- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2019-04-20
ما أصدق القول المأثور ان الشعب يمهل ولا يهمل، والذي يجسده هذه الايام الشعبان الجزائري والسوداني، في الانقضاض على نظامي بوتفليقة وعمر البشير، بعد ان حكما بلديهما عشرين وثلاثين سنة على التوالي، وتشبثا بالسلطة وامتيازاتها تشبث الاعمى بشباك الكاظم (ع) كما يقول المثل الشعبي.
ورغم الاختلاف النسبي بين النظامين، فان النظام الذي شيده بوتفليقة في الجزائر ربما اقل دموية من نظام البشير الذي اذاق الشعب السوداني الويلات وجلب له من الكوارث مالا يحصى، وحكم السودان بقوة الحديد والنار، متلفعاً بغطاء ديني زائف، ومتنقلاً بين تحالفات واصطفافات فاقدة للشرعية، وغير قادرة على تقديم ما ينفع السودانيين، ولو بمثقال ذرة. إلا أن النتيجة كانت واحدة، وهي ترحيل النظامين الى مزبلة التاريخ، تحفّ بهما لعنات الشعبين، ومقتهما الذي لا حدود له.
إن غياب الديمقراطية، ومصادرة الحريات العامة والشخصية، أو تقزيمها والالتفاف عليها، والتي يلجأ اليها الحكام المستبدون والدكتاتوريون عادة، بالتزامن مع تضخيم اجهزتهم القمعية، واطلاق يدها في اضطهاد شعوبهم وقواها الحية، وممارسة الديماغوجية بأبشع صورها وتلاوينها، وصولاً الى سرقة اموال الشعب وثرواته، وإيصاله الى مستوى من العيش لا يليق بالبشر، ولا يمكن القبول به بأية حال من الأحوال، رغم الغنى الفاحش والخيرات التي بحوزته، دون ان يتعففوا عن استخدام كل السبل والوسائل اللاأخلاقية لإدامة حكمهم، والاستمرار في خداع شعوبهم، ودون ان يدركوا أن الصبر على ممارساتهم الاجرامية، ليس ناجماً عن الغفلة او الانخداع بما يفعلون، وان كأس الصبر سيطفح عن آخره عاجلاً ام اجلاُ، وسيكون الحساب عسيراً، ولات ساعة مندم!
ان خلايا هؤلاء الحكام ومساماتهم، تشربت الغباء السياسي وامتلأت به مبكراً، فانطفأت مصابيح العقل إن كان ثمة عقل لديهم، ولم يستفيدوا من تجارب ومصائر الدكتاتوريين الذين سبقوهم في تدمير شعوبهم وتخريب أوطانهم.
يطلق الآن بحق على هاتين الانتفاضتين الباسلتين، تسمية الربيع العربي الجديد، وهو أكثر جذرية من الأصل، لأن القوى الطليعية في البلدين لم تكتف بما حصل من تغيير، وانما تعمل على تحقيق الانتصار الكامل، وقطع الطريق على العسكر الذين يريدون سرقة الثورة والإبقاء على جوهر النظام، عن طريق تكرار السيناريو المصري، وكأن شيئاً لم يكن.
فرحة العراقيين مضاعفة بانتصارات اشقائهم في السودان والجزائر، لأنهم تخلصوا من كابوسيهما، ولو ان المعركة لم تنته بعد كما أعلنت المعارضة السودانية، ان مطالب الثورة لا تقبل المساومة او التلاعب، ولابد من تنحي النظام بأكمله، ونقل السلطة الى حكومة مدنية انتقالية، تعمل على تكوينها قوى وأحزاب إعلان الحرية والتغيير التي نبعت من عمق الثورة، وان هذه المطالب ليست منّة او صدقة من أحد.
هذا بالإضافة الى زخمهما المعنوي، وتأثيرهما الايجابي على القوى المدنية الديمقراطية والوطنية العراقية، وترسيخ قناعتها بأن الحراك الجماهيري النشيط، والمشاركة المليونية في التظاهرات السلمية والاعتصامات، كفيلة بتحقيق ما يصبو إليه العراقيون في إصلاح العملية السياسية، ودفن المحاصصة، ومكافحة الفساد المالي والإداري والسياسي بجدية، وبإرادة صلبة،
وتوفير الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وسكن لائق، وبالتالي إنقاذ العراق من الهاوية الفاغرة فاها لابتلاعه، وإنهاء وجوده.