- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-08-08
يخطئ من يعتقد أن قضية دائرة شؤون المغتربين، التي فجرها رئيس اللجنة التنفيذية في م.ت.ف حين قرر إحالتها إلى مسؤولياته بإدارة مستشاره نبيل شعث، هي القضية الوحيدة التي تستحق أن يتم الوقوف أمامها، في مراجعة أوضاع «التنفيذية» وآليات عملها القائم على الارتجال والسطحية، وبعيداً عن الحد الأدنى من التخطيط القيادي، الواجب أن تتمتع به الهيئة التي تشكل القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، والتي كان المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988 قد أعلن عنها حكومة دولة فلسطين في المنفى.
لقد اعتدنا، حين تتشكل الحكومات، أن تعقد اجتماعها الأول لتتفق على خطة عملها بما يتناسب ويخدم المصلحة الوطنية والمرحلة السياسية التي من أجلها شكلت. ولأن اللجنة التنفيذية لا تتشكل على طريقة باقي الحكومات، بل ينتخبها المجلس الوطني في ختام دورته، فمن الطبيعي أن يكون على جدول أعمالها، إلى جانب خطة عملها، توزيع المهام على أعضاء اللجنة لكن، ليس بقرار فوقي من رئيس اللجنة. فرئيس اللجنة هو واحد من أعضاء اللجنة التنفيذية، ينتخبه المجلس الوطني باعتباره «عضواً في اللجنة». ثم تقوم اللجنة هي باختيار رئيسها، أي هو «أول بين متساوين»، وتقوم العلاقة داخل اللجنة، وفق هذا التصنيف، على التشاور والتوافق وليس وفق المراسيم الفوقية.
* * *
اللجنة التنفيذية المنتخبة أخيراً في المجلس الوطني، اجتمعت كأعضاء متساوين، وانتخبت من بين أعضائها، محمود عباس رئيساً لها. أما الخطوة الثانية فكانت، كما يفترض، أن تضع خطة عملها، بموجب ما أحاله إليها المجلس الوطني من مهام في إدارة الشأن العام الفلسطيني. أما الخطوة الثالثة، ووفقاً لهذا، هو أن يتوزع أعضاؤها المهام، بما يخدم خطة العمل والاستراتيجية السياسية الواجب تنفيذها والالتزام بها.
الغريب في الأمر، أن اللجنة التنفيذية، تجاوزت في توزيع المهام على أعضائها مسألتين مهمتين:
• الأولى أنها أسقطت من حسابها تشكيل الدائرة السياسية المغيبة منذ العام 2009، والتي تولاها، آنذاك، رئيس اللجنة محمود عباس، وفي السياق أحال مهامها إلى وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية. هذه المرة، أصر رئيس اللجنة على موقفه، الذي أدى علمياً إلى حل الدائرة السياسية، وإسقاطها من حسابات اللجنة التنفيذية، في إطار سياسة تذويب مؤسسات م.ت.ف في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
• الثانية أن رئيس اللجنة التنفيذية، خالف النظام الداخلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حين قرر منفرداً أن يحتفظ لنفسه بمنصب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني. علماً أن النظام ينص على أن ينتخب المجلس الوطني مباشرة أحد أعضائه المستقلين رئيساً للصندوق القومي، يضاف إلى عضوية اللجنة التنفيذية، ولا يحق للجنة، والحال هكذا، تجريده من صلاحياته. وأن يشكل للصندوق مجلس إدارة برئاسة رئيس الصندوق، يدير الشؤون المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب قرارات المجلس الوطني. إذن، رئيس اللجنة التنفيذية احتكر لنفسه، إلى جانب رئاسة اللجنة، الدائرة السياسية ورئاسة الصندوق القومي، متجاوزاً بذلك القوانين السارية في المؤسسة الفلسطينية.
ثم كخطوة ثالثة، وبمرسوم (!)، اعتبر خطوة دخيلة على العلاقات الوطنية، وآليات إدارتها وفق التوافقات والمشاورات، أقر لنفسه الاحتفاظ بدائرة شؤون المغتربين، التي كانت برئاسة تيسير خالد منذ حوالي عشر سنوات. بحيث يجمع بين يديه هذا الكم من الصلاحيات والمسؤوليات، إلى جانب مسؤولياته رئيساً لدولة فلسطين، ورئيساً للسلطة الفلسطينية، ورئيساً لحركة فتح، إلى جانب مهام أخرى يتولاها عادة من يتولى هذه المناصب. وبالتالي إذا لم يكن هذا كله تفرداً واستفرداً، واستئثاراً، وتجميعاً للسلطات بيد واحدة، وبطريقة غير قانونية تفتح الباب، بالضرورة، في ظل هذا الكم من الصلاحيات، للاستبداد وفرض الرأي على الأخرين، وتجاوز مبدأ التشاور والتوافق..
ماذا يمكن أن نسميه يا ترى؟
* * *
إلى جانب هذا كله، وفوق هذا كله، وهو أمر لم تنتبه له وسائل الإعلام، ما جرى في اللجنة التنفيذية من نقاش بشأن دائرة شؤون الأسرى والشهداء.
فقد رأت اللجنة في اجتماعها في 9/6/2018، وبغياب رئيسها، ولأسباب صحية، ضرورة تشكيل دائرة لشؤون الأسرى والشهداء. وعرضت اللجنة على أحد أعضائها، أحمد بيوض التميمي، ليتولاها. فاعتذر لأسباب، منها أن هناك هيئة لشؤون الأسرى والشهداء والجرحى يتولاها الأسير المحرر عيسى قراقع (بعد أن كانت «وزارة» ثم خفضت إلى «دائرة» بناء على احتجاج سلطات الاحتلال)، وهناك أيضاً نادي الأسير الذي يتولاه العضو القيادي في فتح قدورة فارس. في الوقت نفسه، كانت حاضرة إلى طاولة النقاش قضية الأسرى والشهداء الذين قطعت رواتبهم في قطاع غزة بقرار من رئيس السلطة مباشرة، في سياق قراراته معاقبة قطاع غزة, أدرك التميمي أن القرار المالي (وهو الأهم في تولي دائرة شؤون الأسرى والشهداء) لن يكون من صلاحيات الدائرة بل سيبقى من صلاحيات الرئيس. لذلك اعتذر.
عرضت الدائرة، على عضو اللجنة التنفيذية حنان عشراوي، التي انتزعت منها دائرة الإعلام والثقافة (بذريعة أن الدول الحديثة ألغت وزارات الإعلام لديها, بعدها أعاد رئيس السلطة تعيين نبيل أبو ردينة نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للإعلام. أي في الخلاصة ألغيت دائرة الإعلام في اللجنة التنفيذية لصالح وزارة الإعلام في السلطة الفلسطينية)، وللأسباب التي من أجلها اعتذر أحمد بيوض التميمي، اعتذرت حنان عشراوي. وانتهت المشاورات إلى «شطب الحاجة» إلى دائرة لشؤون الأسرى والشهداء، وإحالة ملفاتها إلى أمين سر اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة المفاوضات صائب عريقات.
ولأن عضو اللجنة التنفيذية، «يجب أن يتولى رئاسة دائرة» جرى ابتداع دوائر جديدة، بأسماء مختلفة، دون أن يكون ذلك تلبية لمهام وخطط عمل واستراتيجية اللجنة التنفيذية للمرحلة المقبلة.
خلاصة القول:
منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، غرقت اللجنة التنفيذية في الفوضى، ووقعت ضحية الارتجال، والتفرد، وغابت عنها سياسة التخطيط الواعي لإدارة الشأن الوطني العام، وهيمنت عليها النزعة الفردية والأوامرية، في توزيع المهام. وسقطت منذ اليوم الأول في أن تكون قيادة فاعلة للشعب الفلسطيني، وحكومة ناجحة لدولة فلسطين في المنفى.
الأمراض نفسها التي عانت منها اللجنة التنفيذية الراحلة، أصابت اللجنة التنفيذية الحالية، منذ اليوم الأول لولادتها. لأن ضرورات تحكم «المطبخ السياسي» بالقرار الوطني، تفترض تهميش اللجنة التنفيذية واقصائها وإغراقها في فوضى الإدارة للشأن العام.