- تصنيف المقال : دراسات
- تاريخ المقال : 2013-10-24
* من أبرز مظاهرالعجز لدى السلطة الفلسطينية هو عدم قدرتها على ترجمة قرار الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة إلى انجاز يسمح لها بتوسيع قدرتها على العمل في مناطق الضفةالفلسطينية وتعزيز مكانتها لدى الشعب الفسطيني
* تعديل منظومة التسويات الاقتصادية بين الطرفين، سيؤدي إلى استمرارالسلطة بالقيام بدورها، وسيؤدي إلى تحررها التدريجي من التعلق المطلق بالمساعدات الخارجية واسرائيل، وهذا يعتمد على تقدم حقيقي نحو حل ينهي الاحتلال
في مشروع الدكتور سلام فياض، وطرح فيه بناء الدولة الفلسطينية من تحت (أسفل) ، وتمثل ذلك في خطط التنمية التي بدأت عام 2008 وحتى 2013، عن طريق إعادة تنظيم مؤسسات الحكم وتعزيز البنى الاجتماعية و الامنية للسلطة وتطوير منظومة إقتصادية قابلة للحياة .
وحتى نظهر (كفلسطينيين) للأسرة الدولية وإسرائيل والشعب الفلسطيني، أن السلطة الفلسطينية أصبحت قادرة على تحمل المسؤولية عن المناطق التي تسيطر عليها والسكان الخاضعين لحكمها, وعدم السماح لإسرائيل الإدعاء بأن الفلسطينيين غير ناضحين لإقامة دولة، وليسوا شركاء في التسوية السياسية التي تفي بالالتزامات والتعهدات في المستقبل، من أجل ذلك تعمل السلطة الفلسطينية على خطين متوازيين هما :
· الخط الأول : وهو على المستوى السياسي الفوقي ويستند إلى خيار وحيد هو المفاوضات السياسية، ويتولى هذا التوجه محمود عباس رئيس السلطة.
· الخط الثاني : هو المستوى الاقتصادي ويتلخص كما ذكر أعلاه في بناء أساسات الدولة من تحت، وهو، كان يقوم به سلام فياض رئيس الحكومة.
هذه الخطة (العمل على الخطين بالتوازي) عملية سياسية واعدة في نظر الأسرة الدولية, وأعتبرت خارطة طريق للطرفين ستؤدي إلى حل الدولتين .
استناداً لذلك حصلت السلطة الفلسطينية على مساعدات كبيرة من أجل تمويل ميزانيتها وعلى أساس الاولويات التالية:
1. الحفاظ على الأمن.
2. فرض القانون العام والنظام.
3. إصلاح الجهاز القضائي.
4. إدارة مهنية صحيحة تتمتع بالشفافية في تقديم بيانات النفقات لبنود الموازنة.
5. تحسين الخدمات في مجال الصحة والتعليم.
6. تطوير المنظومة الاقصادية.
في هذه المجالات حدث تقدم وهذا ما كان واضحاً للأسرة الدولية والتي لاحظت هدوءاً أمنياً بعد السيطرة على شبكات المقاومة المسلحة في الضفة الفلسطينية. ولكن ساد جمود في المجال السياسي سببه خلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين على شروط استئناف المفاوضات، ويلحظ هنا أن الرأي العام الفلسطيني والدولي ألقى بالمسؤولية الأساسية في الجمود السياسي على إسرائيل بسبب من عدم تنفيذها لالتزاماتها في خطة خارطة الطريق خاصة وقف البناء في المستوطنات.
كنتيجة لتوقف العملية السياسية (جمودها) حدثت العرقلة في بناء الدولة الفلسطينية, وبدأ خفض مساعدات الدول المانحة للفلسطينيين, وواجهت السلطة أزمة اقتصادية عميقة بسبب عدم الالتزام بمسار الخطين بشكل متوازي:
- بناء الدولة من فوق (العملية السياسية) التي تقوم على المفاوضات.
- بناء الدولة من تحت بالاعتماد على تحويلات الأسرة الدولية ( المساعدات من الدول المانحة).
وفي بداية عام 2011 كانت المواجهة كالتالي :
أولاً- التسويات كمنظومة اقتصادية تربط الفلسطينيين والإسرائيليين مثلاً: توسيع صلاحيات السلطة في المنطقة (ج) والتي تمثل مساحتها60% من مساحة الضفة الفلسطينية (وللدقة 59% لأن المنطقة (أ) تساوي 17.2% والمنطقة (ب) تساوي 23.8%) لهذا كانت مؤسسات الحكم تقف على هذه النقطة التي يمكن أن نطلق عليها شعرة.( التوسيع أساسه سياسي والمسيرة السياسية مجمدة) .
ثانياً- الانخفاض الكبير في حجم المساعدات الخارجية التي تقدم للسلطة الفلسطينية ( سبب هذا التخفيض هو الضغط الأمريكي على الدول المانحة حتى يقبل الفلسطينيون بالدخول في المفاوضات دون أي شروط).
عندها واجهت السلطة الفلسطينية أزمة كبيرة وصعبة وبالغة في تمويل الموازنة وفي تقديم الخدمات للشعب ،كما برزت لدى السلطة الفلسطينية أزمة في دفع رواتب الموظفين في القطاع العام بما فيها راتب جهاز الأمن وهي تمثل 53.6% من المصاريف الفعلية لعام 2011 .
العامل الأساس في الأزمة الاقتصادية العميقة
إذاً سبب الأزمة الاقتصادية الحالية هو الانخفاض الحاد في المساعدات الخارجية من الدول المانحة لكن ما هو سبب عمق الأزمة؟
إن عمق الأزمة يكمن في مظاهر الضعف الأساسي للاقتصاد الفلسطيني التي بدأت منذ عام 1967 حتى 1993 (فترة الاحتلال المباشر والكامل للضفة والقطاع من قبل إسرائيل) بمعنى أنها أزمة بنيوية، قد تعمقت وترسخت في العشرين سنة من 1993-2013 تحت حكم السلطة الفلسطينية.
أما مظاهر الضعف في هذا الاقتصاد فتتجلى في التالي :
أولاً- بنية اقتصادية غير متطورة تعكس ضعفاً (أو إنعداماً) في الاستثمار في البنية التحتية.
ثانياً- شبكة معقدة من العوائق أشبه بالسدود والعراقيل للنظام الاقتصادي من الاتفاقيات التي قيدت السلطة مع إسرائيل.
ثالثاً- قيود في الحركة تضعها إسرائيل في وجه وصول الفلسطينيين إلى مختلف المناطق من (أ) إلى (ب) ومن (أ،ب) إلى(ج). شبكة من القيود المادية والإدارية الاخرى على مجمل النشاط الاقتصادي ( الإدارة في بيت أيل شاهد على ذلك).
هذه المظاهر تسقط على ضغوط إجتماعية وبطالة بنيوية وخصوصاً في أوساط الشباب، كل هذه القضايا تنعكس في كل المقاييس على عموم الاقتصاد و على رأسها الهيكل الاقتصادي المشوه وفي النمو الاقتصادي الذي يميل بشكل حاد وغير مسبوق نحو الاستهلاك الممول من مصادر خارجية وهذه هي الكارثة.
ماذا تظهر البيانات الرسمية؟
· كان هناك نمو سريع في الاقتصاد اعتباراً من 2002 حتى 2011,وجد تعبيره في الارتفاع الحقيقي الهائل في الاستهلاك الخاص والذي سجل ارتفاعاً غير مسبوق بلغ 66% من 2002 حتى 2011 .وهذا يمثل ارتفاعاً قدره 50% مقارنة بين عامي 1999-2001.
· استهلاك القطاع العام وهو ما يمثل النفقات الجارية للحكومة والمساعدات المباشرة للسكان في الضفة والقطاع, وهو ممول، مثل الاستهلاك الخاص، من الجهات الدولية المانحة. وفي نفس الفترة ارتفع هذا الاستهلاك ع بنسبة 100%.
· الاستثمار في قطاع البناء سجل الاستثمار في قطاع البناء ارتفاعاً كبيراً، وكان هذا الارتقاع بالأساس في أغراض السكن الشخصية.
· الاستثمار في القدرة الانتاجية للاقتصاد الفلسطيني, وهو يشمل الاستثمار الحكومي في البنى التحتية الاقتصادية والاستثمارات في الصناعة و الزراعة و الاستثمار في الخدمات التي تحفز النمو بعيد المدى كالسياحة وتكنولوجيا المعلومات. بالأساس كان هذا الاستثمار منخفضاً وواصل انخفاضه في سنوات 2010/2011/2012 وقد تم تقليص الاستثمارات في مصادر الإنتاج بنسبة 50% وحتى 66% عن المستوى عشية الانتفاضة.
· الاستثمار في الأصول الثابتة بعد حسم استثمارات المباني: الانتاج انخفض بمعدل 10% إلى 15% عشية الانتفاضة ثم عاود الانخفاض 3% إلى 5% في الأعوام الأخيرة.
· التغير في هيكل الاقتصاد الفلسطيني: تكشف الإحصاءات عن التغير الدارماتيكي إلى الأسوأ على هيكل الاقتصاد الفلسطيني فقطاعات الإنتاج الأساسية لم تنمُ منذ العام 1994 وحتى 2012. والجدول يوضح قطاعات الاقتصاد من الناتج المحلي الخام :
القطاع
|
سنة الأساس 1994
|
سنة المقارنة 2012
|
الزراعة
|
12%
|
5%-6%
|
الصناعة
|
20%
|
10%
|
قطاعات هامة في الاقتصاد مثل السياحة/ الاتصالات / تكنولوجيا المعلومات سجلت نمواً معقولاً إلا أن وزنها في الناتج المحلي الخام ظل هامشياً.
أين تركز النمو الاقتصادي في الجانب الفلسطيني؟
تركز النمو الاقتصادي في فروع التجارة والخدمات, وفي البناء بغرض السكن.
وهذا يعطي صورة عن النمو الهائل في الاستهلاك الخاص والحكومي العام وهو ممول من مساعدات الدول المانحة. لكن كيف يظهر هذا النمو الهائل في الاستهلاك؟ إن النمو الهائل والسريع في الاستهلاك لا يظهر ما يقابله من ارتفاع حقيقي في الناتج المحلي، ولكن يظهر بشكل واضح وجلي في الارتفاع الهائل في الاستيراد، بينما يقابله إرتفاع متواضع في التصدير ، وهذا ما يتضح من الإحصاء التالي :
· عام 2002 : الفارق بين التصدير والاستيراد مليار دولار لصالح الاستيراد.
· عام 2011/2012 : الفارق بين التصدير والاستيراد 3.5 مليار دولار لصالح الاستيراد.
إن عدم النمو في قطاعات الانتاج الرئيسة (الصناعة والزراعة) والنمو البطيء لفروع الخدمات المؤدية إلى النمو والتشغيل على المدى البعيد مثل السياحة، سيؤدي بالاقتصاد الفلسطيني إلى عدم القدرة على خلق فرص عمل تتجاوز القطاع العام الذي أصبح غير قادر على استيعاب عمالة جديدة بدءاً من عام 2007. يظهر هذا بشكل واضح في معدلات البطالة العالية التي يتميز بها الاقتصاد الفلسطيني والتي تبرز بشكل خاص في أوساط الشباب من خريجي الجامعات سنوياً إلى سوق العمل، ويزيد معدل البطالة في هذه الفئة عن 50% مقارنة بحجم 25% من متوسط عموم قوة العمل، وتصل النسبة إلى 30% حسب التعريف الموسع.
