- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-09-19
يقول:
أحلف أنى آدمي، ولست من صنف المنامات او كوابيس العشايا… لي قليل من قدمين وجوربين يسهران على اصابع بطول الحصى… لي وجع يأتيني كوداع مقيم. البلاد تنوء بي. تركوني على حافة موتي، اراقب صبرا واسمع صراخ شاتيلا.
يتذكر:
هل نسيتَ أنك لاجئ؟ هل نسيتَ أنك مشاع من الدم؟ هل نسيتَ أن جسدك ثقيل عليك وعليهم؟ انت الخسارة. فكن مطيعاً لتقاليد الرحيل. قم واسكب يومك في دمك. القاتل لا ينتحب في سريره. يضع اجنحة الحمام في سرة حذائه، فمت أيها المترحل من موتك الاول إلى موتك التالي. بيروت تأتي بعد فلسطين والآتي اعمى.
قلت:
صبرا لي. نصفها لجثتي ونصفها لجثتنا. إياك أن تموت قليلاً. لن يكون موتك نومك. موتك وما قبله عذابات. فازحف إلى ساحة الاعدام. امتلئ قتلاً. الاعداء و”الاصدقاء” بانتظار غيابك. جاؤوك في غفلة الوعي. العالم اعمى، او يتعامى. لا ملجأ لك غير موتك.
حلفت:
احلف انني آدمي واستحق دمعة. من زمان وأنا اتصبب جراحاً واكذب على قلبي. اقول له، لستَ قلبي أن ذرفت دمعة. ومن أزمنة، اسير إلى فلسطين وانأى عنها. عصية على اشواقي، وعاصية على النسيان. احلف اني اعرف الطريق اليها والطرقات لا تعترف بي.
تعبت:
مبعثر في تدفق الوقت. اصبتُ في صبرا، اوقعتني هويتي وأنا على أهبة الرحيل والقتل. غطيت دمي بمناديل الوفاة، ومضيت. كذبت على جسدي. وسَّدته موتي وسجيته في جثتي. لم يساعدني أحد. كل الذين مثلي صاروا مثلي. سرت، ثم سرنا في ممرات المخيم. كان لجثتي اشباه في كل منعطف. كانوا موتى بلا اجساد. تاهت الاجساد كخيول تركض في مكانها بحثاً عن خارطة البلد… ترى، اين هي فلسطين؟
شُبِّه لي:
رأيت بيتا في كسور الزجاج. ظننته بلادي. دخلتها كالفاتح. استقبلني الصدى وامتصني الفراغ كالهواء. ظننت اني شاهدت وجهي. وكانت أختي تبعد الحب عنها. الاغتصاب فن الوحوش. اغتصبوها وارتكبوا عريها ودثروها بثيابها. تدثري يا أخت. غضي الطرف يا أمي. حنانك. وجهة العبور والوصول مغشوشة. ضعي يدك على صدر الرضيع. ميلي على فهمه. لموته طعم الحليب وقد سال في جرح. فليتدرب على الرجوع، ولو بعد موته.
لا أموت ابداً:
احلف أني آدمي. أنبت في أسماء القرى والحقول والبيارات والوان البرتقال… انا العشبة التي تدعو الطيور وتدلها إلى اعشاشها… انا النخلة، فاهتزي يا سعف السماء. لقد جاءك طائر حاك جناحيه مني. تخرج السماء في قافلة الازرق. توقد اصابعها نجوما لي وتمسيني: انت منذور لصبرا وشاتيلا، واصرخ: اينهما؟ لقد طعنا. ليس غير القدس تحت قبة الازرق. هناك روحي.
أروي:
دخلت المخيم قبل الصلاة بقليل. لم تحفظ الازقة آيتي. انا الذبيحة والقربانة أنا، فأين قداس الصليب؟ اختفيت. انتعلني الجنود واصحاب الخناجر والبنادق والأسود النخعي. صرت ممراً للمشاة. تحول المخيم إلى كوم من الجثث والاسئلة: لا سؤال من المرتكب. لقد وقع ارتكابه. المجزرة حتفنا، وحتفه الخلقي. كيف نفر من الضمير؟ من يدلنا على آخرة أخرى نظيفة من دمنا.؟ ربما، نذهب إلى الجنة، فنجدها بانتظارنا. قلنا: لا ندخلها الآن… اعادونا إلى مثوانا. جمعونا في مزبلة الجمهورية، بلا نشيد… ليس لنا بلاد وليس لمثوانا مقابر… مزابل.
تمنيت:
ليتني كنت ميتا كآدمي. لحوَّلوا مقبرتي إلى شاهد لأقرأ اسمائي. اعرف أن قاتلي حرس ذاكرة الاسماء، ويمنعها من الخروج. البلطة التي اصابتنا، ليست من جنس آدمي. القاتل مشتق من قراصنة الابادة. تفوق عليها. لون دمه اسود. اخذوني إلى جدار ثقبه الغازي مراراً من قبل. اخذ لي صورة تذكارية. مسمرني على حجر وقال: لن تولد بعد اليوم… لكني ولدت. أحملق بروحه. تركت اسمي بين يديه، اراقب روحه. نتن هذا الصنف الآدمي… حرثت عينيه. قست المسافة بين قلبه ويديه. قلت: هذا ليس آدميا. هو امتلاء ونبض قتل. هو السفك. كلما امتد اصبعه إلى قلبه، أطلق ثقوبا في جسدي… وحوش في جسد.
سألت:
هل لك اخت او أم او نخلة هززت جذعها؟ هل لك مريم. يا لبيروت الي رأتني. بيروت ليل من ذباب وذئاب.
أحلف:
انني مثلكم، يا أيها الناس، هنا وهناك وفي كل زاوية ومنحدر. لي صورة تشبهني. وجهي للذبيحة، روحي عاصية، تولد كل صباح. من رمال ذبيحتي. أحرس بلادي في مسامي. لا ادع احدا يدخل مخدعها… يا أيها النسيان لن انساك لتنساني. نحن عصاة على الأزمنة. انا من بلاد مليئة بي، تسمى صبرا. انا من كنيسة لبستني، تسمى شاتيلا، وماض إلى بلاد تدعى فلسطين، هناك ولدت وهناك اموت وهناك انهض فابعث حيا. فسبحاني ما أعظم موتي.
أقول للقتلة. لن ننسى. اننا نعرفكم. مياه البحار كلها لا تغسل اياديكم وضمائركم. اننا نحمل ماضينا وحاضرنا إلى المستقبل.
الاحياء ينسون. اما من مات قتلاً فلن ينسى. فهم احياء عند شعبهم يرزقون.