- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2019-01-26
الذين سارعوا وأفتوا بحل المجلس التشريعي، دون أن يدركوا الأبعاد القانونية والسياسية للقرار، أورثوا الحالة الوطنية الفلسطينية، ملفاً شائكاً، ومعقداً، يضاف إلى سلسلة الملفات الأخرى، المعلقة كحزام ناسف، يهدد المصالح الوطنية لشعب تحت الاحتلال، وفي مواجهة الاستعمار الاستيطاني.
فعدا عن كون القرار يفتقر إلى الدقة القانونية، وهذا ما أفتى به العديد من رجال القانون المحايدين، فإنه اندرج في سياق الاحتراب الثنائي بين فتح وحماس، ووسع جبهة الصدام بين الطرفين، وجر إلى ساحة الخلاف الأطراف الفلسطينية كلها، عدا عن كونه أشبه بموقف تشتم منه رائحة النفاق والالتحاق، على حساب سمعة القضاء الفلسطيني ونزاهته.
تداعيات فتوى حل «التشريعي» أثارت ردود فعل واسعة، لكن أكثر ردود الفعل سخافة، وهزالة، هي من وصفت المعترضين على القرار بأنهم يتمسكون بأوسلو. علماً أن عنوان «أهل أوسلو» معروف للقاصي والداني، ولا يحتاج إلى إعادة تعريف.
ولعل آخر تداعيات فتوى «الحل» ما جاء في بيان الاتحاد الأوروبي (20/1/2019) حين نعى، في حل المجلس التشريعي، «آخر مؤسسة فلسطينية منتخبة ديمقراطياً»، وبالتالي أصبحت، في رأى الاتحاد الأوروبي، (وكثيرين غيره من الأطراف الدولية) المؤسسة الفلسطينية، في م.ت.ف، وفي السلطة، مكشوفة سياسياً، باعتبارها كلها تفتقر إلى الشرعية الديمقراطية، شرعية صندوق الاقتراع. وهو ما يتيح لأي قانوني، أن يستند إلى بيان الاتحاد الأوروبي، ليطعن في شرعية كل المؤسسة الفلسطينية، بكل ما في هذا الطعن من تداعيات كارثية، ليست على من يتولون إدارة الشأن العام فحسب، بل على عموم المصلحة الوطنية الفلسطينية. ولا يستطيع أي كان أن يطعن بنوايا الاتحاد الأوروبي، في وصفه لنتائج حل التشريعي، فالاتحاد الأوروبي ليس طرفاً في الصراعات والنزاعات الفلسطينية الداخلية، لذلك على القائمين على إدارة الشأن العام، أن يأخذوا موقف الاتحاد الأوروبي على محمل الجد.
* * *
وإذا كان الاتحاد الأوروبي، وقبله الصف الواسع والعريض من القوى اليسارية والديمقراطية والوطنية الفلسطينية (ومن ضمنها التجمع الديمقراطي الفلسطيني في برنامجه المعلن) قد دعا إلى معالجة الأمر باللجوء إلى الانتخابات الديمقراطية، ليس للمجلس التشريعي فحسب، بل كذلك لعموم المؤسسات الأخرى، كالرئاسة، والمجلس الوطني (والنقابات والاتحادات الشعبية وغيرها) لتسود العلاقات الديمقراطية بين أطراف الحالة الوطنية والمجتمعية الفلسطينية، فإن العملية الانتخابية ليست مجرد عمل إداري تتولاه «لجنة الانتخابات المركزية»، يوكل الأمر إليها بقرار أو مرسوم رئاسي، دون التمهيد السياسي لتلك الخطوة. فالكل يدرك جيداً أن الطريق إلى الانتخابات مملوء بالحفر والمطبات والألغام السياسية. من بين هذه الألغام الانقسام السياسي بين فتح وحماس،
وقد أخذ بعداً، أكثر خطورة، خاصة حين ادعت حماس لنفسها شرعية المجلس التشريعي (ما تبقى منه في غزة) وراسلت دولاً أعضاء في الأمم المتحدة تطعن في شرعية الرئيس عباس وأهليته.
وبالتالي إن الذهاب إلى الانتخابات، هي بلا شك عملية شديدة التعقيد، وهي انتخابات مفصلية، يقف فيها الجميع على مفترق طرق، سياسي وتنظيمي تاريخي وخطير.
• فهناك «صفقة ترامب»، ومشروع نتنياهو إقامة دولة «إسرائيل الكبرى»، في خطوات متساوقة بين الطرفين، في ظل سياسة فلسطينية رسمية انتظاريه، تعطل تنفيذ قرارات المجلسين المركزي (5/3/2015 + 15/1/2018) والوطني (30/4/2018) ما أحدث خلافات واسعة بين أطراف م.ت.ف. خاصة في ظل مقاطعة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأطراف أخرى، كالمبادرة الوطنية وشخصيات مستقلة دورتي «المركزي» (الـ 29 والـ30) ومقاطعة الجبهة الشعبية المجلس الوطني ودورات المجلس المركزي التي بعده.
• وهناك الانقسام بين فتح وحماس، الذي يزداد استفحالاً، وتزداد تداعياته تدميراً للمصالح الوطنية، وارتفاع حدة الاتهامات السياسية المتبادلة بين الطرفين، ما جعل من العديد من تفاهمات الماضي، جزءاً من الماضي، خاصة بعد أن دخلت على الأحداث في غزة، تطورات جديدة من بينها ما يسمى بـ «تفاهمات التهدئة» والدور القطري المعلن، مالياً وسياسياً.
• وهناك أطراف أعضاء في م. ت. ف. علقت مشاركتها (الشعبية – القيادة العامة، والصاعقة) وكذلك حركة الجهاد التي لها رؤيتها الخاصة بها. وبالتالي، إن الدعوة للانتخابات عملية سياسية من الطراز الأول، يتطلب إنجاحها، التمهيد لها بحوارات وطنية شاملة على أكثر من محور، وأكثر من صعيد، وإلا اعتبرت أية دعوة، دون التمهيد السياسي المطلوب، مجرد مناورة، لا هدف لها سوى إفشال الانتخابات.
* * *
أن يقف النظام السياسي الفلسطيني عارياً من الغطاء السياسي أمام المؤسسات الدولية، من زاوية شرعيته الانتخابية، فرصة للطرفين معاً، الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، للذهاب نحو المزيد من العبث في الملعب الفلسطيني، وتشويه القضية الوطنية الفلسطينية. كما من شأن ذلك أيضاً، أن يضعف المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية أمام الرأي العام، خاصة في المؤسسات البرلمانية الاقليمية والدولية .
وبالتالي إن الحالة الوطنية كلها مدعوة لتأخذ بعين الاعتبار، والمسؤولية الوطنية العالية، بدون حسابات فئوية ضيقة، الإنذار السياسي الأوروبي، على محمل الجد. وأن تزيل العوائق والألغام من طريق الانتخابات.
وهذا ما يعيدنا مرة أخرى إلى ضرورة الاستجابة لدعوات الحوار الوطني الشامل، بين كل الأطراف المعنية ، في هيئة تفعيل وتطوير مؤسسات م.ت.ف، (اللجنة التنفيذية، الأمناء العامون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وشخصيات وطنية). يكون التمهيد لذلك هو إعادة الاعتبار للجنة التنفيذية في م.ت.ف، وإعادة تنظيم أوضاعها، ودورات اجتماعاتها المقررة (وإنهاء لعبة الاجتماعات التشاورية). وكذلك التوقف عن ابتداع وفبركة هيئات بديلة للجنة التنفيذية، كالهيئة المسماة «الهيئة الوطنية العليا» التي تشكلت بقرار فوقي، من أجل أن تحل محل اللجنة التنفيذية، وتحميلها وصفاً لا ينتمي إليها: «القيادة الفلسطينية». فبالعرف الفلسطيني، منذ أيام الراحل الكبير أبو عمار، إن «القيادة الفلسطينية»، هي اللجنة التنفيذية والأمناء العامون، أو من يحل محلهم، ورئيس المجلس الوطني، أي ما يشبه إلى حد كبير الهيئة التي قررها الحوار الوطني في القاهرة في آذار (مارس) 2005، وباتت تحمل رسم «الإطار القيادي المؤقت» أو اسم «هيئة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية».
أخيراً..
أسدى لنا الاتحاد الأوروبي نصيحة قانونية وسياسية شديدة الأهمية وشديدة الخطورة.
فهل نستقبل النصيحة بما يليق بها ( وبالحالة والمصالح الوطنية الفلسطينية). أم أننا بتنا من هواة الوقوف عند الحافة، وإدارة الحروب الداخلية؟.