بنيتو موسوليني صعد الى سدة الحكم في 1922، في اعقاب “المسيرة على روما” لفيالقه الفاشية وقرار ملك ايطاليا فكتور عمانوئيل الثالث بتعيينه رئيسا للحكومة من اجل منع حرب اهلية. أحد العناصر الاساسية لنجاحه كان قدرة موسوليني على استغلال الخوف الذي تملك ايطاليين كثيرين ازاء الثورة الشيوعية في روسيا والخوف من انتشارها نحو الغرب، وفي وضع نفسه باعتباره الشخص الوحيد الذي يستطيع منع ذلك.
المؤرخون يقسمون السنوات الاربعة التي احتاجها موسوليني من اجل الامساك بالسلطة بعد تسريحه من الجيش في نهاية الحرب العالمية الاولى، الى قسمين: “السنتين الحمراويتين” وفيها تحذيرات “الدوتشيه” ارتكزت على واقع زيادة قوة اشتراكية حقيقية، في حالات كثيرة بارشاد من موسكو، الذي تم التعبير عنه بعنف الشارع، اضرابات وحشية وانجازات واضحة في صناديق الاقتراع. بعد ذلك جاءت “السنتين السوداويتين”، نسبة للون القمصان التي لبستها فيالقه العنيفة، التي واصل بها موسوليني تخويف الايطاليين من الذراع الطويلة لموسكو، رغم الازمة الاقتصادية التي اخرجت الرياح من اشرعة الانتفاضة الشيوعية.
موسوليني علم مواصلي دربه من هتلر في المانيا ومرورا بفرانكو في اسبانيا وانتهاء بجو مكارثي في امريكا، بأن تخويف الجمهور من “الخطرالاحمر” هو وسيلة ناجعة لتجميع قوى قومية متطرفة، حتى بالواقع الموجود في رسائل دعائية فقط. الشيوعية وصفت، واحيانا بحق، ولكن بشكل عام بمبالغة مجنونة موجهة، كخطر واضح وفوري على أمنها ورفاهها ونمط حياة الدولة، ومؤيدوها وصفوا كعملاء مدسوسين. في حرب البقاء، إما الموت أو الحياة، هذه هي الرسالة، الوطنيون الحقيقيون يتجمعون حول الشخص الوحيد القادر على انقاذ الوطن مهما كانت اخفاقاته وعيوبه.
تفكير مشابه يقف وراء دعاية الكذب لنتنياهو تجاه خصومه. بعد أن الصق بكلمة “يسار” وصمة الخيانة لصالح جهات معادية، فان نتنياهو والمتحدثين باسمه يحرصون على أن يلصقوا هذه الصفة السلبية بكل معارضيهم، بمن فيهم بني غانتس وحزب اليمين – وسط، ازرق ابيض. ولمن يجد صعوبة في استيعاب الرسالة فقد بدأ نتنياهو يرفق بكلمة “يسار” تعبير، العنصري بذاته، “يعتمد على العرب”، من اجل أن يشكك باخلاص خصومه وتصويرهم كخطر ملموس للوطن.
على حد اقوال نتنياهو، الانتخابات القريبة القادمة ليست مواجهة بين موقفين شرعيين، بل معركة وجود بين أبناء النور وأبناء الظلام. خسارتها لن تؤدي فقط الى تغيير الحكم، التي هي كما يبدو الاوكسجين للديمقراطية، بل ستشكل انتصارا لاعدائها ومن يريدون السوء لاسرائيل، في طريقهم لتصفيتها. وعندما تحترق البلدة وتقف امام الزوال، على حد وصفه، فان على الوطنيين الحقيقيين أن لا يغريهم الوقوف على الصغائر مثل مسائل الفساد أو الرشوة لرئيس الحكومة، أو التحليل الذي اعطاه للعنصرية الكهانية والتي يتم تضخيمها من قبل اليسار وعملائه في وسائل الاعلام البلشفية، كما يسمي نتنياهو احيانا الاعلام الحر في بلاده.
نتنياهو لا يكتفي بالتحذير من محاولة ازاحته (ليس في صناديق الاقتراع): حتى الرغبة في استبداله في انتخابات حرة تحولت في فمه مؤخرا الى مؤامرة سرية لليسار، مصيرها الموت. المحللون يقولون إن نتنياهو في نهاية المطاف يكرر مناورة “العرب يتدفقون”، التي نجحت في الانتخابات السابقة. ولكن التجربة التي تمت مراكمتها منذ ذلك الحين – لا نريد الحديث عن عبر التاريخ – تقول إن نهاية حملات التخويف التي استهدفت نزع الشرعية عن الخصوم السياسيين، أن تتحول الى سياسة فعلية. عندما يصبح الانتقاد خيانة، والمنتقدون هم اشخاص يغرسون السكين في الظهر، فان الديمقراطية نفسها تتحول الى قنبلة موقوتة، يفضل تفكيكها مسبقا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف