على شرفة في رام الله مع اصدقاء وصديقات ومعارف فان قانون القومية تقلص الى ابعاده المرفوضة. واضعوه قاموا بمحو شعب من النص المكتوب. وها هم تسعة من الممثلين البارزين لهذا الشعب يجلسون ويسخرون ويسترجعون الذكريات ويتداولون الشائعات السياسية عن كبار رجال السلطة الفلسطينية. وقد عبروا عن تخوفهم وشكهم وتنبأوا وتراجعوا عن تنبؤاتهم. أي حق كان من نصيبي في الجلوس معهم والاستمتاع بما هو طبيعي جدا بالنسبة لهم، الى درجة أنهم لا يعتبرونه: جذرية وانتماء لا تحتاج الى اغلفة كلامية. حب الحياة، شجاعة وقوة لا يمكن تخيلها.
لقد ولدوا في قرية تم تدميرها، في مخيم للاجئين في غزة، في دمشق، في يافا ونابلس ورام الله والناصرة وعكا. هم الجيل الأول والثاني والثالث للاجئي 1948. بعضهم مواطنون من الدرجة ج. والآن اصبحوا مواطنين من الدرجة هـ، في الدولة التي سلبت وطنهم. عدد منهم عادوا الى الوطن بعد العام 1994 واستقروا في الضفة الغربية، وخضعوا لأوامر عسكرية اسرائيلية.
جميعهم أبناء نفس الشعب، دون صلة بالمكتوب في بطاقة الهوية الشخصية. لقد نجوا من القصف الاسرائيلي في بيروت وغزة، عاشوا ظروف حظر التجول والحصار والاقامة الجبرية التي فرضتها اسرائيل عليهم، وقد تم سجنهم في سجونها بسبب نشاطات سياسية، وتعرضوا لتحقيقات الشباك ونجوا من ظروف الفقر وانتقلوا وتعلموا وعملوا في منظمات يسارية. جميعهم فقدوا اشخاص من العائلة واصدقاء قتلوا على أيدي اسرائيل وفي حروب اهلية في الدول العربية التي عاشوا فيها. جميعهم يحتفظون بالنظرة الصامتة والمؤلمة لآبائهم، الذين اخبروهم عن البيت الذي تم فقدانه قبل سبعين سنة.
عدد منهم اصبحوا برجوازيين، الامر الذي لم يمنعهم من اجتياز الحواجز ولا يعفيهم من تعبيرات العنصرية والوقاحة الاسرائيلية، ولا الانفصال المفروض عليهم عن أبناء العائلة الذين لا يمكنهم الخروج من غزة أو القدوم من سوريا ولا الخوف من المستقبل.
ليس بعيدا من هناك، لكنه بعيد جدا، تحت مظلة في الخان الاحمر، جلسن على فرشات رقيقة وضعت على الارض المكشوفة وتحدثن عن مهاجمة الشرطة قبل اسبوعين وعن حفل الزفاف المتوقع في هذا الاسبوع، ايضا الشجاعة والقوة الانسانية لنساء قبيلة الجاهلين ظاهرة للعيان. هناك بمشاعر قلبية فان العنصرية الاسرائيلية المتطفلة، هي فورية ايضا وتبثها البيوت الواسعة لمستوطنة كفار ادوميم.
كيف يعيشون بهذا الشكل، تحت تهديد لا يتوقف وعدوانية الموظفين والجنود والشرطة والمستوطنين، الذين يحسدونهم على القليل الذي تركناه لهم؟ من أين تأتي القوة للعيش في اكتظاظ يصعب التعايش معه، بدون كهرباء ومياه جارية، التي هي شروط الحد الادنى للعيش، ومع مساحات رعي تتقلص ومورد رزق يتضاءل، وعدم الاستسلام لأوامر الطرد الصادرة من المحكمة؟ القوة تنبع من التجذر والانتماء الطبيعي، الذي لا يمكن لمنكري التطور وصائغي قانون القومية أن يفهموه.
قبل اكثر من شهر والتجمع المهدد بالطرد الجديد يستضيف احتفالات عامة جماعية: مؤتمرات صحفية، مسيرات، خطابات وبعثات. يوجد هنا اساس من الاستغلال والتفاخر، وفي نفس الوقت توجد عملية اخرى سياسية جدا: فلسطينيون من المدينة والقرية يتحررون من الشعور بالاغتراب والتمايز الذي اظهروه تجاه البدو. فلسطينيون من جانبي الخط الاخضر يلتقون. القاسم المشترك بينهم يتعزز رغم الاحتلال. واللغة العربيةبشتى لهجاتها الفلسطينيةيتم التحدث بها دون خاتم الصلاحية لاعضاء الكنيست في اسرائيل. قانون القومية يعبر عن واقع قائم للتمييز الطفيلي الذي يخلق مشاعر تفوق عرقيالقانون الخطير يعلن عن نوايا صائغيه: تعليم اجيال من الاسرائيليين اليهود بأن العالم ليس مسطحا وأن يضع في ايديهم مهمة طرد ومحو شعب. مصابون بالتفوق وعديمي الخجل، هم لا يستطيعون فهم أن القوة والشجاعة وتجذر وانتماء الفلسطينيين لوطنهم ستجد دائما طرق للمواجهة والمعارضة والتطوير والنضال.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف