- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-09-05
■ لا شك في أن الجميع يتفق على ضرورة أن تتوافق التهدئة مع المصالحة وإنهاء الانقسام. فذلك من شأنه أن يحقق التهدئة في إطار وطني جامع، وأن يضمن أن تكون تهدئة مضمونة النتائج، ميدانياً وسياسياً.
غير أن هذا لا يلغي التخوف أن يكون اشتراط الربط بين العمليتين، مدخلاً إلى إلغاء التهدئة، في ظل تعطل إنهاء الانقسام، فيجد قطاع غزة نفسه في خضم الحصار ومأساته الإنسانية، وتحت ضغط العدوان الإسرائيلي.
خاصة وأن بعض الأطراف الوطنية واليسارية، ومن ضمنها الجبهة الديمقراطية، أكدت على ضرورة الفصل التام بين قضايا التهدئة وبين قضايا الحل السياسي للصراع مع إسرائيل، وأكدت في السياق نفسه، على ضرورة أن تكون التهدئة في سياق تفاهمات 2014، التي تقدم بها إلى المفاوضات غير المباشرة، إلى الجانب الإسرائيلي، عبر الوسيط المصري، وفد فلسطيني موحد، ضم، إلى جانب الجبهة الديمقراطية كلاً من فتح والجبهة الشعبية وحركة الجهاد وحماس، أي أن المطلوب ه التأكيد على اتفاق سابق وافقت عليه الحالة الوطنية الفلسطينية آنذاك.
* * *
تكمن مشكلة إنهاء الانقسام في أن الطرفين، فتح وحماس خاضا العديد من الحوارات، في أكثر من عاصمة عربية، وبشكل خاص في القاهرة، وتوصلا لأكثر من تفاهم على إنهاء الانقسام، صادقت عليه الفصائل الفلسطينية ورحبت به و دعت إلى تطبيقه عبر تغليب الإرادة السياسية والمصالح الوطنية على أية مصالح فئوية, كان آخرها تفاهمات 12/10/2017 في القاهرة، والتي لقيت الترحيب الوطني في حوارات 22/11/2017 في العاصمة المصرية أيضاً.
لكن يتبين، في كل مرة، أن التفاهمات، كانت في جانب كبير منها تفاهمات «لغوية» عمدت إلى تدوير الزوايا، وحل الخلافات بعبارات غامضة، سرعان ما تبين فشل هذه العبارات، وهذه الأساليب في حل القضايا الكبرى، كما تبين أن في التفاصيل تكمن شياطين التعطيل، والشد العكسي وشياطين الألغام. لذا من حق الحالة الوطنية أن تتخوف مرة أخرى، أن تتعطل مباحثات إنهاء الانقسام، وأن تتعطل التهدئة في السياق الوطني وأن تتحول التهدئة، كما برز قبل زيارة الوفد المصري إلى رام الله، إلى قضية كبرى، فتصبح الحالة الفلسطينية أمام قضيتين ترخيان بثقلهما على عاتق الحالة الوطنية، في ظل أوضاع تزداد تعقيداً، تحت وطأة سياسة إدارة ترامب تطبيق «صفقة العصر»، خطوة خطوة، آخرها وقف تمويل وكالة الغوث، وفي ظل تعطيل القيادة الرسمية لقرارات المجلس المركزي، والوطني، والاكتفاء بالمعارضة الكلامية والإحجام عن القيام بالخطوات المطلوبة، ميدانياً، في مواجهة خطوات ترامب، نتنياهو الميدانية. لذلك يفترض التأكيد أن الحالة الفلسطينية ليست بحاجة إلى العودة إلى نقطة الصفر، لإعادة بحث إنهاء الانقسام، من المربع الأول، وخوض حوارات، قد لا تصل في نهاية المطاف إلى أكثر مما توصلت له تفاهمات 12/10/2017، بالرعاية المصرية. خاصة أن أحد الطرفين دعا إلى حوار ثنائي من جديد، للوصول إلى تفاهمات جديدة، ورفض حوارات وطنية شاملة، داعياً إلى هذه الحوارات الشاملة، فقط لكي تصادق على التوافقات والتفاهمات الثنائية. مثل هذا المنطق يحمل بطبيعة الحال خطر الاستئثار والتفرد، خاصة وأن أصحاب هذا المنطق لا يكفون عن الادعاء أن الانقسام ليس بين فتح وحماس، بل هو بين م.ت.ف وحماس وأية تطبيقات لهذا المنطق تفترض إذاً حواراً شاملاً لكل الأطراف، باعتباره هو الضمان الأوفر حظاً للنجاح، خاصة بعد أن أثبتت التجربة فشل الحوارات الثنائية وفشل التطبيق حين يكون محصوراً بين الطرفين وحين تستبعد الاقتراحات بتشكيل لجان وطنية تكون هي المشرفة على التطبيق ونزع الألغام من طريقه.
* * *
وعلينا في الوقت نفسه أن نقرأ رزنامة القيادة الرسمية وأثرها على ملفي الانقسام والتهدئة. فالمنتظر أن تشارك القيادة الرسمية في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، وتلقى فيها خطاباً، باتت عناوينه معروفة سلفاً، في توضيحات لمصدر في خارجية السلطة، أكدت أن كلمة القيادة الرسمية سوف تؤكد على الخلطة التي وردت في بيان المجلس المركزي الأخير؛ مؤتمر دولي، بمرجعية دولية (غير محددة) وبموجب مبادرة السلام العربية «ورؤية الرئيس» في 20/2/2018، استعاد فيها التأكيد على التزام اتفاق أوسلو ودعا الى استئناف «مفاوضات الحل الدائم». بعد ذلك من المتوقع أن يدعى لمجلس مركزي في دورة جديدة، ما سوف يثير جدلاً سياسياً واسعاً حول آليات التحضير له، ووظيفته، وحول القرارات السابقة التي صادق عليها المجلسان المركزي والوطني (15/1/2018 و 30/4/2018 بالتوالي) وما توصلت إليه لجان الدراسة بطلب من اللجنة التنفيذية من نتائج، وما هو مصيرها.
أي إن الحالة الفلسطينية سوف تكون أمام محطة جدل ونقاش، تعيد إبراز الخلافات الى السطح، وتطرح مواقف متباينة من مسألة الدعوة لدورة جديدة للمجلس المركزي، بين جدواها، وبين الاستعاضة عنها بتطبيق ما تمَ التوافق والاتفاق عليه وإقراره في الدورات السابقة. وهو أمر، قد ينشر التوتر في الأجواء الفلسطينية على حساب الالتفات الى قضيتي إنهاء الانقسام، والتهدئة خلال أيلول، وربما خلال تشرين الأول القادم.
هل معنى هذا أن عقارب ساعة التهدئة سوف تتوقف. وهل يعني هذا أن وتائر الانقسام لن تتصاعد. وهل يعني هذا أن حرب تبادل الاتهامات سوف تتوقف، الإجابة على هذا كله «لا» كبيرة، والأكثر خطورة من هذا كله أن خطوات حكومة نتنياهو في خلق وقائع ميدانية لتطبيق خطة «السلام الاقتصادي» بديلاً للبرنامج الوطني هي الأخرى لن تتوقف، ولسوف تكون فرصته سانحة وغنية، ليمضي قدماً في تحقيق أهدافه.
كما أن الأكثر، خطورة من هذا، أن خطوات ترامب في تطبيق خطة «صفقة العصر» لن تتوقف، فتهويد القدس على قدم وساق، والاستيطان يتغول يوماً بعد يوم، وأزمة تمويل وكالة الغوث ستعكس نفسها على أوضاع اللاجئين (لاحظوا التهديد الإسرائيلي بمنع عمل الوكالة في القدس المحتلة كخطوة أولى على طريق محاصرة اللاجئين) وبالتالي اذا كان الربط بين إنهاء الانقسام والتهدئة هدفه قذف القضيتين الى أبعد مدى، فمعنى هذا أن أوضاع القطاع سوف تزداد تردياً، وأن الحالة الوطنية الفلسطينية سوف تزداد هي الأخرى تردياً، وأن سياسة الرهانات الفاشلة لا تلحق بالقضية الوطنية إلا الأذى المدمر.■