شبكة العلاقات الاقتصادية أحادية الجانب بين إسرائيل وفلسطين
يمكن وصف العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بأنها أحادية الجانب، بحيث نتلمس الأثر الاسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني وأسباب ذلك:
اولاً- التأثير الكبير لللأوضاع السياسية والأمنية على تطور الاقتصاد الفلسطيني.
ثانياً- التأثير الكبير لمنظومة التسويات الاقتصادية على القوة الشرائية ومستوى المعيشة لدى الفلسطينيين، مثال: من نتائج الاندماج الاقتصادي مع اسرائيل أنه خلق في السلطة الفلسطينية مستوى أسعار مشابهاً لمستوى الاسعار في إسرائيل بالنسبة لمعظم المنتجات، بينما الأجر للفلسطينيين منخفض أكثر بكثير من الأجر في إسرائيل
( متوسط الأجر بوظيفة أجير في الضفة هو أقل من ربع المتوسط لنفس الأجير في إسرائيل والمتوسط في غزة أدنى بكثير مما هو في الضفة) النتيجة أن القوة الشرائية الحقيقية للعائلة الفلسطينية أدنى بكثير من مستوى الحد الإدنى في إسرائيل.إن هذا ينعكس على إنتاجية الفرد كمداخيل الأسر الفلسطينية.
وتظهر المقارنات الدولية التالية:
· الناتج المحلي الخام للفرد الفلسطيني عندما يتطابق مع القوة الشرائية المحلية يكون أدنى بكثير منه في الدول العربية المجاورة، وأعلى فقط بقليل من دول مثل السودان واليمن.
· لا تسمح منظومة التسويات التي تمتلكها السطلة الفلسطينية مع إسرائيل مضافاً إليها الأزمة التي تعيشها السلطة اليوم بإستخدام أدوات ووسائل اقتصادية كي تتصدى لمظاهر الضعف التي تم ذكرها، نأخذ المثال التالي: التجارة الخارجية الفلسطينية تدار تحت نظام الاتحاد الجمركي مع إسرائيل(CUSTOMS UNION ) بمعنى أن أراضي السلطة الفلسطينية تقع داخل الغلاف الجمركي لإسرائيل، وأن التجارة الفلسطينية مع باقي دول العالم تخضع للترتيبات الجمركية والتجارة الخارجية الإسرائيلية.
أما النظام النقدي : فهناك اتحاد نقدي مع إسرائيل ويستخدم الشيكل الاسرائيلي كعملة فلسطينية أيضاً.لذا نجد أن المنظومة المالية والسياسة النقدية تخضع للقرارات الأسرائيلية ولحراك الاسعار وسعر العملة الإسرائيلية. الخلاصة: أن هناك تحكماً إسرائيلياً كاملاً في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي للسلطة الفلسطينية.
العجز البنيوي في التجارة الخارجية للاقتصاد الفلسطيني
أدى العجز البنيوي، والذي يمثل مشكلة كبيرة لأنه يتصف بالعمق، إلى أن تصبح التجارة الخارجية للسلطة الفلسطينية مرتبطة بالمساعدات الخارجية للدول المانحة، لأن انخفاض هذه المساعدات يمس باستيراد سلع رئيسية وضرورية غير السلع الاستهلاكية،مثل الأدوية وتجهيزات المستشفيات...الخ لأنه مرتبط بالعجز عن السداد.
إن انخفاض مساعدات الدول المانحة أدى إلى العجز عن دفع مستحقات ورواتب موظفي القطاع العام في تواريخ استحقاقها، وانتظام السداد الذي كان مرتبطاً بالمساعدات الطارئة من المتبرعين أو الإفراج عن أموال الضرائب التي يتم جبايتها من قبل إسرائيل وهي مستحقات للسلطة الفلسطينية.
الاقتراض من المصارف المحلية
الانخفاض المستمر في مساعدات الدول المانحة المرة تلو الاخرى، والتهرب من توريد أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية لدى اسرائيل، أدى إلى أن تقوم هذه السلطة بالاقتراض من المصارف المحلية (المنظومة المالية المحلية) من أجل تمويل العجوزات في المصاريف (النفقات الجارية)، هذا بالإضافة إلى الاقتراض الخارجي الذي بلغ مليار دولار لتمويل استيراد الاحتياجات الضرورية للشعب.(ادوية وغيره)
السلطة تقترض ديناً محلياً و غير قادرة على السداد. أمام هذا الوضع توقفت المصارف المحلية عن إقراض السلطة لأن الدين المحلي أصبح فوق المعدلات المتعارف عليها في المصارف (بلغ الدين المحلي في عام 2012 ضعف حجم الدين في عام 2008) لهذا كان عام 2012هو العام الذي أصبحت السلطة فيه متعلقة تماماً بالمساعدات الخارجية والتحويلات من اسرائيل من أجل دفع الرواتب والنفقات الجارية في الموازنة. وهذا ما يعبر عنه أن السلطة مرتهنة للدول المانحة واسرائيل وهذا هو التوصيف القانوني للحالة. والدول المانحة لا تتحرك إلا بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية .
الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة الاقتصادية
موظفو السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن يشكلون أكثر من 53.6% من الموازنة، ومن أصل الـ 53.6 هذه تشكل وزارة الداخلية والأمن الوطني 44%.
بمعنى أن الموظفين والعاملين في الأجهزة الأمنية هم أساس القوى الشرائية الفلسطينية لأن رواتبهم من الأساسيات للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الضفة الفلسطينية، وأنه عندما لا تدفع هذه الرواتب في مواعيدها وبالكامل فإن الأمن الاقتصادي لموظفي القطاع العام يصاب بالضرر وآثاره تمتد على عموم المجتمع.
الخلاصة
في عام 2008 قاد سلام فياض مشروع البناء لمؤسسات الدولة من أسفل(تحت) بهدف حمل السلطة حتى منتصف 2011 إلى وضعية "دولة الأمر الواقع", وبرنامجها قام على تحقيق النمو والازدهار، وهو مستوحى من نموذج الحوكمة النيوليبرالية الآخذ في الانتشار في المنطقة ، والاعتماد على المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة، وعلى أن النهج الاقتصادي هو القطاع الخاص والحرية الاقتصادية، ولم يتم استيعاب الدرس التاريخي هو أن الدولة هي بالأساس في نشأتها قطاع عام.
حصلت السلطة الفلسطينية على مساعدات مالية دولية تقدر بـ مليار ونصف المليار اعتبارا من 2007. هذه المساعدات السخية استندت إلى دوافع سياسية أي دعم المسيرة السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومسارها هو التفاوض ، ومن أجل الوصول إلى تسوية سياسية ولاخيار آخر غير التفاوض غير المشروط ، لهذا تم تحويل المساعدات الدولية بشكل منتظم وتحويلات مستحقات السلطة من أموال الضرائب التي تتم جبايتها من قبل إسرائيل. وعندما توقفت المفاوضات جرى تخفيض مساعدات الدول المانحة وجرى تهرب إسرائيل من دفع مستحقاتها من الأموال الفلسطينية حتى وقعت الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2012.
إن الحجة التي تم طرحها من قبل الممولين الدوليين لتخفيض المساعدات هو أن هناك جموداً سياسياً ويفتقر إلى وجهة وان المفاوضات متوقفة، وهناك صراعات داخلية بين فتح والسلطة التنفيذية وصراعات مع القيادة، هذا بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع من جراء الأزمة الاقتصادية العميقة.
كان من أبرز مظاهر هذا العجز لدى السلطة الفلسطينية هو عدم قدرتها على ترجمة قرار الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29-11-2012 إلى انجاز يسمح لها بتوسيع قدرتها على العمل في مناطق الضفة الفلسطينية وتعزيز مكانتها في نظر الشعب الفسطيني.
فبينما ترحب السلطة الفلسطينية بانجازات من نمط تخصيص مجال الكتروني لدولة فلسطين من جانب كبرى شركات الانترنت«غوغل»، كان من الأولى العمل على تحسين الوضع الدبلوماسي مع دول العالم والانضمام إلى وكالات الأمم المتحدة. إن الشعب الفلسطيني يبدي عدم اكتراث( اهتمام) بموضوع غوغل ولكنه مهتم بما يؤثر على وضعه الاقتصادي و يغير من واقع الاحتلال.
إن السلطة و أجهزتها الامنية تعمل كمنفذ لإرادة الاحتلال الاسرائيلي وخادم لسياستها بينما لا تبدي السلطة أي نية لإنهاء الاحتلال.
في نظر الشعب الفلسطيني فشلت السلطة في قيادة مشروعها السياسي ألا وهو استمرار المفاوضات،لهذا فإن قدرتها على الحكم قد تصدعت. إن استئناف المفاوضات دون تحديد سقف زمني للوصول إلى نتائج، وبالأساس فإن عدم وقف الاستيطان من قبل اسرائيل يجعل من المفاوضات موضوعاً بلا معنى.
إن الدول المانحة غير معنية بدعمها الاقتصادي للسلطة الفلسطينة بدون أفق سياسي وهي ترى أن أموالها يجب أن تصل إلى نتيجة سياسية.
إن أموال المانحين لا تتجه إلى اعالة سلطة غير قادرة على حل مشاكلها البنيوية ، وخصوصاً عدم قدرتها على فرض ضرائب على أصحاب رؤوس الاموال والنشاطات التجارية الأخرى. والتردد في اتخاذ قرارات أمام أصحاب وأرباب الأعمال خوفاً من فقدانها لتأيدهم .
ففي ظل غياب انتخابات عامة حتى الآن، وفي ظل الانقسام والعمل على انهائه، فإن شرعية السلطة في نظر الرأي العام في تآكل. إن التطورات الأخير تشكل نهاية الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل والسلطة الفلسطينية في السنوات الاخيرة وتمثلت في هدوء أمني وعقد تعاون وثيق في المجالات المدنية، وعلى أساس مشروع بناء الدولة من أسفل اعتماداً على المساعدات الدولية.
إن هذه الاستراتيجية لم تحقق حتى الآن إقامة دولة بتسوية مع إسرائيل. ومسيرة المفاوضات هي أساس العملية السياسية. بعد عشرين عاماً على أوسلو، ومفاوضات ثنائية منذ توقيع اتفاق أوسلو، يتضح أن مسيرة الحل السياسي القائم على المفاوضات في ظل موازين قوى مختلة، وأزمة اقتصادية عميقة وصلت إلى طريق مسدود.
ولهذا من الضروري البحث عن خيار آخر يكون هدفه إنهاء الاحتلال. إن النية التي كانت لدى السلطة الفلسطينية ضمن إستراتيجيتها تحقيق حكم مستقر والحفاظ على الهدوء الأمني آخذة بالانهيار.إن أي تحرك شعبي سيكون موجه ضد السلطة وإسرائيل و سيؤدي إلى عدم القدرة على ضبط الأوضاع الداخلية وإلى فشل السلطة في أداء دورها كحكم ناجح، وفرض صلاحيتها بشكل مستقل على الأرض وعلى السكان .
إن تعديل منظومة التسويات الاقتصادية بين الطرفين، سيؤدي إلى استمرارالسلطة بالقيام بدورها، وسيؤدي إلى تحررها التدريجي من التعلق المطلق بالمساعدات الخارجية واسرائيل، وهذا يعتمد على تقدم حقيقي نحو حل ينهي الاحتلال وتسوية سياسية تقوم على اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة - وليست دولة أمر واقع على حدود الرابع من حزيران.
خالد عطا
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين