- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2019-04-11
(1)
■ في عدد سابق من «الحرية»، كتب الزميل معتصم حمادة في صفحته الأسبوعية «تحت المجهر» يقول، إنه ولّى في الحالة الفلسطينية زمن الحزب الأكبر، وزمن الحزب القائد، وزمن معادلة «النصف +1» التي كانت تعتمدها فتح في تركيب الهيئات المؤسساتية، والاتحادات النقابية، خاصة بعدما باتت الانتخابات هي المرجعية في تشكيل المؤسسة، وبات نظام التمثيل النسبي الكامل، هو المعتمد، وبعد أن شهدت الحالة الفلسطينية تحولات سياسية، صعدت فيها قوى، وهبطت قوى، في نظر الجمهور، بفعل سياساتها الوطنية، وإدارتها للشأن العام في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وبفعل تشابك الحالة الوطنية، مع الحالة الاجتماعية، وتطور آليات الصراع وأدواته مع دولة الاحتلال ومشاريع التسوية، فضلاً عن توفر أدوات ميدانية استبيانية، ترتقي إلى حد كبير من المصداقية، لا تتوقف عن رصد المزاج السياسي والاجتماعي الشعبي المتحول. فالسياسة والصراع الاجتماعي، حالة متحولة، لها في نفوس المواطنين وفي رؤياهم ردود فعل، مرة تكون سلبية وأخرى إيجابية، وبالتالي، فقد أصبحت المرحلة الفلسطينية، بسماتها الراهنة تستند إلى أدوات تكشف إلى حد كبير حقائق الميزان الجماهيري. بالانتخابات مرة، واستطلاعات الرأي مرات. وهي، تشكل معياراً للرأي العام، وإن كانت نسبة الخلل فيها، باعتراف أصحابها، لا تغير من جوهر النتائج.
من بين مراكز الاستطلاع التي احتلت مكانة مرموقة في رصد الرأي العام الفلسطيني، «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» بإدارة الدكتور خليل الشقاقي(رام الله) والذي يصدر فصلياً نتائج استطلاعاته على الملأ، على منصته الالكترونية. وكان آخر ما صدر عنه الاستطلاع العام الرقم 70 (12-16/12/2018) والرقم 71(13-16/3/2019)، مع ملاحظة يؤكدها المركز أن نتائج استطلاعاته تتأثر بالضرورة بالتطورات التي تعكس نفسها على الرأي العام. أي إنه يؤكد أن الرأي العام، وأن الخيار السياسي والاجتماعي، ليس أمراً ثابتاً، بل هو متحرك بتحرك الحدث السياسي والتطور الاجتماعي، وهذه خلاصة يؤكد من خلالها صحة ما جاء بقلم زميلنا حمادة أن الحالة الفلسطينية تتغير، وأن الجمود مسألة غير علمية وأن المزاج السياسي رجراج، وأن الانحيازات دائمة، وأن ما كان يشكل معادلات سياسية في الحالة الفلسطينية أخلى مكانه لمعادلات جديدة.
(2)
في قراءة ملخصة لنتائج الاستطلاعين نلاحظ التالي:
1) في الانتخابات الرئاسية والتشريعية:
• لو جرت الانتخابات الآن لحصل الرئيس عباس على 51% وإسماعيل هنية على 41%، بينما في الاستطلاع السابق حصل عباس على 42% و49% لهنية. في وقت تبلغ نسبة عدم الرضا عن أداء الرئيس عباس 62%. بينما لو جرت الإنتخابات بين مروان البرغوثي وهنية لحصل البرغوثي على 61% وهنية على 33%.
• أما في الإنتخابات البرلمانية فإن 32% أيدوا حماس، و 39% أيدوا فتح بينما في الإستطلاع السابق نالت حماس 34% وفتح 35%.
• أما بشأن م.ت.ف فإن 54% يرون في المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً، و42% لا يرونها كذلك. بينما نسبة الإعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً، بلغت 58% قبل تسعة أشهر. ما يعكس الموقف من السياسات اليومية لقيادة المنظمة ودورها الهابط.
2) في رئاسة الوزارة والحكومة الجديدة
• تقول ما نسبته 40% إنها غير راضية عن تكليف محمد اشتيه تشكيل الحكومة الجديدة، لصالح 38% لا ترى فيه الرجل المناسب.
• نسبة 48% تقول إن حكومة جديدة برئاسة اشتيه لن تتمكن من تحقيق المصالحة وتوحيد الضفة والقطاع فيما تعتقد 35% بإمكانية ذلك.
• وكذلك تقول 44% إن الحكومة الجديدة لن تتمكن من إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة والقطاع مقابل 40% تعتقد ذلك.
• ويجزم 50% من الجمهور أن حكومة اشتيه لن تتمكن من تحسين الأوضاع الإقتصادية فيما تقول 36% عكس ذلك.
3) في الأوضاع الداخلية
• الغالبية العظمى (69%) لا يشعرون بالأمان الوظيفي، إذ يخشون توقف دفع الرواتب لموظفي السلطة أمام إستقطاع إسرائيل لأجزاء من أموال الضرائب ورفض السلطة تسلم الباقي.
• 54% يتوقعون إنهيار السلطة في حال توقفت عن إستلام أموال الضرائب.
• نسبة التقييم الإيجابي لأوضاع القطاع 4% فقط ونسبة التقييم الإيجابي لأوضاع الضفة 20% فقط.
• نسبة الإحساس بالأمان والسلامة الشخصية في قطاع غزة تبلغ 64% وفي الضفة 57%.
• في الضفة تقول نسبة 32% من السكان إن الناس يستطيعون إنتقاد السلطة بدون خوف. ونسبة 65% تقول عكس ذلك.
• أما في غزة فإن نسبة 41% يقولون إن سكان القطاع يستطيعون إنتقاد السلطة في غزة دون خوف، و53% يقولون عكس ذلك.
• أما نسبة الإعتقاد بوجود فساد في السلطة، فتبلغ 82%.
4) المصالحة والحكومة
• 30% متفائلون بنجاح المصالحة و 67% غير متفائلين.
• يرفض الجمهور موقف الرئيس عباس القائل بأن على حماس تسليم القطاع بالكامل لحكومة رام الله، وتقول أغلبية 58% أنها لا توافق على ذلك بينما توافق عليه 38%.
• ويقول 71% أنهم مع بقاء الكتائب المسلحة إلى جانب قوى الأمن الرسمية التابعة للسلطة، بينما قالت 24% أنها ضد ذلك. من الملفت أن الفروقات بين مواقف سكان الضفة والقطاع من هذه المسألة ضئيلة.
• كما تطالب 82% من السلطة الفلسطينية (الغالبية العظمى) رفع الإجراءات ضد القطاع كخصومات الرواتب أو تقليل ساعات الكهرباء.
5) العملية السياسية:
• عن الحل السياسي مع دولة الإحتلال، قالت نسبة من 45% إنها تؤيد دولة مستقلة على حدود حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية. فيما قالت نسبة من 50% أنها تعارض حل الدولتين بينما أيدت 22% حل الدولة الواحدة، فيما قالت نسبة من 23% إنها تفضل «حلاً آخر»، لم تشرح وتفصح عن مضمونه.
• لكن بالمقابل استبعدت نسبة من 77% قيام الدولة الفلسطينية في السنوات الخمس القادمة.
• وعن أسلوب النضال قالت نسبة من 55% إنه في ظل تعطل المفاوضات فهي تؤيد المقاومة الشعبية فيما قالت نسبة من 54% أنها تؤيد العودة لإنتفاضة مسلحة.
• بالمقابل يؤيد 65% قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، في الوقت نفسه أعرب 78% عن رأيهم بأن قيادة السلطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية لن تفعل ذلك.
خلاصة نهائية أولية:
يمكن أن نستخلص من قراءة نتائج الإستطلاع أن المزاج الشعبي في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، في واد وأن سياسة القيادة الرسمية في وادي آخر، وأن الثقة بالسلطة وقيادتها متدنية جداً.
وأن هناك رأياً عاماً يرى الفساد مستشرياً في دوائر السلطة دون إستثناء، ما يقود إلى السؤال التالي: من تعكس السلطة بسياستها، ما دامت الأغلبية من الفلسطينيين لا تثق بها، ولا توافق على سياستها، وكيف يمكن لمسيرة النضال أن تتقدم إلى الأمام في ظل الهوة الفاصلة بين قيادة لا تحوز على ثقة الشارع، وبين شارع يرى علامات العجز بادية على ملامح السلطة، خاصة في الجانب المتعلق بتنفيذ قرارات المجلس الوطني وفي ظل تمسكها ببقايا إتفاق أوسلو.
(3)
من الدلالات الأخرى على نهاية معادلة الحزب القائد، ومعادلة «النصف + 1»، الإنتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) 2006. حين نجحت حركة حماس، في ظل قانون إنتخابي إقصائي ومتخلف، في الفوز بـ 74 مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي، وبرئاسة المجلس، وبالحكومة بكامل أعضائها، بينما فازت فتح بـ 49 مقعداً فقط لا غيره هذا ما وقع في ظل القانون المتخلف والإقصائي، الذي أصرت فتح على التمسك به، ظناً منها أنه سيمكنها مرة أخرة من الإستحواذ على أغلبية المجلس التشريعي، وعلى إقصاء الآخرين. كانت النتيجة أن فتح دفعت الثمن غالياً، وإنتقلت في ليلة وضحاها من حزب حاكم إلى حزب معارض، مرتبك في كيفية إدارة معارضته، غير متنبه لما يتم التحضير ويرسم له، إلى أن وقع الإنفجار الكبير يوم 14/6/2007، ومازالت الحالة الفلسطينية تعيش تداعيات وهزات هذا الإنفجار وإرتداداته.
وهكذا يقول صندوق الإقتراع إنه ليس هناك حزب أول، على طول الخط بلا تغيير، وأنه ليس هناك موقع ثانٍ وثالث، بشكل ثابت، وأن المقاعد يعاد توزيعها في كل دورة إنتخابات. هذه هي تجربة الإنتخابات التشريعية، (2006)، وإنتخابات شعوب أخرى، من الهند، إلى الدول الغربية، إلى أستراليا، إلى الولايات المتحدة، إلى تونس، والمغرب وسواها، حيث تنتظم العمليات الإنتخابية في ظل قوانين تسمح بالتغيير.
(4)
مثال آخر على صحة هذا التقدير، وعلى دور صندوق الإقتراع، ما جرى في إنتخابات نقابة الأطباء في الضفة الفلسطينية. إذ تنافست على مقاعد النقابة، في المحافظات وفي رئاسة النقابة لائحتان. واحدة هي قائمة «الحراك» وتضم إئتلافاً لأطباء مستقلين ومقربين من بعض الفصائل، وقائمة فتح. النتائج كانت أن فتح خسرت في كافة المحافظات، ماعدا بيت لحم بفارق صوت واحد (5 مقابل 4) بينما كانت خسارتها فادحة في باقي المحافظات (طول كرم 7 مقابل 2 – الخليل 7 مقابل 2 – قلقيلية 7 مقابل 2) أما في إنتخاب النقيب فقد فاز النقيب المستقيل بنسبة 67% من الأصوات بينما نال مرشح فتح لمنصب النقيب على 23% من الأصوات. وبالتالي، تحولت فتح إلى الأقلية رغم أنها في السلطة، وأنها تسيطر على وزارة الصحة، وعلى كافة الأقسام والوزارات حيث يتواجد الأطباء. وهذه خلاصة فاقعة تبين العديد من الحقائق التي بإمكان أي محلل أن يخرج بها بسهولة.
كما من الأمثلة الإضافية الإنتخابات المحلية والبلدية التي جرت في الضفة الفلسطينية وأعلنت نتائجها الرسمية في 14/5/2017، إذ أوضحت اللجنة المركزية للإنتخابات أن القوائم المستقلة فازت بـ65% من المجالس البلدية والمحلية، وأن القوائم الحزبية فازت بـ 35% فقط من المجالس. ومن يراجع ما واكب هذه الانتخابات من ملابسات وتطورات سيلاحظ أن حركة فتح فشلت في تأليف لوائح خاصة بها، تمكنها من الفوز في الانتخابات، وأن الفعاليات المستقلة، وقفت موقف المعارض، تعبيراً عن تقييمها لأداء السلطة الفلسطينية كحكومة أولاً، ولفتح كمجالس بلدية ثانياً، وللطرفين معاً في إدارة المسألة الوطنية في المواجهة السياسية مع الإدارة الأميركية ومع دولة الإحتلال، حتى أن بعض قيادات فتح هرب من التشكيل الفتحاوي إلى رحاب تشكيلات المستقلين، ففاز على لوائح المستقلين بينما فشل زملاؤه وإخوانه في الفوز في الانتخابات تحت الراية الصفراء، أي راية فتح.
بالمقابل لاحظ المراقبون أن لوائح الجبهة الديمقراطية ومرشحيها قد حققوا تقدماً ملموساً إلى الأمام حين حلت الجبهة في الموقع الثاني من حيث عدد المجالس وعدد المقاعد التي فاز بها مرشحوها، ما يؤكد أن صندوق الاقتراع، وتواصل عملية الإقتراع، وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، هو المعيار، وهو معيار لا يثبت على أرقام جامدة بل معيار متحرك، تتقدم تحت رايته وفي ضوئه قوى، وتتراجع قوى أخرى، وهذا حكم الديمقراطية والتعددية في العمل السياسي.■
(يتبع حلقة أخرى)