- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2019-01-02
مع إعلان وزيرين إسرائيليين انفصلا عن حزب البيت اليهودي تأسيس حزب اليمين الجديد، كُتبت تحليلات كثيرة في معرض إيجاد تعريف من شأنه الإحاطة بالمصطلح من شتى جوانبه.
وقبل تأسيس هذا الحزب بأعوام، يتواتر استعمال مصطلح "اليمين الإسرائيلي الجديد"، بغية جُملة أهداف، منها إقامة حدّ فاصل بينه وبين "اليمين التنقيحيّ"، الذي يتبنّى فكر زئيف جابوتنسكي. ومعروفٌ أن حزب الليكود الحاكم تطوّر إلى ما هو عليه الآن من مدرسة الصهيونية التنقيحية، التي قادها ونظّر لها جابوتنسكي، وخلفه في قيادتها مناحيم بيغن، رئيس الحكومة الأسبق. وحمل الليكود، متأثرًا بأفكار مؤسّسه، توجهًا إيديولوجيًا ينطلق من رفض أي تقسيم لفلسطين التاريخية، حتى بعد مرحلة احتلال الأراضي الفلسطينية في 1967. ولكن بالإضافة إلى توجهه القومي حيال "أرض إسرائيل الكاملة"، وبموازاته، حمل توجُهًا ليبراليًا، وخصوصًا في الاقتصاد، وإلى حدّ ما في الحقوق المدنية والفردية. ولم يكن يعتقد أن هناك تناقضًا بين توجهيه، القومي والليبرالي، ورأى أن الحل لـ"الصراع القوميّ" يكمن في فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنح الفلسطينيين في هذه المناطق حقوقًا مدنية وسياسية فردية في إطار الدولة اليهودية، الأمر الذي تراجع عنه بيغن، في المستوى التصريحي على الأقل، في إطار عملية كامب ديفيد مع مصر (1978) التي اشتملت على إقرارٍ بمنح الفلسطينيين حُكمًا ذاتيًّا.
وينبغي الإشارة، في هذا الشأن، إلى أن النخب الليكودية القديمة، ذات مثل هذه التوجهات الليبرالية، تم إقصاء غالبيتها في الدورات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي تدريجيا، وتسلمت مكانها نخبٌ جديدةٌ، تنتمي إلى الصهيونية الدينية فكريًا، أو تحمل توجهاتٍ يمينية متطرّفة تشبه توجهات اليمين المُتطرّف في أوروبا، ولا سيما في ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الفردية.
كما أن النخب الأشكنازية في الليكود تراجعت لمصلحة قيادات شرقية وروسية، تحمل أجنداتٍ غير ليبرالية وغير ديمقراطية ومُعادية للعرب، وكذلك للنخب الأشكنازية القديمة من "اليسار الصهيوني". وتؤسّس هذه النخب الجديدة فعليًا لنظام أبارتهايد (تمييز عنصري)، يجسّد إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وضم مناطق من الضفة الغربية، وحرمان الفلسطينيين من أي حقوقٍ سياسيةٍ ومدنيةٍ متساويةٍ وكاملة.
وفي عام 2017 صدر في إسرائيل كتاب "لماذا تصوّت لليمين وتحصل على اليسار"، يزعم مؤلفه إيرز تدمور، وهو أحد قادة حركة إم ترتسو (يمينية متطرفة) ومؤسسيها، أنه على الرغم من مرور أربعين عامًا على تسلم حزب الليكود الحكم في إسرائيل، واصل اليسار الحكم من خلال النُخب القديمة التي كانت في معظمها موالية لـ"الحركة الصهيونية العمالية" بزعامة حزب مباي، التاريخي. وجزم بأن القوة الهائلة التي ما زالت هذه النخبة تحتفظ بها إنما تنبع فقط من انعدام بُعد النظر والتبصر والفهم السليم لدى بيغن (استعمل كلمة خيانة حياله)، وكثيرين من مكملي طريقه في اليمين الإسرائيلي.
يوجّه هذا اليمين الجديد سهامه إلى كل ما يندرج ضمن الـ(politically correct)، اللائق سياسيًا، فأحد الذين أعلنوا نيتهم الانضمام إلى حزب اليمين الجديد، وهو عضو الكنيست السابق من "البيت اليهودي"، يانون ميغال، قال في أول خطاب له أمام الكنيست المنتهية ولايته، في مايو/ أيار 2015: "ثمّة الآن ديانة جديدة: اللائق سياسيًا، والشرعة الأهم في هذه الديانة هي محاذرة الدوس على ألغام. وها أنذا أعلن كفري بهذه الديانة". وتتكرّر على ألسنة دعاة هذا اليمين الجديد مقولات مماثلة، من قبيل "يجب تغيير كل خطاب اللائق سياسيًا الذي يتسبّب بخصي تفكيرنا"، و"اللائق سياسيًا وباء لا بُدّ من الإبراء منه"، و"حذار من اللائق سياسيًا القادم من أوروبا".
ويمكن الاتفاق مع التحليلات التي رأت أن الإجراءات القمعية والإملائية التي قام بها الوزيران، مؤسسا حزب اليمين الجديد، في وزارتي العدل والتربية والتعليم، ستكون المادة الأساسية التي سيتألف منها حزبهما، بحيث يكون مُجنّدًا لنزع ما تبقى من سماتٍ ليبرالية، وإعادة نظام القضاء إلى الوراء، وتبنّي نظام قضائي قديم، المساواة قيمة غريبة عليه.