* خطاب نتنياهو حدد أولويات إسرائيل بما يخدم مصالحها، في الوقت الذي تستمر فيه الحالة الفلسطينية في ترددها وضعفها في ظل غياب الوحدة والبرنامج الوطني الموحد
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واضحا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين. فعبر عن أولويات إسرائيل في هذه المرحلة وكان الملف النووي الإيراني في المقدمة، في حين لم يستغرق حديثه عن التسوية المفترضة مع الجانب الفلسطيني سوى دقيقتين من أصل 33 دقيقة، وهي المدة الزمنية لخطابه.
ولم يختلف الأمر كثيرا، من حيث الجوهر، في لقائه بالرئيس الأميركي، باراك أوباما فكانت الإشارات المقتضبة التي أوردها نتنياهو حول التسوية تتمحور حول الرؤية الإسرائيلية لهذه التسوية ومآلاتها.
فهل ينتبه المفاوض الفلسطيني إلى هذه المؤشرات، ويضيفها إلى ما سبقها من براهين ودلائل تؤكد عقم مسار المفاوضات القائمة، ويتخد بالتالي موقفا من هذه المفاوضات وينسحب منها، أم أنه سيواصل اللهاث خلف ما يمكن أن يحصل عليه من وهم الوعود بشأن المسار الاقتصادي؟.
منذ أن تولى بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء في إسرائيل، تركز خطابه في الأساس على دق طبول الحرب مع الجوار القريب والبعيد. وحرص على أن يبقي الهاجس الأمني العنوان الرئيسي في اهتمامات الرأي العام في إسرائيل، مركزا على الخطر الوجودي الذي يتهدد الدولة العبرية من أعدائها الذين برأيه لا عمل لهم سوى التربص بها.
وكان نتنياهو يدرك أن ما يقوم به يتكامل مع مؤشرات المد اليميني المتطرف، ومع شعارات الأحزاب الصهيونية الرئيسية المكونة للمشهد الحزبي والسياسي في إسرائيل التي كانت المكون الحاسم لائتلافه الحكومي.
وينعكس هذا الأمر على أولويات الحكومة التي يترأسها، فوضعت أولوياتها انطلاقا من تسييد الملف الأمني، كي تمرر الملفات الاقتصادية ــ الاجتماعية التي أشعلت في وقت سابق احتجاجات واسعة في إسرائيل. ومن هذه الزاوية على الأقل شعرت تل أبيب بالقلق العميق من مؤشرات التقارب التي برزت بين واشنطن وطهران بخصوص الملف النووي الإيراني، والاتصالات والاجتماعات الرسمية التي تمت بين الجانبين.
فمنذ أن مارس أوباما مهامه كرئيس للولايات المتحدة، برزت خلافات واضحة بينه وبين نتنياهو ــ الذي تقلد رئاسة الحكومة في الوقت نفسه تقريبا ــ بخصوص الملف الإيراني. حيث عبر أوباما عن تفضيله الحل السياسي والديبلوماسي مع طهران، بعكس رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يشجع على الدوام توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، حتى إنه زايد على الرئيس الأميركي وإدارته عندما توجه إلى الرأي العام الأميركي موضحا أن تل أبيب تستشعر خطر طهران على المصالح الأميركية وأمن الأميركيين كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل.
وربما هدأت الخلافات في ذلك الوقت بعد أن صرح الرئيس أوباما بأن إدارته ستعطي الحل السياسي فرصة عام واحد لا أكثر كي تتأكد من نجاعته تجاه الملف الإيراني. لكن بعد انتهاء العام، دون حدوث شيء ما، صعَّد نتنياهو من خطابه ضد طهران وملفها النووي وبدأ بالتهديد بتوجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية ولو قامت بذلك بشكل منفرد، وشكل وزارة جديدة في حكومته باسم وزارة «التهديدات الإستراتيجية» وسلم حقيبتها للمتطرف الصهيوني أفيغدور ليبرمان.
وكما ذكرنا، فإن التوتير الأمني وإبقاء المجتمع الإسرائيلي واقفا على ساق واحدة، يصب في خدمة سياسة نتنياهو على صعيدي الخارج والداخل. فالتحذيرات المتواصلة من الأخطار الأمنية المحدقة بإسرائيل يخدم خطابه تجاه عملية التسوية مع الجانب الفلسطيني ويساعده في التمترس خلف طلباته الأمنية بما فيها بقاء وحدات من الجيش الإسرائيلي داخل أراضي الدولة الفلسطينية في حال قيامها، وفي استمرار السيطرة على غور الأردن وإنشاء محطات إنذار مبكر وفي اشتراط كون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، رافضا أن يتولى طرف ثالث مسألة الترتيبات الأمنية بالاشتراك مع السلطة الفلسطينية. ويستخدم هذه الفزاعة أيضا من أجل مواجهة استحقاقات التسوية وفي المقدمة انسحاب الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة بدعوى أن الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 67 سيضع إسرائيل في حالة انكشاف أمني!
وبما أنه شكل ائتلافه الحكومي (في ولايتي حكمه) وفق خريطة التطرف اليميني، فإن فزاعة الخطر الأمني تتحول إلى مخاطر المس بالاستقرار السياسي في إسرائيل إذا سعى المجتمع الدولي إلى الضغط على تل أبيب لتنفيذ استحقاقات التسوية بشأن الحدود والاستيطان، باعتبار أن هذين الملفين كانا في صلب الاتفاق الائتلافي مع أحزاب حكومته، وأن المس بهما سيؤدي إلى انهيار الحكومة.
أما في الدقيقتين اللتين أفردهما نتنياهو للتسوية من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد اكتفى بالتأكيد على أن ما تريده إسرائيل من هذه العملية هو أن تعترف الدولة الفلسطينية بيهودية دولة إسرائيل، وأن يكون قيام هذه الدولة ملبيا للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية. ويلاحظ المراقبون أن هذا الحديث على تشدده وتمسكه بالمصالح الإسرائيلية، إلا أنه مع ذلك للاستهلاك، حيث تدور المفاوضات الجارية حاليا في دائرة مفرغة مع رفض الجانب الإسرائيلي الخوض في مسألة الحدود، بل ورفض مؤخرا اعتماد مبدأ تبادل الأراضي الذي كان مطروحا في المفاوضات السابقة، في مؤشر جديد يدل على أن تل أبيب لن تقايض الفلسطينيين حتى على أي تنازل يمكن أن يخوض به المفاوض الفلسطيني وكل ما تريده أن يستمر الاستيطان ويتم ضمه بكتلة الكبرى دون كلفة إسرائيلية تذكر.
بهذه الطريقة، يتم تسمير المفاوض الفلسطيني بطاولة المفاوضات تحت تأثير الضغط الأميركي وغيره ويتعطل العمل الوطني الفلسطيني الذي نشط في سياق المسعى باتجاه الأمم المتحدة وجرى ايقافه مقابل استئناف المفاوضات في حين جرى شطب المطالب الفلسطينية بشأن الاستيطان ومرجعية المفاوضات واستمرت الاغتيالات والاعتقالات تحت دعاوى أمنية مختلفة.
خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كان واضحا في تحديد أولويات تل أبيب.. فماذا عن الحالة الفلسطينية.. ومتى ستتلفت إلى ذاتها وتفحص مجددا عوامل ضعفها كي تعالجها وفي المقدمة غياب الوحدة والبرنامج الوطني الموحد الذي من المفترض أن يعيد الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف