت المسيرات بعداً وطنياً أعمق، ولأسهمت المسيرات أكثر وأكثر، وبسرعة أكبر في صنع الوقائع الإيجابية في خدمة القطاع وسكانه.
بالمقابل لا يتردد المراقبون في انتقاد اللجوء إلى بعض الممارسات التي لا تخدم مسيرات العودة وأهدافها بل تعود بالضرر على سكان القطاع، كالتسلل، على سبيل المثال، طرف معبر كرم أبو سالم، ما يبرر لسلطات الاحتلال إغلاقه، وفرض الحصار على السكان، بينما المطلوب هو كسر الحصار وليس تشديده.
وحسب مراقبين، فإن مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة استطاعت كسر معادلة الرعب لدى الفلسطينيين وأثبت قدرتهم بأدواتهم البسيطة على إفشال المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تميزت بتجهيزات وأسلحة كبيرة.
ويرى مراقبون أن ارتفاع فاتورة الشهداء والجرحى وعدم إنصافهم أضعف من التعاطي معها شعبياً، مع ضرورة تقليل الخسائر البشرية بالتقيد بالتعليمات الصادرة من الهيئة الوطنية بالتظاهر والاحتشاد على مسافة 300 متراً من السياج الشائك، وتطوير التكتيكات في سياق التوعية والتدريب والعمل على منع انجرار المسيرات نحو العسكرة التي يسعى الاحتلال نحو شيطنتها.
تصدرت مسيرة العودة العنوان الأبرز على جدول اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلي «الكابينيت»، وكيفية تعامل جيش الاحتلال في منع مسيرات العودة، باستخدام كافة وسائل الترهيب والتخويف ضد آلاف المواطنين بكافة فئاتهم العمرية، سواء بإلقاء آلاف المنشورات التحذيرية واستخدام «القوة المفرطة والمميتة» في قمع المواطنين المشاركين في مسيرات العودة.
إذ تتخوف إسرائيل من اجتياز آلاف الفلسطينيين للحدود والتمترس في الجهة المقابلة من الشريط الحدودي ما سيجعل الخيارات الإسرائيلية لمواجهتهم محدودة ومن ضمنها «الاستخدام المفرط للقوة».
كما تصدرت البالونات الحارقة والطائرات الورقية اجتماع الكابينيت الإسرائيلي، فأصدر تعليماته لجيش الاحتلال بمواصلة تطبيق سياسته الحالية في غزة والرد عسكريًا على كل إطلاق من القطاع بما يشمل حتى البالونات والطائرات الورقية الحارقة.
وكما تقول سلطات الاحتلال فقد تسببت البالونات الحارقة بخسائر فادحة لإسرائيل، وأحرقت آلاف الدونمات الزراعية في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، فضلاً عن حالة الرعب التي تسببها البالونات للمستوطنين.
وحاول جيش الاحتلال التعامل مع الطائرات الورقية والبالونات الحارقة عبر أدوات مختلفة منها طائرة مسيرة لقصها قبل وصولها الأحراش والأراضي الزراعية في المستوطنات، لكنها جميع المحاولات باءت بالفشل، وقام جيش الاحتلال بتشكيل وحدات إطفاء من الجيش للمساعدة في إطفاء الحرائق الناتجة عن الطائرات الورقية والبالونات بالإضافة إلى استهداف الشبان من مطلقي الطائرات.
تحت تأثير مسيرات العودة وكسر الحصار
انهالت عشرات المبادرات والحراكات السياسية لتحسين أوضاع قطاع غزة والتخفيف من معاناة سكانه من بوابة «المشاريع الإنسانية»، إلا أن إجراءات حكومة الاحتلال ضد القطاع اتجهت نحو التصعيد العسكري وإغلاق معبر كرم أبو سالم بشكل كامل بذريعة وقف البالونات الحارقة بعد قرارها منع التصدير بالكامل والسماح بدخول المواد الأساسية والمحروقات والأدوية للقطاع.
ونقل منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف رسالة واضحة من إسرائيل إلى القطاع مفادها أن «الطائرات الورقية الحارقة ستجر حرباً رابعة».
بدورها أصدرت الهيئة الوطنية لمخيمات مسيرة العودة وكسر الحصار بياناً قالت فيه إن المشاركة الشعبية الواسعة في جمعة «الوفاء لأهلنا في الخان الأحمر»، هي أقوى رد على الاحتلال وأساليبه العدوانية ومحاولاته لإفشال مسيرات العودة.
وأكدت الهيئة إصرارها على المضي قدماً في المسيرات وتطويرها وتوسيعها والعمل على امتدادها لتشمل كافة الساحات، وضرورة الحفاظ على طابعها الشعبي، وضمان استمرار المشاركة الواسعة فيها.
وأعلنت الهيئة أن الجمعة السابعة عشر تحمل شعار «لن تمرّ المؤامرة على حقوق اللاجئين يا وكالة الغوث»، تأكيداً على إصرار الشعب الفلسطيني على مواجهة وإحباط على المؤامرات التي تستهدف حقوق اللاجئين. ■