- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-09-15
مع قرار إغلاق مكتب م.ت.ف في واشنطن، يكون المشهد الفلسطيني قد اكتمل في البيت الأبيض:
خطة إقليمية، عنوانها «صفقة العصر»، ترسم بوضوح أهداف سياسة إدارة ترامب في إعادة صياغة أوضاع منطقة الشرق الأوسط، وتكشف عنها بوضوح شديد، ولا تعلن عن التفاصيل، لكنها في الوقت نفسه تعمل على تنفيذ «الصفقة»، خطوة خطوة، أن في الشأن الإقليمي، أو في الشأن الفلسطيني.
العواصم التي تحاول التهرب من مواجهة «الصفقة»، أو بعض بنودها، تستظل بذريعة أن الولايات المتحدة لم تكشف بعد عن العناصر كافة لخطتها. وتتجاهل في الوقت نفسه التصريحات الفجة التي لم تخف الأهداف المباشرة والبعيدة للصفقة. في الوقت نفسه، تراهن القيادة الرسمية الفلسطينية على دور للدول العربية في «التصدي» لصفقة العصر ودرء مخاطرها، وفي ظل هذه الدائرة المفرغة، تتقدم «الصفقة» خطوات ملموسة الى الأمام: الاعتراف بشرعية الاستيطان، وشرعية مصادرة الاحتلال للأرض الفلسطينية، ولا تعترض على مئات المشاريع الاستيطانية لبناء آلاف، بل عشرات آلاف الشقق الاستيطانية، بما فيها مشروع نتنياهو لاستيعاب مليون مستوطن في الضفة الفلسطينية، منهم 300 ألف في القدس وحدها، بما يغرق المدينة بالعنصر الاستيطاني الطاغي ويتحول العنصر الفلسطيني الى أقليات كالأقلية العربية الفلسطينية في مناطق الـ48. بعدها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. ثم «معاقبة» السلطة الفلسطينية وحجب المال عنها بذريعة التزامها نحو الأسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء بعد ذلك خطوة كبرى في «معاقبة» وكالة الأونروا وحجب المال عنها ــ وأخيراً ليس آخراً، إغلاق مكتب م . ت.ف في واشنطن.
حرب مفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، وقضيته، وحقوقه الوطنية، ومؤسساته الوطنية، ودعم غير محدد للاحتلال، وسياساته، ولحكومة نتنياهو، ومنظومة القوانين الصهيونية القائمة على التمييز العنصري.
* * *
بالمقابل، تحملت المؤسسة الوطنية التشريعية (المجلس المركزي والمجلس الوطني) مسؤولياتها واتخذت من القرارات الاستراتيجية والتكتيكية، ما يشكل أساساً لبناء استراتيجية لمقاومة الاحتلال ومشروعه، و«صفقة العصر» ومخاطرها، إن في الميدان، ضد الاحتلال والاستيطان، أو في المحافل الدولية (في مجلس الأمن والجمعية العامة، ومحكمة الجنايات الدولية والمجلس العالمي لحقوق الإنسان، وفي باقي الوكالات والمنظمات الدولية).
القيادة الرسمية، ومنذ 5/3/2015 وهي تعطل قرارات المؤسسة التشريعية في م.ت.ف. وتطرح بدلاً منها خططاً، وخطوات، ومبادرات، في منحى معاكس، لا يخرج في سياقه العام عن اتفاق أوسلو ولا يغادر التزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، ويقود الى إضعاف الحالة الوطنية، والحركة الشعبية، وشل النشاط السياسي في المحافل الدولية، وبدلاً من التقدم الى الأمام على طريق تنفيذ ما تم إقراره، بقيت سياسة الرهان، وبناء الأوهام هي السائدة. ولعل آخرها «مبادرة الرئيس» في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، التي أعادت إعلان الولاء لأوسلو، وقامت على الرهان على إمكانية استئناف مفاوضات الحل الدائم، في تجاهل تام لكل التطورات والأحداث التي جعلت من مفاوضات الحل الداعم، مجرد وهم، نسقته سياسات نتنياهو وترامب.
ففي ظل الإجراءات والخطوات الميدانية لحكومة نتنياهو وقرارات ترامب لم يعد هناك ما يمكن التفاوض حوله. فبالنسبة للتحالف الإسرائيلي الأميركي، خرجت قضايا الاستيطان، والقدس، واللاجئين من ملف المفاوضات ولم تعد مدرجة على جدول الأعمال، لأن مصيرها ــ بالنسبة للطرفين ــ قد حسم ولم يعد قابلاً للنقاش. يبقى ما هو «صالح» للتفاوض عليه، رسم الالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية التي ستفرض على «الكيان» الفلسطيني، في إطار «الحل الدائم».
حتى هذه الالتزامات لم تعد مجهولة، بل تمّ الإعلان عنها من قبل تحالف الطرفين: كل شيء سيكون في خدمة المصالح الإسرائيلية، وسيكون الأمن الإسرائيلي، بمعناه الأوسع العسكري والاقتصادي والمالي وغيره، هو أساس الحل الدائم، ومعياره.. لذلك يجدر بالقيادة الرسمية أن تعترف، بعد قرار إغلاق مكتب م.ت في واشنطن أن «مبادرتها» ماتت في المهد، وأنها ليست، ولن تكون مطروحة على بساط البحث، لافي تل أبيب، ولا في واشنطن. وإن الاستمرار في بناء الأوهام لن تكون نتائجه إلا «صفقة » وراء «صفقة»، وإنه آن الأوان لرد الصفقة، كما وعدت القيادة الرسمية الفلسطينية. وأنه آن الأوان للاقتناع أن مبادرة 20/2/2018 ليست رداً على «الصفقة» بل هي دعوة للالتقاء مع «صفقة العصر» في منتصف الطريق، بالرهان على دور لبعض العواصم العربية.
* * *
الكرة في ملعب القيادة الرسمية. وفي ملعب اللجنة التنفيذية. القيادة الرسمية فدعوة لإعادة بناء علاقاتها مع القوى الفلسطينية من مدخل إعادة الاعتبار لمبادئ التوافق الديمقراطي والشراكة الوطنية. وإدارة حوار وطني مسؤول وشامل، أساسه قرارات المجلس المركزي [5/3/2015 + 15/1/2018]، والمجلس الوطني (30/4/2018) وما قدمته لجان الدراسة من اقتراحات، ووضع الخطة الوطنية لإعادة استنهاض الحالة الوطنية، في الحالة الشعبية، وفي باقي المؤسسات للخروج من نفق أوسلو، واستعادة البرنامج الوطني. مثل هذه الخطوات تفتح الطريق لإنهاء الانقسام، وإعادة ترتيب أوضاع م.ت.ف. واستنهاض كل عناصر القوة الفلسطينية. أما اللجنة التنفيذية، فهي مدعوة، في السياق، للانتقال من مرحلة «الاجتماعات التشاورية»، إلى كونها القيادة المسؤولة عن القرار الوطني الفلسطيني، وتنفيذه، في ميادين النضال كافة. مع الالتفات في الوقت نفسه إلى أن «قانون القومية» داخل الـ 48 أحدث نقلة تاريخية في استعادة العلاقة بين مكونات الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة. وأكد ضرورة طي صفحات أوسلو و الرهان على بقاياه.
ترامب أغلق الدائرة، واستكمل المشهد، ولا مبرر للحديث عن ترقب وانتظار ما سوف تكشف عنه خطته وصفقته. خطته حرب مفتوحة في كل الميادين ضد الشعب الفلسطيني. وما من شأن سياسة الانتظار والترقب والرهان على أوهام فارغة، سوى تشجيع الثنائي ترامب ــــــ نتنياهو، على توجيه المزيد من الصفعات على وجه هؤلاء المراهنين.