- تصنيف المقال : الاستيطان
- تاريخ المقال : 2019-02-04
مقدمة
صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتاريخ 19/11/2018، خلال لقاء لنواب حزب الليكود، بأنه سيتم إخلاء قرية "الخان الأحمر" في وقت قريب غير محدد.[1] وارجأت إسرائيل الإخلاء لأسابيع بدعوى استنفاد التوصل إلى تفاهم مع سكان الخان الأحمر على الإخلاء الطوعي، وعلى الرغم من مرور عشرة أسابيع على تصريح نتنياهو عن قرب الإخلاء إلا أن ذلك لم يحدث. واشترط نفتالي بينت، وزير التعليم الإسرائيلي، إخلاء الخان الأحمر لبقائه في الحكومة، التي أعلن أنه لن ينسحب منها.[2] ولكن جرى لاحقًا الدعوة لانتخابات مبكرة للكنيست الإسرائيلي.
يعتبر قرار إخلاء الخان الأحمر مخططًا قديمًا جديدًا، بأهداف تتخطى إخلاء منطقة الخان من سكانها، ليشمل مشروعًا يوصل في نهاية الامر إلى ما يسمى بـ"القدس الكبرى"، وإلحاقها بكيان الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال في نهاية العام 2017.[3]
يستمر نشطاء فلسطينيون بالمرابطة في الخان الأحمر من أجل منع قرار الهدم، ويستمر الاحتلال بتأكيد تنفيذ القرار على الرغم من كل الاحتجاجات والاعتصامات، فهل ستتمكن السلطة الوطنية والقيادة الفلسطينية من مواجهة ذلك وإفشال هذا المخطط؟ وهل ما تقوم به السلطة كافٍ لمنع هدم الخان الأحمر؟ وما موقف المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي؟ وهل ستكون هناك عقوبات على إسرائيل من الاتحاد الأوروبي في حال قامت بهدم الخان وتشريد أهله وترحيلهم؟
في ظل استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية، وفي ظل حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة وسياسات إدارة أميركية أمست علنًا حاضنة وراعية لسياسات الاحتلال، هل سيكون من الصعب مواجهة هذا المخطط وإفشاله؟
الخان الأحمر: حقائق ودلالات
الهدف من إخلاء "الخان الأحمر" إقامة مشروع "القدس الكبرى"، الذي يخطط له الاحتلال منذ فترة طويلة، وفي حال أخلي الخان فسيكون ذلك تمهيدًا لإخلاء باقي التجمعات البدوية المحيطة بالقدس المحتلة، حيث إن أهالي الخان وباقي التجمعات البدوية قاوموا الاحتلال، ورفضوا الموافقة على إخلاء مناطق سكنهم.
منذ العام 1993، بدأت الحكومة الإسرائيلية بمرحلة جديدة من عملية تهويد واسعة للقدس أطلقت عليها "خطة القدس الكبرى"، حيث وضعت خطة عشرية تمتد حتى العام 2020.[4] وتشمل هذه الخطة ترحيل البدو الفلسطينين الذين يسكنون في مناطق تحيط بالقدس من أجل السيطرة على المناطق الغربية من القدس لتنفيذ مشروع "القدس الكبرى" الذي تسعى له حكومة الاحتلال.
تعتبر إسرائيل أن هؤلاء البدو عقبة أمام تنفيذ مشروعها لرفضهم الرحيل من المناطق التي يتواجدون فيها. وبدأ الاحتلال بدأ بمحاولة إخلاء سكان الخان كبداية لترحيل باقي البدو الذين يعيشون في المناطق الغربية من القدس المحتلة.
من الجدير بالذكر أن إسرائيل تحاصر التجمعات البدوية في محيط القدس المحتلة، وتقوم بتهجيرهم، وذلك من خلال رفض منحهم تراخيص بناء، وحرمانهم من أدنى الخدمات. ومن المناطق التي استهدفها الاحتلال بالتهجير التجمع السكاني البدوي "جبل البابا" ببلدة أبو ديس.
يسعى الاحتلال إلى التهجير القسري للعشائر من تجمعاتهم إلى مناطق أخرى، مثل منطقة "خلة الراهب" في أبو ديس، شرقي القدس، والعيزرية، عبر وضعهم في كانتونات مغلقة وبؤر صغيرة.[5]
باتت جميع المباني القائمة في تجمع الخان الأحمر، الآن، عرضة للهدم الفوري من قبل الاحتلال، بما فيها المدرسة التي شيدت في بادئ الأمر بدعم من المانحين الدوليين، التي تضم نحو 170 من طلبة التجمع وأربع مناطق محيطة.
تلاحق دولة الاحتلال السكان الفلسطينيين البدو بمحيط القدس لطردهم وترحيلهم في اطار تنفيذها للمشروع الاستيطاني (E1) الذي من شأنه أن يفصل مدينة القدس نهائيًا وبشكل كامل عن امتدادها الفلسطيني.[6]
موقف السلطة الفلسطينية
عملت السلطة على منع هدم الخان الأحمر، من خلال المرابطة فيه عبر هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وتوفير الدعم لسكانه من أجل تعزيز صمودهم. كما سبق أن عززت صمود النشطاء في قرية "باب الشمس"، ونعلين وبلعين اللتين قاومتا الجدار العنصري.
وأدانت حكومة الوفاق الوطني تهديد سلطات الاحتلال بإجبار أهالي الخان على هدم بيوتهم بأيديهم، إذ قال يوسف المحمود، المتحدث باسم الحكومة، "إن تلك التهديدات مرفوضة، وهي تعبر عن مدى تغول وسعار الاحتلال وانحطاط العقلية التي تقف وراء تلك الخطوات التدبيرية ضد أهلنا وأبناء شعبنا".[7]
كما طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، بسرعة فتح تحقيق جنائي لوقف هدم الخان الأحمر.[8]
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 22/9/2018، "إننا نقاوم هذا الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي بالوسائل المشروعة التي أقرتها منظمتكم الدولية، وعلى رأسها المقاومة الشعبية السلمية، كما يجري اليوم في مسيرات العودة وفي مناطق أخرى من أرضنا المحتلة كمنطقة الخان الأحمر، التي قررت الحكومة الإسرائيلية اقتلاع وتشريد أهلها، الذين يقطنونها منذ أكثر من 50 عامًا، لإقامة مشاريع استيطانية عليها، تنقطع بذلك أوصال الدولة الفلسطينية".
موقف القوى ولجان المقاومة الشعبية
يشارك المئات من المواطنين، مسلمين ومسيحيين، والعشرات من المتضامنين الأجانب، في فعاليات الاعتصام المفتوح على أرض الخان الأحمر، ضد قرار ترحيل سكان القرية البالغ عددهم 191 نسمة، غالبيتهم من النساء والأطفال.[9]
عبرت القوى والفصائل الفلسطينية عن رفضها لهدم الخان الأحمر من خلال التصريحات والبيانات الصادرة عنها. كما شارك بعض من قادة الفصائل في الاعتصامات.
اقتصر دور الفصائل بشكل عام على التصريحات والرفض، ويمكن القول إنّه لم يكن كافيًا للتأثير على قرار الهدم الخان الأحمر، والمشاركة الشعبية من الجماهير الفلسطينية في التواجد والمرابطة في الخان، التي كان لها التأثير الكبير في تعزيز صمود أهالي الخان.
دعت حركة فتح جماهير الشعب الفلسطيني للتصدي لمحاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخلاء وهدم قرية الخان الأحمر، ومواصلة الاعتصام فيه. كما طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهما التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، واتخاذ مواقف صارمة وحازمة لوقف السياسات الإسرائيلية المنافية للقوانين والاتفاقيات الدولية.[10]
أما حركة الجهاد الإسلامي، فقالت: "إن قرار هدم الخان الأحمر سياسي مغلف بسن القانون الزائف الذي تتستر خلفه سلطات الاحتلال لتنفيذ حربها المعلنة ضد الوجود الفلسطيني في مدينة القدس"، وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في التصدي لذلك".[11]
أما حركة حماس، فاعتبرت قرار ما يسمى "المحكمة الإسرائيلية العليا" باخلاء الخان الأحمر وهدمه، جريمة إسرائيلية، موضحة أنه يأتي ضمن خطة إسرائيلية ممنهجة لتغيير الواقع على الأرض في القدس المحتلة وبتواطئ ودعم أميركي.[12]
في حين قالت الجبهة الشعبية إن "هدم الخان الأحمر يهدد بانفجار لن يستطيع أحد إخماده". واعتبرت ذلك تصعيدًا خطيرًا "يفتح الأراضي المحتلة والمنطقة بأكملها على جميع الاحتمالات".[13]
الموقف الدولي والأوروبي
لم يقتصر الموقف الأوروبي على التنديد والقلق والتحذير من هدم الخان الأحمر، الذي اعتبرته جهات دولية انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وأنه يهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية. فقد توافد عدد من البعثات الأوروبية إلى المنطقة للتضامن مع سكانها، والتعبير عن رفضهم لقرار الهدم، حيث احتشد ممثلو 12 دولة أوروبية، إضافة إلى سكوت أندرسون، مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). ويعد هذا الموقف تحديًا لموقف ترامب من "صفقة القرن"، كما لا يمكن التقليل من بيانات التنديد والتحذير التي صدرت عنهم، إذ حققت اهتمامًا إعلاميًا ودوليًا، وإن بقيت مجرد ممارسة شفوية ولم تتحول إلى قرار سياسي من دولهم ودول العالم.[14]
وقال أندرسون: "إنه بعد المعركة القانونية التي استغرقت تسعة أعوام، بات سكان هذا التجمع من اللاجئين يواجهون الآن هدم بيوتهم، وفقدان سبل عيشهم التقليدية، وهم عرضة للخطر من تجمعهم، وهو ما شكل مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف".[15]
وفي ذات السياق، قال نكلس سلكيوتس، رئيس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع فلسطين: "إن تهديد إسرائيل لقرية الخان الأحمر، وترحيل سكانها قسرًا، يعد انتهاكًا لمعاهدة جنيف الرابعة، ويصل الى جريمة الحرب".[16] كما أعرب مسؤولون أمميون وأوروبيون عن قلقهم من المساعي الإسرائيلية لهدم تجمع "الخان الأحمر"، والترحيل الجماعي لسكانه، حيث دعا جيمي ماكغولدريك، المنسق الإنساني للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن خطتها لهدم الخان الأحمر وترحيل سكانه.
من جهته، أعرب سيمون كوفتي تي دي، وزير الخارجية الإيرلندي، عن قلقه العميق إزاء وضع الخان الأحمر الذي يعيش تحت التهديد بالإبعاد القسري، ودعا إلى رفع هذا التهديد الموجه ضد التجمع، مبديًا قلقه على سكانه الذين طردتهم إسرائيل من منازلهم السابقة في النقب.[17]
خاتمة
يحتاج سكان الخان الأحمر للتصدي لمحاولات الاحتلال لهدم بيوتهم وترحيلهم إلى تعزيز صمودهم، من خلال دعمهم بكل الوسائل المتاحة، واستمرار النشطاء بالاعتصام والمرابطة في الخان الأحمر، بدعم من السلطة الفلسطينية، وبمشاركة التنظيمات الفلسطينية، إضافة إلى توسيع المشاركة الشعبية من خلال فعاليات منظمة تشرف عليها السلطة عبر هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لا سيما أن الدعم الذي قدمته الهيئة كان له دور كبير في تعزيز صمود السكان واستمرار الفعاليات التضامنية معهم.
كما سيتعزز صمود أهالي الخان باستمرار الضغط الدولي، حيث كان موقف السلطة حاسمًا في مواصلة التوجه إلى المؤسسات الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية، ومواصلة إثارة موضوع ترحيل سكان الخان في الإعلام المحلي والدولي.
إن الاستمرار في الخطوات التي قامت بها السلطة وتطويرها بصورة تمكن من التواجد المستمر والمتواصل في الخان الأحمر في الخان، إضافة إلى اتخاذ خطوات عملية مثل وقف التنسيق الأمني والتكاتف الشعبي؛ سيمكن من إحباط إخلاء "الخان الأحمر"، الذي سيمنع تنفيذ مشروع القدس الكبرى.