يجب تبني المفهوم الذي اخترعه اليمين: "مجرمو أوسلو". والصاقه طبعا ببنيامين نتنياهو، وتحريضه الهستيري، وتحريض المستوطنين. ولكن أبطال السلام يتسحاق رابين وشمعون بيرس يستحقان هذه الصفة. تفويتهما للفرصة الذي نبع اساسا من جُبنهما هو أمر لا يغتفر.
فيلم وثائقي جديد يحسن عرض ذلك. "يوميات أوسلو" لمور لوشي ودانييل سيفان، الذي عرض في مهرجان الافلام في القدس، هو فيلم صادم ومن المهم أن يشاهده الكثير من الإسرائيليين. في نهاية الفيلم قامت امرأة كانت تجلس أمامي وحاولت عبثا كتم بكائها. تلك كانت رئيسة ميرتس تمار زاندبرغ. لقد كان مؤثرا رؤية سياسية ما زالت تبكي على فرصة تم تفويتها. الفيلم يثبت كيف أنه رغم كل الشكوك تجاه الاتفاقات، إلا أنه كانت توجد فرصة، التي فوتها رابين وبيرس. تفويتهم للفرصة لم يكن فقط مصيريا، لكن أيضا لا يمكن العودة اليها.
"يوميات أوسلو" يعبر عن روح الفترة. بنيامين نتنياهو كان ما يزال في حينه أشعث الشعر، وظهر كمجنون في مسيرات اليمين، وعيونه تتراكض، مختلفا عن شخصيته المتزنة نسبيا الآن، أجواء الشارع فاشية وعنيفة، كما لم تشاهد في إسرائيل. ولكن الفيلم يتعامل مع صانعي السلام، وأيضا الصورة التي تظهر منه مقرفة. هما التفسير للفشل، معظمه ملقى عليهما.
مترنح منذ البداية: د. يائير هيرشفيلد يعظ بالاخلاق بتكبر نموذجي وتهديدي على أبو علاء، لأنه تجرأ على ذكر الاحتلال النازي للنرويج، ومقارنته بالاحتلال الإسرائيلي، الذي استمر عشرة اضعاف ذلك الاحتلال وتسبب بعدد أكبر من الضحايا. نفس التعالي تجاه الفلسطينيين يرافق أيضا بعدد ممن اداروا المفاوضات وعلى رأسهم المستشار القانوني للحكومة يوئيل زينغر، الذي يكشف في الفيلم شخصية رافضة ومتغطرسة بشكل خاص.
في المقابل، تظهر الشخصية الكاملة التي تبحث عن الخير لرون فونداك، وفوق الجميع تظهر شخصية يوسي بيلين، وهو نوع نادر من السياسيين الذي عرف كيف يضع "الأنا" الخاصة به جانبا، دائما خلف الكواليس، حيث الهدف يهمه اكثر بكثير من نصيبه الذي يسجل له. بيلين لم يحظ في أي يوم بالتقدير الذي يستحقه. أوسلو هي بيلين وبيلين هو أوسلو. تفويت الفرصة مسجل على اسم المسؤولين عنه، رابين وبيرس. هما بطلي أوسلو ومجرميه.
لقد شرعا بالمفاوضات بنية خداع الفلسطينيين بقدر الامكان. ليس هناك لحظة من المساواة أو المنطق. عندما تم الاتفاق على اخلاء الضفة في النبضة الثانية صمما على 2 في المائة فقط. وكان لديهما فقط "تعقيدات عقلية" بالجلوس مع م.ت.ف. هما اللذان لم يسفكا قطرة دم خلال حياتهما، وجدا صعوبة كبيرة في التحدث مع المتعطشين للدماء من تونس. هما اللذان لم يقوما بتهجير مئات الآلاف في 1948 ولم يقيما مشروع الاحتلال في 1967 وجدا معاناة شديدة في التحدث مع مخربين.
شعور القرف المسرحي الذي اظهراه، لا سيما رابين، من مصافحة ياسر عرفات، اظهر نظرتهما الحقيقية تجاه الفلسطينيين. رابين الذي كان في طرد الرملة ومذبحة اللد، رابين الداعي لتكسير العظام، يخشى جدا من تلطيخ يديه الطاهرتين بمصافحة اليد الملطخة بالدماء لعرفات. أيضا سعى لاظهار ذلك. هكذا لا يصنعون السلام. إذا كان هناك شخص يجب عليه أن يخشى فهو عرفات، الذي اضطر إلى مصافحة أيدي محتليه وسالبيه. عرفات أراد أكثر من رابين البدء في فصل جديد.
ولكن اساس الاتهام هو في تفويت الفرص. كان هناك على الاقل مرتين. الاولى لرابين والثانية لبيرس. رابين الذي خلق لدى بيلين الانطباع بأنه ينوي اخلاء المستوطنات من الخليل بعد مذبحة باروخ غولدشتاين خاف ولم يف بأقواله. وبهذا حسم مستقبل العلاقات ربما إلى الأبد. عند انتهاء أيام الحداد الاربعين، بدأت العمليات الانتحارية.
ليس من الصعب تخيل ماذا كان سيحدث لو أن رابين ازال المكرهة الاستيطانية من الخليل. بيرس الذي يظهر في الفيلم في احد خطابات السلام الشجاعة والمؤثرة التي تسمع هنا، رفض بصفته رئيس حكومة، مسودة الاتفاق الدائم التي توصل اليها بيلين ومحمود عباس، خوفا من الانتخابات

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف