- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2018-11-29
بجهود مصرية حميدة، استأنف طرفا الانقسام، فتح وحماس، مباحثاتهما مع القاهرة، كل على حدة، للوصول إلى وضع جديد، يقود إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.
هذا الجهد المصري ليس هو الأول من نوعه، فلقد سبق للقاهرة أن تولت هذا الأمر عدة مرات، بعضها وصل إلى تفاهمات تعطل تطبيقها لسبب أو لآخر، وبعضها جرى تطبيقه لفترة معينة، ثم انكفأ الطرفان، كل إلى معسكره الانقسامي، ولدى كل طرف ذرائعه وحججه التي يبرر بها خطوته الانكفائية، وتعطيله تفاهمات كانا قد توصلا لها مرات عدة.
هذه المرة نلاحظ أن الأمور عادت لتدور حول العناوين التي سبق وأن تناولها الطرفان: حكومة وفاق وطني، إعادة إحياء المجلس التشريعي في السلطة الفلسطينية، خطة لانتخابات شاملة لإعادة بناء المؤسسة الفلسطينية على أسس ديمقراطية عبر نظام التمثيل النسبي الكامل.
لكن، في استناد إلى التجارب المرة، لتعاطي الطرفين مع مثل هذه العناوين، يلاحظ أن الانفجار سرعان ما يفاجئنا جميعاً، عند الدخول في تفاصيل تطبيق ما تم «التفاهم» عليه. وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول، في احتراب إعلامي، يحاول كل طرف أن يحمل الطرف الآخر مسؤولية تعطيل «التفاهمات». وليس هذا بأمر جديد، فقد اعتادت الحالة الفلسطينية عليه، حتى أن بعضنا بات يتنبأ مسبقاً أن أية محاولة تبذلها القاهرة لإصلاح ذات البين بين الطرفين، ستبوء حتماً بالفشل.
* * *
• إذا ما أخذنا قضية «حكومة التوافق» نلاحظ أن تشكيلها باتفاق ثنائي (مع ترك المقاعد القليلة لفصائل أخرى) سرعان ما يقودها إلى الانفجار، رغم أن المباحثات الثنائية قد تمتد لأشهر طويلة، على غرار المباحثات بين الرئيس عباس، ورئيس حكومة حماس الأولى اسماعيل هنية في أعقاب التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في 26/6/2006. إذ اتفق الطرفان على ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني، واستمر البحث فيها حتى نهاية كانون الثاني(يناير) 2007، ولم تشهد هذه الحكومة النور إلا في شهر شباط، لينفرط عقدها في حزيران (يونيو) مع انقلاب حركة حماس.
وعندما توافق الطرفان، وفي مرة أخرى على حكومة وفاق وطني، في اتفاق الشاطئ في نيسان 2014، لم تنجح هذه الحكومة في إنهاء الانقسام، وبقيت الأمور على ماهي عليه.
السبب! أن هذه الحكومات تقوم على أساس المحاصصة، ولا تقوم على أساس الوحدة الوطنية، بحيث تضم أوسع لوحة من القوى الفلسطينية، وفقاً لبرنامج سياسي وطني، متوافق عليه، وردت عناوينه في وثيقة الوفاق الوطني(2006) وفي أكثر من وثيقة وطنية أخرى، كانت نتاجاً لأعمال لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف ومؤسساتها التي عقدت سلسلة اجتماعات في القاهرة على أعلى المستويات القيادية.
• أما العودة إلى المجلس التشريعي (المشلول) وإحياؤه، ليراقب على أعمال حكومة الوفاق الوطني، فليست إلا خطوة على أرض مزروعة بالألغام. فالمجلس التشريعي، الذي أنتجته انتخابات 2006، يشكل النموذج الفاقع لسياسة المحاصصة، لأنه كان نتاجاً لقانون متخلف لا يعكس موازين القوى في الساحة الفلسطينية، يقوم على التجاذب الثنائي. وإن كنا لسنا بوارد تقييم هذا المجلس، فإننا في الوقت نفسه نذكر بأن المجلس التشريعي، بتركيبته عام 2006، لعب دوراً رئيسياً وكبيراً في خلق الانقسام بين الطرفين، حتى قبل الانقلاب الدموي، وتحول إلى ساحة للصراع غير المبدئي بين فتح وحماس، وميداناً للمناكفة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، لذلك فشل المجلس طوال الفترة التي عاشها في إقرار قانون واحد. والعودة إلى هذا المجلس بتركيبته الحالية خطوة خطيرة لأنها تتجاوز ما دخل على الحالة الفلسطينية من تطورات، إن في القوانين، أو في موازين القوى في الميدان.
ففي القوانين، بات قانون الانتخابات يقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل، بحيث يتيح لأوسع صف في المجتمع الفلسطيني، حزباً ومستقلاً، أن يخوض معركة الانتخابات للوصول إلى برلمان السلطة الفلسطينية، وبالتالي سوف تكون خريطة المجلس القادم مختلفة تماماً، بحيث لن يكون فيه أغلبية ساحقة لطرف دون غيره، ولن تستقيم تشكيلات اللجان المتفرعة عنه، ولا تشكيل الحكومة كسلطة تنفيذية، إلا في سياق تحالفات. وأساس التحالفات، هو الاتفاق على البرنامج، وليس المحاصصة كما هو قائم الآن.
لذلك إن أي اقتراح بحكومة وفاق وطني، وإحياء المجلس التشريعي، ما هي إلا وصفة لتأسيس أزمة جديدة لن تكون خاتمتها أقل ضرراً من سابقاتها.
* * *
إنهاء الانقسام، مستفيدين من التجارب المرة التي عاشتها الحالة الفلسطينية، تحت وطأة تجاذبات وصدامات الطرفين، لا بد أن يكون ممره الاجباري الإطار الوطني الأوسع أي م.ت.ف. فإنهاء الانقسام بين الطرفين خارج إطار المؤسسة الوطنية، أثبتت التجارب فشله. والوصول إلى م.ت.ف، لابد أن يمر بالخطوات التالية:
• تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيداً عن المحاصصة (كالادعاء أن تمثيل القوى في الحكومة يجب أن يتطابق مع تمثيلها في المجلس التشريعي) والشرط الأهم لإنجاح هذه الحكومة هو برنامجها، بحيث تكون مدخلاً لإعادة توحيد الحالة الفلسطينية على أسس برنامجية وطنية وعلى قاعدة الشراكة الوطنية. بحيث تشرف هذه الحكومة على انتخابات شاملة تشريعية (للمجلسين التشريعي والوطني) وفق نظام التمثيل النسبي الكامل والرئاسية.
• إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الخلاص من الاحتلال والاستيطان، عبر المقاومة والانتفاضة في الميدان على طريق التحول إلى العصيان الوطني، والمقاومة في المحافل الدولية، لنزع الشرعية عن الاحتلال، وعزل دولة الاستعمار الاستيطاني، وحل المسألة الفلسطينية في مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة وبموجب قراراتها ذات الصلة.
• إدخال الإصلاحات الضرورية على المؤسسة الفلسطينية، على المستوى القيادي الأول، والاصلاحات الضرورية على المؤسسة التنفيذية، بحيث يتم الفصل بين مؤسسات م.ت.ف، المرجعية الاعلى، وبين مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإعادة بناء مؤسسات السلطة على أسس مهنية، بعيداً عن المحاصصات الحزبية و تغليب الولاء على الكفاءة، ومكافحة الفساد، والتأكيد أن السلطة في خدمة المواطن، وليس كما هو قائم الآن، المواطن في خدمة السلطة.
• إعادة الاعتبار للقضية الوطنية باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال، ومؤسساته هي مؤسسات حركة وطنية، ما يوجب إقامة العلاقات الداخلية على أسس الشراكة الوطنية، والتقدم إلى العالم بهذه الصيغة، بعيداً عن أوهام بناء الدولة تحت الاحتلال، والإدعاء أن السلطة الفلسطينية باتت دولة لا ينقصها سوى السيادة، وكأن السيادة عنصر ثانوي في هذا الأمر، وليست العنصر الأساس، إذ ما قيمة الدول إذا كانت لا تضمن لشعبها سيادته على نفسه وعلى أرضه.
ولعل تلك التصريحات التي استبقت مباحثات إنهاء الانقسام، وواكبتها، من قبل الطرفين، وألقت ظلال الشك على نجاحها، دليل نستند إليه في تأكيد رأينا بشأن وضع حد حقيقي للانقسام.
هذا الجهد المصري ليس هو الأول من نوعه، فلقد سبق للقاهرة أن تولت هذا الأمر عدة مرات، بعضها وصل إلى تفاهمات تعطل تطبيقها لسبب أو لآخر، وبعضها جرى تطبيقه لفترة معينة، ثم انكفأ الطرفان، كل إلى معسكره الانقسامي، ولدى كل طرف ذرائعه وحججه التي يبرر بها خطوته الانكفائية، وتعطيله تفاهمات كانا قد توصلا لها مرات عدة.
هذه المرة نلاحظ أن الأمور عادت لتدور حول العناوين التي سبق وأن تناولها الطرفان: حكومة وفاق وطني، إعادة إحياء المجلس التشريعي في السلطة الفلسطينية، خطة لانتخابات شاملة لإعادة بناء المؤسسة الفلسطينية على أسس ديمقراطية عبر نظام التمثيل النسبي الكامل.
لكن، في استناد إلى التجارب المرة، لتعاطي الطرفين مع مثل هذه العناوين، يلاحظ أن الانفجار سرعان ما يفاجئنا جميعاً، عند الدخول في تفاصيل تطبيق ما تم «التفاهم» عليه. وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول، في احتراب إعلامي، يحاول كل طرف أن يحمل الطرف الآخر مسؤولية تعطيل «التفاهمات». وليس هذا بأمر جديد، فقد اعتادت الحالة الفلسطينية عليه، حتى أن بعضنا بات يتنبأ مسبقاً أن أية محاولة تبذلها القاهرة لإصلاح ذات البين بين الطرفين، ستبوء حتماً بالفشل.
* * *
• إذا ما أخذنا قضية «حكومة التوافق» نلاحظ أن تشكيلها باتفاق ثنائي (مع ترك المقاعد القليلة لفصائل أخرى) سرعان ما يقودها إلى الانفجار، رغم أن المباحثات الثنائية قد تمتد لأشهر طويلة، على غرار المباحثات بين الرئيس عباس، ورئيس حكومة حماس الأولى اسماعيل هنية في أعقاب التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في 26/6/2006. إذ اتفق الطرفان على ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني، واستمر البحث فيها حتى نهاية كانون الثاني(يناير) 2007، ولم تشهد هذه الحكومة النور إلا في شهر شباط، لينفرط عقدها في حزيران (يونيو) مع انقلاب حركة حماس.
وعندما توافق الطرفان، وفي مرة أخرى على حكومة وفاق وطني، في اتفاق الشاطئ في نيسان 2014، لم تنجح هذه الحكومة في إنهاء الانقسام، وبقيت الأمور على ماهي عليه.
السبب! أن هذه الحكومات تقوم على أساس المحاصصة، ولا تقوم على أساس الوحدة الوطنية، بحيث تضم أوسع لوحة من القوى الفلسطينية، وفقاً لبرنامج سياسي وطني، متوافق عليه، وردت عناوينه في وثيقة الوفاق الوطني(2006) وفي أكثر من وثيقة وطنية أخرى، كانت نتاجاً لأعمال لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف ومؤسساتها التي عقدت سلسلة اجتماعات في القاهرة على أعلى المستويات القيادية.
• أما العودة إلى المجلس التشريعي (المشلول) وإحياؤه، ليراقب على أعمال حكومة الوفاق الوطني، فليست إلا خطوة على أرض مزروعة بالألغام. فالمجلس التشريعي، الذي أنتجته انتخابات 2006، يشكل النموذج الفاقع لسياسة المحاصصة، لأنه كان نتاجاً لقانون متخلف لا يعكس موازين القوى في الساحة الفلسطينية، يقوم على التجاذب الثنائي. وإن كنا لسنا بوارد تقييم هذا المجلس، فإننا في الوقت نفسه نذكر بأن المجلس التشريعي، بتركيبته عام 2006، لعب دوراً رئيسياً وكبيراً في خلق الانقسام بين الطرفين، حتى قبل الانقلاب الدموي، وتحول إلى ساحة للصراع غير المبدئي بين فتح وحماس، وميداناً للمناكفة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، لذلك فشل المجلس طوال الفترة التي عاشها في إقرار قانون واحد. والعودة إلى هذا المجلس بتركيبته الحالية خطوة خطيرة لأنها تتجاوز ما دخل على الحالة الفلسطينية من تطورات، إن في القوانين، أو في موازين القوى في الميدان.
ففي القوانين، بات قانون الانتخابات يقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل، بحيث يتيح لأوسع صف في المجتمع الفلسطيني، حزباً ومستقلاً، أن يخوض معركة الانتخابات للوصول إلى برلمان السلطة الفلسطينية، وبالتالي سوف تكون خريطة المجلس القادم مختلفة تماماً، بحيث لن يكون فيه أغلبية ساحقة لطرف دون غيره، ولن تستقيم تشكيلات اللجان المتفرعة عنه، ولا تشكيل الحكومة كسلطة تنفيذية، إلا في سياق تحالفات. وأساس التحالفات، هو الاتفاق على البرنامج، وليس المحاصصة كما هو قائم الآن.
لذلك إن أي اقتراح بحكومة وفاق وطني، وإحياء المجلس التشريعي، ما هي إلا وصفة لتأسيس أزمة جديدة لن تكون خاتمتها أقل ضرراً من سابقاتها.
* * *
إنهاء الانقسام، مستفيدين من التجارب المرة التي عاشتها الحالة الفلسطينية، تحت وطأة تجاذبات وصدامات الطرفين، لا بد أن يكون ممره الاجباري الإطار الوطني الأوسع أي م.ت.ف. فإنهاء الانقسام بين الطرفين خارج إطار المؤسسة الوطنية، أثبتت التجارب فشله. والوصول إلى م.ت.ف، لابد أن يمر بالخطوات التالية:
• تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيداً عن المحاصصة (كالادعاء أن تمثيل القوى في الحكومة يجب أن يتطابق مع تمثيلها في المجلس التشريعي) والشرط الأهم لإنجاح هذه الحكومة هو برنامجها، بحيث تكون مدخلاً لإعادة توحيد الحالة الفلسطينية على أسس برنامجية وطنية وعلى قاعدة الشراكة الوطنية. بحيث تشرف هذه الحكومة على انتخابات شاملة تشريعية (للمجلسين التشريعي والوطني) وفق نظام التمثيل النسبي الكامل والرئاسية.
• إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الخلاص من الاحتلال والاستيطان، عبر المقاومة والانتفاضة في الميدان على طريق التحول إلى العصيان الوطني، والمقاومة في المحافل الدولية، لنزع الشرعية عن الاحتلال، وعزل دولة الاستعمار الاستيطاني، وحل المسألة الفلسطينية في مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة وبموجب قراراتها ذات الصلة.
• إدخال الإصلاحات الضرورية على المؤسسة الفلسطينية، على المستوى القيادي الأول، والاصلاحات الضرورية على المؤسسة التنفيذية، بحيث يتم الفصل بين مؤسسات م.ت.ف، المرجعية الاعلى، وبين مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإعادة بناء مؤسسات السلطة على أسس مهنية، بعيداً عن المحاصصات الحزبية و تغليب الولاء على الكفاءة، ومكافحة الفساد، والتأكيد أن السلطة في خدمة المواطن، وليس كما هو قائم الآن، المواطن في خدمة السلطة.
• إعادة الاعتبار للقضية الوطنية باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال، ومؤسساته هي مؤسسات حركة وطنية، ما يوجب إقامة العلاقات الداخلية على أسس الشراكة الوطنية، والتقدم إلى العالم بهذه الصيغة، بعيداً عن أوهام بناء الدولة تحت الاحتلال، والإدعاء أن السلطة الفلسطينية باتت دولة لا ينقصها سوى السيادة، وكأن السيادة عنصر ثانوي في هذا الأمر، وليست العنصر الأساس، إذ ما قيمة الدول إذا كانت لا تضمن لشعبها سيادته على نفسه وعلى أرضه.
ولعل تلك التصريحات التي استبقت مباحثات إنهاء الانقسام، وواكبتها، من قبل الطرفين، وألقت ظلال الشك على نجاحها، دليل نستند إليه في تأكيد رأينا بشأن وضع حد حقيقي للانقسام.