- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2019-03-20
يوميات مواطن عادي
(83)
عمر ... وليس "رامبو"
انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين اطلاق لقب "رامبو" على الشاب الفلسطيني "عمر ابو ليلى" من محافظة سلفيت. حيث كان هذا الشاب قد هاجم جنوداً للاحتلال وقتل احدهم طعناً واستولى على سلاحه الذي استخدمه لاحقاً في مهاجمة جنود اخرين ومجموعة من المستوطنين، قبل ان يتمكن من الافلات من ملاحقة جنود الاحتلال له لمدة يومين متتاليين، الى ان تمكن جيش الاحتلال من اغتياله مساء الثلاثاء.
لم اتمكن من الوصول الى حقيقة مصدر اللقب، ومن الذي اطلقه على هذا الشاب، هل هو مصدر امني وعسكري من طرف الاحتلال، وهذا يمثل بالنسبة لهم وصف لجرأة ما قام به الشاب ونجاحه السريع في تنفيذ عمليته، وتمكنه من الفرار من وجه الجنود وعدم تمكنهم من الامساك به او تصفيته في مكان العملية، وربما ايضا بالنسبة للاحتلال هذا يعطي تبريراً لاحقاً لعملية الاغتيال لهذا الشاب تعبيراً عن مدى انزعاجهم من الضرر المعنوي والنفسي الذي سببه لهم، وربما اكثر من انزعاجهم من خسائرهم البشرية.
وربما مصدر اللقب طرف او شخص فلسطيني اراد ، واعتقد عن حسن نيه، التعبير عن اعجابه بما قام به شاب صغير في مقتبل العمر، وعن الجرأة والعزيمة التي تحلى خلال قيامه بذلك. والتعبير ايضاً عن الضربات المعنوية والبشرية التي سددها الشاب للاحتلال وجنوده المجهزين بأحدث الاسلحة والتقنيات ووسائل الحماية.
وعلى كل حال، وبغض النظر عن مصدر التسمية، فإنها اثارت انزعاجي وعدم ارتياحي، خاصة انني اعرف بعض الامور عن قصة "رامبو"، واتذكر انني شاهدت جزأين من اجزاء هذا لفيلم على شاشة التلفاز. حفزني الصديق "نبهان خريشه" على الكتابة على الامر حين كتب غاضباً على صفحته للتواصل الاجتماعي: " لا أعرف من الذي أطلق لقب رامبو فلسطين على الشهيد عمر ابو ليلى... أليس هناك اسماء أبطال فلسطينيين او عرب او مسلمين في التاريخ ليشبه بهم؟! ألم تجدوا سوى هذا اللقب الكاذب الذي يرمز للغطرسة الأمريكية لتلقبوا به الشهيد ابو ليلى؟!!! كفى اسقاطا لشعوركم بالدونية على شهدائنا!!".
"رامبو" اسم لفيلم امريكي باسم بطل الفيلم الممثل الامريكي "سيلفر ستالوني" ، اعتقد ان الممثل نفسه يشغل اليوم منصب عمدة لإحدى الولايات الامريكية. واشتهر الفيلم في سنوات الثمانين من القرن الماضي، وانتج منه عدة اجزاء (على الاقل شاهدت جزأين منها)، ويقوم فيها "رامبو" بمهمة محاولة تحرير جنود امريكيين اسرى في افغانستان في احد الاجزاء، وفي فيتنام في الجزء الآخر. وعلى كل حال يستخدم الفيلم تقنيات واساليب كثيرة للتأثير على المشاهد، من خلال عرض صور مزرية لأوضاع الجنود الاسرى في المكانين، والظروف المأساوية واللاإنسانية التي يعيشون فيها، والمعاملة القاسية التي يتعرضون لها، كل ذلك للإيحاء بأن منا يقوم به "رامبو" انما هو مهمة "انسانية"، ضد اعداء الانسانية. ويحاول الفيلم تصوير "رامبو" بانه انسان منحاز الى الحق والضمير ضد الشر والظلم والطغيان.
اما حقيقة الامر فان الفيلم انما جاء على خلفية الهزيمة التي منيت بها الولايات المتحدة الامريكية في حرب فيتنام منتصف سبعينات القرن الماضي. وللتغطية على الجرائم التي ارتكبتها وعمليات القتل والتدمير واستخدام مختلف انواع الاسلحة، حتى المحرمة دولياً، ضد الشعب الفيتنامي، حيث راح ضحيتها ملايين الفيتناميين. كما جاء الفيلم ايضاً للوصمة التي لحقت في حينه بالإدارة الامريكية وعدوانيتها وتدخلاتها المستمرة في مختلف البلدان والدول، ووقوفها الى جانب انظمة الظلم والقهر والطغيان، سواء في بلدان اميركا الجنوبية او حتى في بلدان الشرق الاوسط واسيا وغيرها من البلدان في شتى انحاء الارض، ووصلت ذروتها في التدخل والاحتلال العسكري في افغانستان ولاحقاً في العراق.
لم ينطلي الفيلم على الشعوب، التي عانت ولا تزال، من دعم الادارة الامريكية لأنظمة الظلم والعدوان، وعلى رأسها الاحتلال الاسرائيلي، وتغطيتها على جرائم هذا الاحتلال وعدوانه. ولم يتمكن الفيلم من تكريس صورة "رامبو" كنصير للحق. وبقيت صورة العدوان والظلم والقهر قائمة في اذهان الشعوب وتتمثل نموذجاً صارخاً في صورة الادارة الامريكية. ولا تزال حتى الآن صور شعب فيتنام الذي حرقته قنابل "النابالم"، ومعتقل "غوانتنامو"، وسجن ابو غريب في العراق هي النموذج الادق في التعبير عن تلك الصورة. اما تجسيدها القائم الى الآن فهو وقوفها ودعمها اللامحدود للاحتلال بكل غطرسته وسياساته العدوانية.
مهلا ايها الاصدقاء، عمر الشاب ابن التسعة عشر عاماً، لم يكن "رامبو" ولن يكون كذلك. واذا كانت الطريقة التي اختارها للتعبير عن رفضه للظلم والقهر والعدوان تميزت بالجرأة والسرعة وغيرها، فإنها انما تعبر عن ذلك الشعور بالظلم. وليس اوضح تعبيراً عن طبيعة ذلك الظلم مما قام به الاحتلال بعد ساعة واحدة فقط من اغتيال ذلك الشاب بعملية اغتيال اخرى تنطبق عليها كل معاني الغطرسة والظلم بإعدام شابين في مدينة نابلس بإطلاق الرصاص على مركبتهم ومن ثم "هرسها" بالجرافة.
نبيل دويكات
رام الله- 20 آذار 2019