ينتظر الجاليات الفلسطينية في الخارج، لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة، في السنوات القليلة المقبلة، دور كبير جدا وفي غاية الأهمية، يكون مكملا لنضال شعبنا المتواصل على أرضه، دور أساسي يساعد في جهود حسم المعركة مع العدو حول وعي وضمير الجمهور الغربي، الذي سيكون نفسه حاسما في تحقيق أهدافنا ممثلة بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية والعيش بكرامة وحرية.

ويفترض أن تكون هذه الجاليات في أماكن تواجدها على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها، ورافدا قويا من روافد القضية الفلسطينية. كما هو الحال أو يفترض أن يكون عليه الحال مع بقية المؤسسات والمنظمات الشعبية منها، الطلابية ممثلة بالاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي كان مؤسسا رئيسيا للثورة الفلسطينية الحديثة، ورافدا من روافدها الأساسية، إلى جانب نقابات اخرى مثل العمال والمرأة والمهندسين وغيرها.

ولكي تكون كذلك فهذا يتطلب أن تبنى هذه الجاليات على أسس حديثة وعصرية، أسوة بغيرها، تجعلها قادرة على أن تتبوأ دورها الريادي والقيادي، وإنجاز الدور المنوط بها، أو الذي يأمله منها شعبها، ولكي تكون حقا خط دفاع، بل رأس حربة وخطا هجوميا أماميا صلبا، وممثلا حقيقيا لهذا الشعب الأبي، جاليات قادرة على خوض المعركة في مواجهة الأذرع الأخطبوطية للدعاية الصهيونية، وهي معركة يجب ألا يستهان بها، معركة ستكون طويلة جدا ومضنية أساسها بناء قاعدة صلبة، معركة ستتركز حول كسب وعي وضمير الناخب الأوروبي والأمريكي، الذي سيكون له الدور الأساس في اختيار القيادات المقبلة التي ستحدد السياسات المستقبلية لهذه الدول. فهذا ما فعلته الحركة الصهيونية، إذ بنت قاعدة صلبة تمكنت من خلالها من اختراق الأحزاب الحاكمة في البلدان الأوروبية، وطبعا الولايات المتحدة وعلى وجه الخصوص مؤسسات الشباب والتغلغل فيها.

وهذا طبعا لن يتحقق طالما بقيت الجاليات الفلسطينية على هذا الحال. وليس هناك ما يشير إلى أن أوضاعها ستشهد تغييرا، على الأقل، في المدى المنظور. لأن القائمين على دائرة المغتربين المسؤولة عن عمل الجاليات، لا يزالون يعملون بالعقلية القديمة التي أثبتت فشلها ليس مرة فحسب، بل مرات والنتائج جلية أمامنا. وما شهده المؤتمر العام الأخير للجاليات الفلسطينية في أوروبا خير دليل على فشل سياسة دائرة المغتربين الحالية والسابقة. فالمصالح الفصائلية والشخصية والذاتية والمحسوبيات، طغت على المصلحة العامة والأهداف الوطنية التي يفترض أن تكون هذه الجاليات قد شُكّلت لتحقيقها.

انعقد مؤتمر الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا أواخر ديسمبر الماضي في العاصمة الإيطالية روما، بحضور سياسي قوي ممثلا بالدكتور نبيل شعث، المسؤول المخول عن دائرة شؤون المغتربين، والدكتور سمير الرفاعي عضو اللجنة المركزية ومفوض الأقاليم الخارجية في حركة فتح، والدكتور زهير الوزير نائب المفوض، وحشد كبير من سفراء فلسطين في أوروبا. توسمنا بداية خيرا، بهذا الحضور والدعم السياسي والمعنوي الكبير، لكن التأثيرات الخارجية ومجريات المؤتمر الذي انعقد على مدار يومين، ومن طريقة إدارة المؤتمر والإجراءات التنظيمية من تثبيت العضوية وطريقة الانتخابات، خيبت الآمال والظنون، رغم التفاؤل الذي عبّر عنه الدكتور شعث في خطاباته، أو تدخلاته السياسية الكثيرة خلال المؤتمر. وما بني على أسس خاطئة يأتي بنتائج خاطئة.


على الرعيل الأول أن يسلم الراية إلى الجيل الجديد القادر على الانخراط في المجتمعات والأطر السياسية في البلدان التي ولد وترعرع فيها

*أولا لقد كان المؤتمر الذي أشاد الدكتور شعث بالجهود التي بذلت لإنجاحه، فاشلا من ألفه إلى يائه بكل المقاييس التنظيمية والإدارية والقانونية والنقابية، كما كان فاشلا في نتائجه. ونحن هنا لا نتهم شخصا أو شخوصا، وإنما نتحدث عن أسلوب أو أساليب العمل. وحتى لا نتهم بالتجني نسوق، على سبيل المثال لا الحصر، تمثيل كل جالية في المؤتمر، الذي لم يعكس الحجم الحقيقي لها، لعدم معرفة الهيئة الإدارية للاتحاد أصلا بأعداد كل جالية، ولا حصص العضوية المخصصة لكل جالية، وحتى عندما أضيف عدد من المشاركين في المؤتمر، فقد تم ذلك ضد إرادة مسؤولي هذه الجالية أو تلك والممثلين الرسميين والمثبتين لها، وبدون الأخذ بعين الاعتبار إن كانت تنطبق على المضافين، شروط العضوية أم لا. وفي هذا السياق فقط منحت عضوية المؤتمر لعدد من الأشخاص بدون حق، وعلى نحو فيه خرق واضح للدستور والقانون الأساسي، وأُسكت من حاول الاعتراض عليها.

*ثانيا فرضت على المؤتمر قائمة للهيئة الإدارية اطلق عليها قائمة الوحدة الوطنية، قائمة لا تمثل الجاليات، بل الفصائل، وحتى في ذلك كان هناك خرق قانوني. فعلى سبيل المثال انتخب شخص غير مشارك أصلا في المؤتمر، بل غير موجود في روما لعضوية الهيئة الإدارية للاتحاد العام، من أجل عيون الوحدة الوطنية الزائفة، لأنه يمثل فصيلا.

*ثالثا: وفي خرق فاضح آخر للدستور اختير أيضا شخص آخر لعضوية الهيئة الإدارية للاتحاد العام، شخص لا يمثل إلا نفسه، ليس هذا فحسب، بل إنه ليس عضوا أصلا في أي جالية، وكان انتخابه فقط لان والده مسؤول كبير في فصيل من فصائل الوحدة. وكانت عضوية هذا الشاب على حساب عضوية جالية أساسية لعبت دورا اساسيا في تأسيس الاتحاد العام للجاليات.

*رابعا كانت الصراعات الشخصية والمصالح الذاتية والمنافسات والمماحكات حتى داخل الفصيل الواحدة وتصفية الحسابات سيدة الموقف. ومن هذا المفهوم نعتقد أن السياسة التي ينتهجها الدكتور نبيل شعث سيقودنا إلى نتائج عكسية، فبدلا من تحقيق هدف توحيد هذه الجاليات، ستزيد حالة التشرذم التي تعيشها وتكريس الفرقة بين هذه الجاليات التي نسعى جميعا من أجل توحيدها وتعزيز وجودها.

ولزيادة الطين بلة يعلن الدكتور شعث عن اتفاق بين الفصائل لتشكيل «لجنة سياسية عليا» لشؤون المغتربين، غرضها توحيد الجاليات وتفعيل أطرها. وليس ثمة خلاف على تشكيل لجنة، لكن الخلاف على مكونات هذه اللجنة، التي ستكون نسخة مصغرة وعاجزة، عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وتكمن المشكلة في أن الدكتور نبيل لم يشرك في هذه اللجنة ممثلين عن هذه الجاليات، المفترض أن يكونوا الأكثر اطلاعا على الأوضاع الداخلية لهذه الجاليات والمشاكل والأمراض التي تعاني منها.

وإذا كانت هذه «القيادات والفصائل الوطنية» قد فشلت، وعلى مدى عقود من الزمن، في تفعيل وتوحيد أطر منظمة التحرير، فهل يعقل أن تنجح مع الجاليات في الخارج.

نتفق مع الدكتور نبيل على أن وحدة الجاليات ضرورية وملحة، ولكن هذه الوحدة لن تكون ممكنة كما لن تكون قابلة للتحقيق طالت الفترة أو قصرت، اذا ما واصلنا العمل بالأساليب البالية والقديمة، ومؤتمر روما ليس مثالا يحتذى به.

يا دكتور نبيل نحن بحاجة إلى جاليات حقيقية، لا جاليات تكون مجرد جالية لتقديم الخدمات التشريفية. نعم هذه الجاليات بحاجة إلى أن ترفعوا أيديكم عنها وتسمحوا لها بأن تطور نفسها بعيدا عن طرقكم وأساليبكم التي أثبتت فشلها. نحن نحتاج إلى جاليات تسير وفق نهج إعلامي حديث وعصري، قادر على اختراق الجدار الإعلامي الصهيوني.. نحتاج إلى قيادات لهذه الجاليات بعيدة عن المحسوبيات والمصالح الذاتية الأنانية والفصائلية.. نحتاج إلى جاليات يقودها ليس الرعيل الأول من المهاجرين، فقد قام بواجبه مشكورا، بل الجيل الثاني والثالث من أبناء هذه الجاليات القادر على محاكاة المجتمعات التي يعيش فيها وتحقيق الاختراقات فيها.. نحتاج إلى أسلوب عمل خلاق في إدارة هذه الجاليات.

واختتم بالقول يجب أن نفكر خارج الصندوق، ويجب أن نرفع أيدينا عن هذه الجاليات، وألا نسمح لها بأن تكون نسخة مضروبة عن المنظمات والفصائل القائمة، وأن تعطى الحرية الكاملة في اختيار قياداتها، التي يجب ألا تكون إلا من الجيل الثاني والثالث من فلسطينيي المهجر والشتات، هذا الجيل القادر على الانخراط في المجتمعات والأطر السياسية في البلدان التي ولد وترعرع فيها، وعلى الرعيل الاول أن يسلم الراية إلى هذا الجيل جيل المستقبل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف