- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-11-25
لم يكن بنيامين نتنياهو يتوقع أن تتداعى نتائج العملية التخريبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في خانيونس، لتطال حكومته الائتلافية، وتقفز بها إلى حافة الهاوية. فقد تمت العملية في وقت كان فيه نتنياهو في زيارة خارجية. أي أنه كان مطمئناً الى أن العملية «السرية» سوف تنفذ بنجاح، وتحقق أهدافها، وأن الدورية الاستخباراتية سوف تعود إلى مواقعها بسلام. لكن حصل ما لم يكن بالحسبان. انكشفت العملية، ووقعت الدورية الإسرائيلية في المصيدة، وكادت أن تقع في قبضة المقاتلين الفلسطينيين لولا الدعم الخارجي، من قصف مدفعي، وغارات جوية، وتدخلات مروحية، ومع ذلك عاد قائد الدورية (الذي أصرت إسرائيل على التكتم على اسمه) قتيلاً، ونائبه ينزف دماً وهو في وضع خطير.
صحيح أن المقاومة دفعت في تلك الليلة ثمناً باهظاً لإفشال العملية. سبعة شهداء. لكن الصحيح أيضاً، (وهذا ما تجاهله الكثيرون ممن قللوا من صمود القطاع ومقاومته، وقللوا كثيراً من أهمية الأداء المقاوم في الجولة الأخيرة) أن العملية لو حققت أهدافها لعادت على المقاومة بخسائر أكثر فداحة من استشهاد سبعة من المقاتلين من بينهم أحد القادة الميدانيين.
فقد سربت مصادر إسرائيلية أن الهدف من العملية كان زرع أجهزة تنصت على شبكة الاتصال الأرضية السلكية لحركة حماس. إذ لا تعتمد الحركة على الأجهزة الهوائية، لسهولة كشفها، بل تعتمد على شبكة سلكية خاصة بها، منتشرة في أنحاء القطاع، على غرار الشبكة السلكية الخاصة التي يعتمدها حزب الله في لبنان. ولو أن العملية نجحت لبات بإمكان جيش الاحتلال التنصت على مكالمات حماس، والتخطيط بناء عليه لعمليات تخريبية تستند إلى معلومات من داخل الحركة، مما يكبدها خسائر قيادية كبرى.
مصدر آخر سرب أن العملية كانت تستهدف اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس في القطاع، وأن الاشتباك مع الدورية الإسرائيلية المتسللة وقع على مقربة من منزل السنوار. فإذا كان هذا هو الهدف، فمعناه أن العملية فشلت فشلاً ذريعاً.
أما مصدر ثالث فقد قال أن العملية كانت تستهدف منزلاً في خانيونس، تعتقد قوات الاحتلال أن حركة حماس تعتقل فيه أسراها من الجيش الإسرائيلي؛ لإطلاق سراحهم.
الخلاصة أن العملية وإن تعددت أهدافها، حسب المصادر، فشلت في تحقيق أهدافها. وهذا انتصار للمقاومة لا يحق لأحد أن ينكره عليها وفق أي مقياس من المقاييس العسكرية والاستخباراتية والسياسية.
ولعل من النتائج الإيجابية للعملية أن المقاومة، باعتراف حماس اكتشفت شبكة من العملاء داخل القطاع، وأن التحقيقات قادت إليهم بحيث تم اعتقالهم.
(2)
من نتائج العملية وانفجار الوضع بين جيش الاحتلال وقطاع غزة، أن حكومة نتنياهو انكشفت سياسياً. فرئيس الحكومة يريد أن يطوي هذه الصفحة سريعاً، ليعود إلى تفاهمات التهدئة كما توصل لها مع الأطراف الإقليمية والدولية، خوفاً من أن ينفجر القطاع في وجه الاحتلال أكثر فأكثر، بعد ما تحولت مسيرات العودة وكسر الحصار إلى صداع يومي لجيش الاحتلال، يواجه على الدوام حراكاً شبابياً وشعبياً يصل إلى ذروته في أيام الجمعة. مما كشف طبيعة جيش الاحتلال ووحشيته أمام المجتمع الدولي. ولعل ردود الفعل الدولية على اغتيال قناصيه للمسعفين، والأطفال، والإعلاميين نموذج من نماذج الفضائح التي لحقت بإسرائيل.
بالمقابل وزير حربه افيغدور ليبرمان، ومن موقع المزايدة، ولأسباب انتهازية، يحاول من خلالها كسب تأييد اليمين المتطرف، ولإحساسه العميق بأن جيشه فقد القدرة على الردع، وأنه بات مقيداً، رفض وقف إطلاق النار واتهم رئيس حكومته بالخنوع، وقدم استقالته من الحكومة، وانسحب من الائتلاف. فباتت حكومة نتنياهو على حافة الهاوية تملك أكثرية 61 نائباً فقط لا غير من أصل 120، يكفي أن يتغيب، أو يمرض أحد نواب الأكثرية، لأمكن اسقاط الحكومة ولو بفارق الصوت الواحد.
وهو ما وضع نتنياهو أمام استحقاقات سياسية غاية في التعقيد
(3)
لم تقف الأمور عند هذا الحد. فقد انبرى حليف نتنياهو، نفتالي بنيت رئيس حزب «البيت اليهودي»، وأحد غلاة المستوطنين، الى المطالبة بأن يتولى هو وزارة الجيش (وزارة الدفاع) بدلاً من ليبرمان. وإلا فإن التحالف مهدد بالانفراط، في وقت يدرك فيه بنيت أن نتنياهو لا يمكنه أن يسلم وزارة أولى من وزارات حكومته إلى حزب متدين، قد يشكل نفوذه خطراً على مستقبل الليكود فضلاً عن أن هذه الخطوة ستلقى اعتراضاً من الجيش نفسه. لذلك أصر على التمسك بوزارة الدفاع لنفسه، بحيث بات يحمل حقيبة رئيس الحكومة والخارجية، والدفاع، وحقيبة أخرى كانت بيد حزب ليبرمان هي وزارة الهجرة والاستيعاب، قدمت حاملتها هي الأخرى استقالتها.
وقد ازداد الأمر تعقيداً أن وزير المال موشيه كحلون، طالب نتنياهو بأن تقدم الحكومة استقالتها إلى الكنيست، وأن تجري انتخابات مبكرة، بعضهم اقترح آذار (مارس) من العام القادم موعداً لذلك والبعض الآخر اقترح أيار (مايو) أو حزيران (يونيو). علماً أن ولاية الكنيست تنتهي في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام القادم؛ أي بعد عام تقريباً.
ومما لا شك فيه أن نتنياهو بذل جهوداً مضنية في حوارات معقدة أجراها مع حليفيه «البيت اليهودي» وحزب «كلنا» (كحلون) لإقناع الأول ببقاء «الدفاع» بيده، على أن يكلف كاتس، وزير المواصلات بوزارة الخارجية. ولإقناع الثاني بعدم الدعوة لانتخابات مبكرة لأسباب شرحها للطرفين بإسهاب شديد. علماً أن نتنياهو خاض معركة الحفاظ على حكومته (التي باتت تعيش أيامها الأخيرة) وهو مهدد بسيف القضاء الإسرائيلي متهماً بالفساد، وتلقي رشاوي في صفقة الغواصات الألمانية، إلى جانب زوجته سارة، المتهمة هي الأخرى من قبل الشرطة والنيابة العامة، بالفساد، وهدر المال العام في مصاريف خاصة لا تمت بصلة إلى موقعها كزوجة لرئيس الحكومة. وتتحدث الأوساط الإسرائيلية عن إمكانية إحالة الاثنين إلى المحاكمة بين لحظة وأخرى.
(4)
نتنياهو الآن في أضعف حالاته. وبات مقيداً لأكثر من سبب بحيث لا يريد أن يدعو لانتخابات مبكرة، ويحاول أن يبعد الانتخابات حتى أبعد موعد ممكن. لماذا؟
• أولاً: لأن مغامرة جيشه الفاشلة في قطاع غزة، أبرزت كم بات هذا الجيش عاجزاً عن تحقيق أهداف استراتيجية ذات تأثير فعلي. ماعدا القتل وتدمير المنازل والمقرات. وكلما خرج جيش الاحتلال فاشلاً من جولة عدوانية مع القطاع، كلما، بالمقابل، ازداد وزن المقاومة، وتطورت قدراتها، واتسعت مكانتها في المعادلة السياسية، إن على الصعيد الفلسطيني، أو على الصعيد الإقليمي، خاصة في مواجهة الاحتلال والحصار. وبالتالي فإن أية دعوة للانتخابات من قبل نتنياهو «الفاشل» ستعني إما خسارته للأكثرية النيابية، أو تراجع مكانته، وبالتالي تزايد مكانة الآخرين، ما قد يعطل، أو يصعّب عليه العودة إلى رئاسة الحكومة، خاصة في ظل تصعيد حلفائه لشروط التأليف وكيفية توزيع الحصص.
• ثانياً: لأن واشنطن أبلغته بقرب الكشف عن خطة «صفقة العصر» وأن عليه أن يجهز نفسه لتقديم «تنازلات» للجانب الفلسطيني. ويخشى نتنياهو أن تمارس واشنطن عليه ضغوطاً «لتقديم التنازلات» ما يضعه أمام خيارين: إما أن يستجيب لضغوط واشنطن. فيبدو أمام حزبه، وحلفائه، والشارع، حالة ضعيفة تؤثر على شعبيته. وإما أن يرفض ضغوط واشنطن فيعكر علاقات تل أبيب مع إدارة ترامب، ويبدو أمام حلفائه، وأمام الشارع الإسرائيلي، مسؤولاً عن تعكير العلاقات مع الحلف الأكبر. وفي الحالتين هو الخاسر. ما يؤثر على نتائج الانتخابات إن هي جرت في آذار (مارس) القادم. لذلك يضغط نتنياهو على ترامب ليؤجل الكشف عن «صفقة العصر» إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة. أي إلى حزيران (يونيو) القادم، كأقرب موعد ممكن.
• ثالثاً: إنه يقف تحت سيف القضاء، الذي قد يستدعيه في أية لحظة للمحاكمة بتهمة الفساد. ولعل نتنياهو لم ينسَ كيف سبقه إلى السجن، للسبب ذاته، رئيس حكومة إسرائيل الأسبق (يهود أولمرت) ورئيس حزب شاس ارييه درعي وآخرون. لذلك سيحاول نتنياهو أن يخلط الأوراق داخل إسرائيل. ولا خيار أمامه سوى العودة إلى سلاحه الوحيد: العدوان على قطاع غزة في جولة أخرى. إما في حرب قد تمتد لأيام، وإما باللجوء إلى اغتيال قيادات في المقاومة الفلسطينية، ما يعيد تقديمه إلى الشارع الإسرائيلي على إنه صاحب إنجاز نوعي، من شأنه أن يعكر الأجواء لمنع ترامب من الكشف عن «صفقة العصر» بانتظار عودة الهدوء، وأن يوفر نتنياهو الفرصة ليقوي موقعه على رأس حزبه، بحيث يستعيد مكانته في انتخابات مبكرة، قد تدعو لها حكومته، وفي الوقت الذي يراه هو مناسباً.
أياً كان السيناريو الذي سيأخذ طريقه إلى التطبيق، فإن هذا لا ينفي، بل يؤكد، أن نتنياهو في أضعف حالاته، وأنه يستجدي الظروف والتطورات ليخرج من المأزق الذي دخلته حكومته مؤخراً.
المهم في هذا كله، أن نتنياهو يقيم حسابات لكل العناصر والتطورات، لكنه يبدو مطمئن، شديد الاطمئنان، لهدوء الجبهة السياسية في العلاقة مع القيادة الرسمية الفلسطينية، ولا يتوقع منها أية مفاجأة قد تخلط له أوراقه.
صحيح أن المقاومة دفعت في تلك الليلة ثمناً باهظاً لإفشال العملية. سبعة شهداء. لكن الصحيح أيضاً، (وهذا ما تجاهله الكثيرون ممن قللوا من صمود القطاع ومقاومته، وقللوا كثيراً من أهمية الأداء المقاوم في الجولة الأخيرة) أن العملية لو حققت أهدافها لعادت على المقاومة بخسائر أكثر فداحة من استشهاد سبعة من المقاتلين من بينهم أحد القادة الميدانيين.
فقد سربت مصادر إسرائيلية أن الهدف من العملية كان زرع أجهزة تنصت على شبكة الاتصال الأرضية السلكية لحركة حماس. إذ لا تعتمد الحركة على الأجهزة الهوائية، لسهولة كشفها، بل تعتمد على شبكة سلكية خاصة بها، منتشرة في أنحاء القطاع، على غرار الشبكة السلكية الخاصة التي يعتمدها حزب الله في لبنان. ولو أن العملية نجحت لبات بإمكان جيش الاحتلال التنصت على مكالمات حماس، والتخطيط بناء عليه لعمليات تخريبية تستند إلى معلومات من داخل الحركة، مما يكبدها خسائر قيادية كبرى.
مصدر آخر سرب أن العملية كانت تستهدف اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس في القطاع، وأن الاشتباك مع الدورية الإسرائيلية المتسللة وقع على مقربة من منزل السنوار. فإذا كان هذا هو الهدف، فمعناه أن العملية فشلت فشلاً ذريعاً.
أما مصدر ثالث فقد قال أن العملية كانت تستهدف منزلاً في خانيونس، تعتقد قوات الاحتلال أن حركة حماس تعتقل فيه أسراها من الجيش الإسرائيلي؛ لإطلاق سراحهم.
الخلاصة أن العملية وإن تعددت أهدافها، حسب المصادر، فشلت في تحقيق أهدافها. وهذا انتصار للمقاومة لا يحق لأحد أن ينكره عليها وفق أي مقياس من المقاييس العسكرية والاستخباراتية والسياسية.
ولعل من النتائج الإيجابية للعملية أن المقاومة، باعتراف حماس اكتشفت شبكة من العملاء داخل القطاع، وأن التحقيقات قادت إليهم بحيث تم اعتقالهم.
(2)
من نتائج العملية وانفجار الوضع بين جيش الاحتلال وقطاع غزة، أن حكومة نتنياهو انكشفت سياسياً. فرئيس الحكومة يريد أن يطوي هذه الصفحة سريعاً، ليعود إلى تفاهمات التهدئة كما توصل لها مع الأطراف الإقليمية والدولية، خوفاً من أن ينفجر القطاع في وجه الاحتلال أكثر فأكثر، بعد ما تحولت مسيرات العودة وكسر الحصار إلى صداع يومي لجيش الاحتلال، يواجه على الدوام حراكاً شبابياً وشعبياً يصل إلى ذروته في أيام الجمعة. مما كشف طبيعة جيش الاحتلال ووحشيته أمام المجتمع الدولي. ولعل ردود الفعل الدولية على اغتيال قناصيه للمسعفين، والأطفال، والإعلاميين نموذج من نماذج الفضائح التي لحقت بإسرائيل.
بالمقابل وزير حربه افيغدور ليبرمان، ومن موقع المزايدة، ولأسباب انتهازية، يحاول من خلالها كسب تأييد اليمين المتطرف، ولإحساسه العميق بأن جيشه فقد القدرة على الردع، وأنه بات مقيداً، رفض وقف إطلاق النار واتهم رئيس حكومته بالخنوع، وقدم استقالته من الحكومة، وانسحب من الائتلاف. فباتت حكومة نتنياهو على حافة الهاوية تملك أكثرية 61 نائباً فقط لا غير من أصل 120، يكفي أن يتغيب، أو يمرض أحد نواب الأكثرية، لأمكن اسقاط الحكومة ولو بفارق الصوت الواحد.
وهو ما وضع نتنياهو أمام استحقاقات سياسية غاية في التعقيد
(3)
لم تقف الأمور عند هذا الحد. فقد انبرى حليف نتنياهو، نفتالي بنيت رئيس حزب «البيت اليهودي»، وأحد غلاة المستوطنين، الى المطالبة بأن يتولى هو وزارة الجيش (وزارة الدفاع) بدلاً من ليبرمان. وإلا فإن التحالف مهدد بالانفراط، في وقت يدرك فيه بنيت أن نتنياهو لا يمكنه أن يسلم وزارة أولى من وزارات حكومته إلى حزب متدين، قد يشكل نفوذه خطراً على مستقبل الليكود فضلاً عن أن هذه الخطوة ستلقى اعتراضاً من الجيش نفسه. لذلك أصر على التمسك بوزارة الدفاع لنفسه، بحيث بات يحمل حقيبة رئيس الحكومة والخارجية، والدفاع، وحقيبة أخرى كانت بيد حزب ليبرمان هي وزارة الهجرة والاستيعاب، قدمت حاملتها هي الأخرى استقالتها.
وقد ازداد الأمر تعقيداً أن وزير المال موشيه كحلون، طالب نتنياهو بأن تقدم الحكومة استقالتها إلى الكنيست، وأن تجري انتخابات مبكرة، بعضهم اقترح آذار (مارس) من العام القادم موعداً لذلك والبعض الآخر اقترح أيار (مايو) أو حزيران (يونيو). علماً أن ولاية الكنيست تنتهي في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام القادم؛ أي بعد عام تقريباً.
ومما لا شك فيه أن نتنياهو بذل جهوداً مضنية في حوارات معقدة أجراها مع حليفيه «البيت اليهودي» وحزب «كلنا» (كحلون) لإقناع الأول ببقاء «الدفاع» بيده، على أن يكلف كاتس، وزير المواصلات بوزارة الخارجية. ولإقناع الثاني بعدم الدعوة لانتخابات مبكرة لأسباب شرحها للطرفين بإسهاب شديد. علماً أن نتنياهو خاض معركة الحفاظ على حكومته (التي باتت تعيش أيامها الأخيرة) وهو مهدد بسيف القضاء الإسرائيلي متهماً بالفساد، وتلقي رشاوي في صفقة الغواصات الألمانية، إلى جانب زوجته سارة، المتهمة هي الأخرى من قبل الشرطة والنيابة العامة، بالفساد، وهدر المال العام في مصاريف خاصة لا تمت بصلة إلى موقعها كزوجة لرئيس الحكومة. وتتحدث الأوساط الإسرائيلية عن إمكانية إحالة الاثنين إلى المحاكمة بين لحظة وأخرى.
(4)
نتنياهو الآن في أضعف حالاته. وبات مقيداً لأكثر من سبب بحيث لا يريد أن يدعو لانتخابات مبكرة، ويحاول أن يبعد الانتخابات حتى أبعد موعد ممكن. لماذا؟
• أولاً: لأن مغامرة جيشه الفاشلة في قطاع غزة، أبرزت كم بات هذا الجيش عاجزاً عن تحقيق أهداف استراتيجية ذات تأثير فعلي. ماعدا القتل وتدمير المنازل والمقرات. وكلما خرج جيش الاحتلال فاشلاً من جولة عدوانية مع القطاع، كلما، بالمقابل، ازداد وزن المقاومة، وتطورت قدراتها، واتسعت مكانتها في المعادلة السياسية، إن على الصعيد الفلسطيني، أو على الصعيد الإقليمي، خاصة في مواجهة الاحتلال والحصار. وبالتالي فإن أية دعوة للانتخابات من قبل نتنياهو «الفاشل» ستعني إما خسارته للأكثرية النيابية، أو تراجع مكانته، وبالتالي تزايد مكانة الآخرين، ما قد يعطل، أو يصعّب عليه العودة إلى رئاسة الحكومة، خاصة في ظل تصعيد حلفائه لشروط التأليف وكيفية توزيع الحصص.
• ثانياً: لأن واشنطن أبلغته بقرب الكشف عن خطة «صفقة العصر» وأن عليه أن يجهز نفسه لتقديم «تنازلات» للجانب الفلسطيني. ويخشى نتنياهو أن تمارس واشنطن عليه ضغوطاً «لتقديم التنازلات» ما يضعه أمام خيارين: إما أن يستجيب لضغوط واشنطن. فيبدو أمام حزبه، وحلفائه، والشارع، حالة ضعيفة تؤثر على شعبيته. وإما أن يرفض ضغوط واشنطن فيعكر علاقات تل أبيب مع إدارة ترامب، ويبدو أمام حلفائه، وأمام الشارع الإسرائيلي، مسؤولاً عن تعكير العلاقات مع الحلف الأكبر. وفي الحالتين هو الخاسر. ما يؤثر على نتائج الانتخابات إن هي جرت في آذار (مارس) القادم. لذلك يضغط نتنياهو على ترامب ليؤجل الكشف عن «صفقة العصر» إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة. أي إلى حزيران (يونيو) القادم، كأقرب موعد ممكن.
• ثالثاً: إنه يقف تحت سيف القضاء، الذي قد يستدعيه في أية لحظة للمحاكمة بتهمة الفساد. ولعل نتنياهو لم ينسَ كيف سبقه إلى السجن، للسبب ذاته، رئيس حكومة إسرائيل الأسبق (يهود أولمرت) ورئيس حزب شاس ارييه درعي وآخرون. لذلك سيحاول نتنياهو أن يخلط الأوراق داخل إسرائيل. ولا خيار أمامه سوى العودة إلى سلاحه الوحيد: العدوان على قطاع غزة في جولة أخرى. إما في حرب قد تمتد لأيام، وإما باللجوء إلى اغتيال قيادات في المقاومة الفلسطينية، ما يعيد تقديمه إلى الشارع الإسرائيلي على إنه صاحب إنجاز نوعي، من شأنه أن يعكر الأجواء لمنع ترامب من الكشف عن «صفقة العصر» بانتظار عودة الهدوء، وأن يوفر نتنياهو الفرصة ليقوي موقعه على رأس حزبه، بحيث يستعيد مكانته في انتخابات مبكرة، قد تدعو لها حكومته، وفي الوقت الذي يراه هو مناسباً.
أياً كان السيناريو الذي سيأخذ طريقه إلى التطبيق، فإن هذا لا ينفي، بل يؤكد، أن نتنياهو في أضعف حالاته، وأنه يستجدي الظروف والتطورات ليخرج من المأزق الذي دخلته حكومته مؤخراً.
المهم في هذا كله، أن نتنياهو يقيم حسابات لكل العناصر والتطورات، لكنه يبدو مطمئن، شديد الاطمئنان، لهدوء الجبهة السياسية في العلاقة مع القيادة الرسمية الفلسطينية، ولا يتوقع منها أية مفاجأة قد تخلط له أوراقه.