- الكاتب/ة : دافيد غروسمان
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2018-08-05
الامكانية الكامنة للانقسام والتدمير التي توجد في قانون القومية ظاهرة تماما للعيان، حيث أن تصميم رئيس الحكومة على عدم تعديله يثير الشك بالنوايا الاخرى التي تكمن فيه: الرغبة في الحفاظ على جرح العلاقات بين الدولة والاقلية العربية الموجودة فيها مفتوحا طوال الوقت. مفتوح وملتهب ومهدد.
مم يمكن أن ينبع هذا القصد؟ لماذا الحكومة ومن يترأسها يريدون ذلك؟ يمكننا فقط التخمين: ربما لأن اقلية جراحها مفتوحة اكثر هشاشة واسهل على كل انواع التحايل، والتحريض والتخويف والتقسيم؟ وسياسة فرق تسد؟.
هكذا يتم الحفاظ على جرح مفتوح: مرة واحدة بقانون واحد زائد سحب نتنياهو وحكومته البساط من تحت اقدام خمس سكان الدولة. مرة اخرى لماذا؟ لأنهم يستطيعون. لأنهم على يقين من أنه لا توجد قوة توقفهم. لأنهم يريدون أن يعيش المواطنون العرب في اسرائيل بشعور معين وثابت من عدم الأمان الوجودي. من عدم اليقين بخصوص مستقبلهم. ليتذكروا كل الوقت، في كل لحظة، أنهم متعلقون بالنوايا الحسنة أو السيئة للحكومة، وأنهم هنا بصورة مشروطة. وأنهم موجودون، يمكن في كل لحظة أن يتحولوا الى غائبين.
هذا القانون يقول بصورة واضحة شيء آخر: أن رئيس حكومة اسرائيل قرر عدم انهاء الاحتلال ووضع الابرتهايد في المناطق، بل عكس ذلك بالضبط: تعميقها ونقلها من مناطق الاحتلال الى داخل دولة اسرائيل. بكلمات اخرى، هذا القانون هو في الحقيقة تنازل عن احتمال انهاء النزاع في يوم ما مع الفلسطينيين. وبشأن “الحط” الذي تم في قانون القومية لمكانة اللغة العربية في البلاد: اللغة هي العالم والوعي والهوية والثقافة. وهي نسيج لانهائي يتعلق بأدق تفاصيل الحياة. نحن بحاجة الى شخص، سياسي، كي يكون وقح ومتغطرس بدرجة لا تصدق كي يتم المس، لو بصورة رسمية كما فعل المشرع، بلغة شعب آخر والحط منها. العبرية والعربية هما لغتان شقيقتان. على مدى التاريخ كانت الواحدة فيهما مرتبطة بالاخرى. ملايين الاسرائيليين اليهود رضعوا العربية مع حليب أمهاتهم. ليس هناك كلمات في اللغة العبرية من اجل الاحتجاج ورفع الصوت على المس بأختها.
على مدى مئات وآلاف السنين كان الشعب اليهودي أقلية في البلاد التي عاش فيها. إن تجربة الاقلية شكلت هويته، زادت من حدة الحساسية الاخلاقية لنا. الآن نحن اليهود اغلبية في بلادنا. هذه مسؤولية كبيرة أن تكون اغلبية، وهذا تحد كبير، سياسي واجتماعي وبالاساس انساني: أن تفهم أن النظرة الى الاقلية هي احد الاختبارات الكبيرة للاغلبية في نظام ديمقراطي. وفي هذا الاختبار فشلت حكومة اسرائيل فشلا ذريعا، في كل العالم يدوي هذا الفشل. في كل العالم الذي نتهمه مرارا وتكرارا بالتمييز ضد الاقلية اليهودية التي تعيش فيه.
لذلك، سيكون ذلك بكاء لاجيال اذا اكتفى ابناء الطائفة الدرزية بالحصول على “التعويض”، المالي أو غيره، عن الظلم الذي اصابهم بسبب قانون القومية. بالضبط الوضع الجديد الذي نشأ مع موجة الاحتجاج المحقة للطائفة الدرزية ضد قانون القومية يمكن أن يكون بداية عملية اكثر شمولية، فيها يكون الدروز هم رأس الحربة في النضال من اجل مساواة كل الطوائف المسلمة والمسيحية، مواطني اسرائيل.
الموافقة، على الاقل في هذه الاثناء، من قبل زعماء الطائفة الدرزية على مخطط التعويض لنتنياهو تدل على أنه كما يبدو سنين من التمييز والوعود الفارغة جعلتهم حتى ينسون ما هو في الحقيقة طعم المساواة الكاملة. في الواقع الاسرائيلي السيء ليس من نافل القول التذكير بأن المساواة ليست نوع من “الجائزة” التي يحصل عليها المواطن من دولته لأنه فعل من اجلها هذه الامور أو تلك. وحتى ليس لأنه ضحى بحياته من اجلها. حتى الحريديين الذين يرفضون التجند هم مواطنون متساوو الحقوق. المساواة هي نقطة البداية للمواطنة وليست نتاج لها. هي الارض التي تنبت منها المواطنة، وهي ايضا ما يمكن من الحرية الاسمى – الحرية في أن تكون مختلفا، آخر، متميز – ومع ذلك مساويا لكل انسان آخر.
حسب رأيي القوانين الاخيرة التي سنتها الحكومة ليست سوى النتيجة لطريقة التفكير المشوه التي خلقتها خمسة عقود من الاحتلال. هي النتيجة للشعور بالتفوق العرقي، من الحماسة والتسلي بنوع من أن “نحن” العادلة، القومية، نوع من التحمس الذي يبعد من داخل “البيت” كل من ليس “نحن”، سواء كان احد أبناء شعب آخر، دين آخر، جنس آخر.
وربما هذا القانون يعمل لنا معروفا كبيرا ويكشف امامنا جميعا، اليمين واليسار، وبدون اوهام وخداع للنفس، أين وصلنا، الى أين تدهورت اسرائيل. ربما هذا القانون سيهز اخيرا كل الذين في داخلنا من اليمين واليسار، الذين يخافون على اسرائيل وعلى روحها وانسانيتها وقيمها اليهودية، الديمقراطية والانسانية.
لا شك لدي في أن هناك الكثيرين جدا كهؤلاء، في اليسار واليمين والوسط، اشخاص عقلانيين ومنطقيين واذكياء يعرفون أن هذا القانون هو عمل شائن وخيانة من قبل الدولة لمواطنيها. نتنياهو كالعادة يعرض ذلك كصراع بين اليسار واليمين، لكن هذا صراع اكثر عمقا ومصيرية بكثير، صراع بين الذين يئسوا والذين ما زالوا يأملون، بين الذين استسلموا للاغراءالقومجي والعنصري وبين الذين يواصلون معارضته، ويصرون على الاحتفاظ في قلوبهم بصورة، شكل، أمل لكيف يمكن للامور أن تكون في دولة سليمة.